محمود صالح شيرواني
بعد تولي أحمد حسن البكر (وصدام حسين) حكم العراق بعد انقلاب ١٧-٣٠ تموز ١٩٦٨، حاول نظام الحزب الحاكم الدكتاتوري، حزب البعث العربي الاشتراكي، أن يكسر عزلته الدولية بالتقرب من الاتحاد السوفياتي وإصلاح وتجديد العلاقات السياسية معه، وكان في ظن الحزب البعثي أن الاتحاد السوفياتي لن يعقد أي اتفاق أو تحالف أو لن يقوم بأي تقارب مع نظام الحكم البعثي في العراق ما لم يحظى الحزب الشيوعي العراقي بحرية ممارسة نشاطاته السياسية. وبالطبع في حدود معينة. ولذلك، شهدت الساحة السياسية العراقية بشكل غريب وعجيب ومريب السماح بعودة بعض النشاطات السياسية السطحية والاسمية (تحت أعين الأجهزة المخابراتية)، للحزب الشيوعي العراقي، حتى أن صدام حسين نفسه أبدى إعجابه بآراء وأفكار وتحليلات القادة من الحزب الشيوعي العراقي، حتى يبدو في صورة منفتحة ظاهريًا/إعلاميًا أمام هذا الحزب وثم الاتحاد السوفياتي.
وفي تلك الفترة، نهاية الستينيات من القرن الماضي وما بعدها، ظهرت نكتة سياسية متداولة في الشارع العراقي، ملخصها أن أحد الأشخاص كتب على لافتة مقر الحزب الشيوعي العراقي في بغداد مقولة (لصاحبه حزب البعث العربي الاشتراكي)، إشارة إلى أن حزب البعث جعل من الحزب الشيوعي (كارتونًا) فارغًا، ويتحكم بكل نشاطاته ويتجسس على كل تحركات أعضائه. فمن المستحيل على حزب البعث في حينه أن يقبل بأصوات سياسية أخرى غير صوته، ولكنها السياسة النفعية/البراغماتية.
وبعد عام ٢٠٠٣، وسقوط نظام صدام حسين البعثي عن طريق قوة خارجية (أمريكا وحلفائها)، ولد نظام التعددية السياسية وتداول السلطة – الديمقراطية كما يسمونها – فلم يعد هناك حزب يفرض أيديولوجيته وسياساته بالقوة والعنف والقسوة والوحشية على الأحزاب الأخرى كما كان يفعل حزب البعث، ولكن، ومع ولادة عشرات الأحزاب السياسية التي تعبر عن القوميات والطوائف في العراق، ظهرت مصيبة أخرى يمكن أن يتنكت عليها العراقيون دائمًا، كما كانوا يفعلون مع حزبي البعث والشيوعي، وهم يفعلون ذلك واقعيًا.
هذه المصيبة والقارعة هي ارتباط الأحزاب السياسية بالجهات والدول الإقليمية وحتى الدولية، رغم ادعاءاتها المزيفة وشعاراتها البراقة بوطنيتها. فبدل أن يقال: الحزب الشيوعي لصاحبه حزب البعث العربي الاشتراكي، يمكن أن يقال: الحزب الفلاني لصاحبه الدولة الآسيوية، والحزب الفلاني لصاحبه الدولة الإيرانية، والحزب الفلاني لصاحبه الدولة الواقواقية، والحزب الفلاني لصاحبه الدولة الخليجية الفلانية.. وهكذا. وأما متى سيقول الشعب العراقي، الذي بات لا ينتظر من أحزابه الخير: الحزب الفلاني لصاحبه الدولة العراقية؟! فهذا من علم الغيب، والبشر لا يعرفون الغيب.