التأخي / وكالات
عكست انتفاضة الإعلام الرياضي بمصر ضد اتهامه بعدم المهنية أخيرا تهاوي صورته، بطريقة لم يعد قادرا على ترميمها، ما يدفع عاملين فيه إلى مبادلة من ينتقدهم بردة فعل عنيفة دون اعتراف بوجود أزمة تستدعي وقفة صارمة .
وما إن نفى قائد النادي الأهلي محمد الشناوي، خلال مؤتمر صحفي قبيل مباراة نهائي دوري أبطال أفريقيا أمام الترجي التونسي ، وجود أزمة بين اللاعبين، متهما الصحافة الرياضية بافتعال مشكلات، حتى أصدرت رابطة النقاد الرياضيين بيانا حادا ضد ما وصفته بـ”الإساءة البالغة للصحافيين .”
وقالت الرابطة التي تعمل في إطار نقابة الصحافيين إن “تجاوز الشناوي غير مقبول، وسيتم التعامل معه بحزم”، وطالبت إدارة النادي الأهلي بتصحيح الخطأ الفادح الذي وقع فيه اللاعب والاعتذار عن تصريحاته وتأكيد احترامه للصحافة المصرية .
وانتهت الأزمة بمجرد خروج اللاعب عقب فوز فريقه بالبطولة مؤكدا احترامه للإعلام وأنه كان ينتقد “صحافة بعينها”، بعدها أصدرت الرابطة بيانا ثمنت فيه تصريحات قائد الأهلي، بعد تلويحها بمقاضاته بالتنسيق مع نقيب الصحافيين .
وأظهر التعاطف الشعبي مع قائد النادي عمق الأزمة التي يعاني منها الإعلام الرياضي في مصر، وهو ما كشفه لاعبو وجماهير الكرة الذين تحدثوا عن أخطاء مهنية فادحة أصبحت تضرب التغطية الصحفية للقضايا الرياضية على الساحة المصرية .
وكتب حارس نادي بيراميدز حاليا والأهلي سابقا شريف إكرامي على صفحته الرسمية بموقع إكس “هل اعتذرت رابطة النقاد من قبل عن كم الأخبار غير الصحيحة التي تخرج من بعض الصحافيين المعتمدين من النقابة. وهل اعتذرتم عن القصور في تطبيق المعايير المهنية.. لماذا تعطون لأنفسكم الحق في انتقاد أي شيء يخص الكرة لكن لا تقبلون النقد .”
وزاد إكرامي من حرج الإعلام المصري عموما بقوله “حرية التعبير مبدأ تحارب دائما الصحافة من أجله، فرجاء لا تكيلوا بمكيالين. إذا كان الشناوي مدينا لكم باعتذار، فأنتم مدينون بألف اعتذار”، وهي عبارة عكست الوجه الحقيقي للكثير من وسائل الإعلام، فهي لا تقبل المساس بها، وتبادر بالهجوم على كل ما يتناول أخطاءها المهنية دون البحث عن الأسباب والخلفيات وعلاجها .
وتؤكد الأزمة بين رابطة النقاد ولاعب الأهلي أن جزءا من أزمة الإعلام عدم اعترافه بالخطأ، فهناك معلومات مغلوطة لا تتفق مع المعايير المهنية يتم بثها، بعد أن سيطر على بعضه التحزب والتعصب لأندية معينة، مقابل الهجوم على كيانات منافسة، ما يعبر عن مشكلة أكبر تتعلق بتحول بعض الصحافيين إلى مشجعين للأندية .
وترتبط المشكلة بسيطرة الانتماء الكروي على شريحة من الصحافيين ومقدمي البرامج المتخصصة في شؤون الألعاب المختلفة، حيث يكون تشجيع الصحافي أو المذيع لنادي بعينه حاكما لطريقة تناوله للأخبار والأحداث الرياضية، ما يؤثر سلبا على المهنية المطلوبة ويجعل الإعلامي محسوبا على طرف ويؤشر على غياب المصداقية في طرح القضايا .
وتسبب صمت الهيئات الإعلامية على فوضى بعض البرامج الرياضية في انتقال نفس السلبيات إلى الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي، وهناك محررون معروفون يدعمون أندية في إصداراتهم ومواقعهم الإلكترونية، وسط شكوك في بحثهم عن مصالح أو محاولة العمل ضمن المنظومة الإعلامية للنادي مقابل عائد مادي .
وقال الخبير الإعلامي، رئيس تحرير جريدة “الأهرام ويكلي” سابقا، جلال نصار إن “الإعلام الرياضي سيظل يعاني أزمة في غياب عدم الاعتراف بالأخطاء، ووجود حساسية مفرطة ضد من ينتقد عدم تطبيق مواثيق الشرف الإعلامي، وهذا لا يعني أن كل المنابر بلا مصداقية، لكن ما يظهر لكثيرين هو أن هناك أزمة مهنية تتطلب تدخلا عاجلا بفرض الاستقلال، وتحاشي تغطية القضايا الرياضية بعقلية المشجع .”
وأوضح أن “الانتماء الرياضي لبعض الصحافيين ومقدمي البرامج الرياضية أزمة معقدة، تعبر عن اختلال في المعايير، وحلها بحاجة إلى وقفة من كل الأطراف وليس من جهة واحدة، لأن الأسباب متشعبة، والخطر الأكبر أن يشعر الجمهور بأن الرسالة الموجهة إليه إعلاميا لها أهداف ومآرب خفية، فالوسيط الذي يوصلها مشكوك في توجهاته وأهدافه، وهو ما يسيء إلى الإعلام عموما .”
واستثمر صحافيون أزمة محمد الشناوي مع الإعلام الرياضي للكتابة عبر صفحاتهم الشخصية عن حقائق لا يرغب المسؤولون في الاعتراف بها .
وكتب أحدهم قائلا “تهكم قائد الأهلي على الصحافة الرياضية يمكن اعتباره خطوة ممتازة للانطلاق في مصارحة حول الدور الحقيقي للصحافة والعلاقة الأساسية بين الصحافيين والشخصيات العامة أو كل مصادر المعلومات التي نسميها المصدر، ثم الموازنة بما يحدث على أرض الواقع”
وقال آخر “يوجد عدد من الصحافيين الرياضيين تحولوا إلى مشجعين مذعورين على أنديتهم أكثر من خوفهم على المهنة، وهذا مقبول لو كنت مسؤولا إعلاميا تعمل في النادي وتتحصل على أموال بشكل رسمي، لكن من غير المقبول أن يتحول الصحافي إلى مندوب للنادي في الصحيفة وليس العكس. وللأسف علاقة الصحافي بالمصدر الرياضي تجاوزت الحدود، وصارت بينهما مصالح مشتركة .”