ارهاصات بيئية .. التلوث الناجم عن استخراج النفط في العراق

صادق الازرقي

في كل مرة وبعد ان يهدأ، سرعان ما يعود الحديث عن التلوث النفطي في العراق؛ الذي تتسبب فيه الشركات عند قيامها بأعمال الاستخراج وما يتعلق به.

والتلوث الناجم عن عمليات شركات النفط في العراق يشكل تحديا بيئيا وصحيا كبيرا، واحدة من أبرز المشكلات البيئية هي حرق الغاز المصاحب لاستخراج النفط، اذ يجري إحراق الغاز الفائض من عمليات الاستخراج بدلا من استعماله أو تخزينه.

 هذا الحرق يؤدي إلى إطلاق كميات هائلة من الملوثات الضارة، بما في ذلك البنزين، وهو مادة مسرطنة معروفة تسبب زيادة في معدلات الإصابة بالسرطان في المناطق القريبة من الحقول النفطية، مثل البصرة، والأثر الصحي لهذا التلوث خطير للغاية.

وتشير تقارير إلى أن مستويات الإصابة بالسرطان في مناطق محافظة البصرة قد ارتفعت بشكل ملحوظ، اذ أن معدلات الإصابة تفوق المعدلات المعلنة رسميًا بثلاثة أضعاف. المسؤولون الحكوميون في العراق اعترفوا بتواجد صلة بين التلوث النفطي والارتفاع الحاد في حالات السرطان، مشددين على الحاجة إلى تنظيم أكثر صرامة لعمليات الحرق.

 يؤدي التلوث الناجم عن صناعة النفط إلى تدهور البيئة بشكل عام؛ على سبيل المثال، تتعرض الأهوار في جنوب العراق للجفاف الشديد والتملح بسبب التلوث وتغير المناخ، مما يؤدي إلى تدمير النظام البيئي المحلي ويجبر كثيرا من المزارعين والرعاة على النزوح، وتعد معالجة هذه المشكلات أمراً ملحاً، ويتطلب ذلك تنفيذ سياسات بيئية صارمة وتنظيم عمليات الحرق، فضلا عن توفير الرعاية الصحية للمجتمعات المتضررة وتعويضها عن الأضرار الناجمة عن التلوث.

ان معالجة التلوث النفطي والانبعاثات الغازية تتطلب اتباع استراتيجيات متعددة تشمل التكنولوجيا والسياسات والتنظيمات البيئية؛ ومن ذلك استعمال التكنولوجيا لتحويل الغاز المصاحب، اذ يمكن استعمال تقنيات مثل حقن الغاز في الآبار لإعادة الضغط، أو تحويل الغاز إلى سوائل مثل الديزل، أو استغلاله لتوليد الكهرباء.

كما تتطلب تشجيع استثمارات القطاع الخاص بتقديم حوافز للشركات للاستثمار في تقنيات التقاط الغاز واستغلاله بدلا من حرقه.

ومن المعالجات الاخرى بناء شبكات أنابيب لنقل الغاز المصاحب إلى محطات المعالجة بدلا من حرقه في مواقع الإنتاج، وإنشاء محطات معالجة بتطوير محطات لمعالجة الغاز وتحويله إلى منتجات قابلة للاستعمال مثل الوقود النظيف أو المواد الكيميائية الصناعية.

كما يتوجب سنّ قوانين تحد من حرق الغاز وتفرض عقوبات على الشركات التي لا تلتزم بالمعايير البيئية، وتبني معايير بيئية دولية مثل تلك التي تضعها وكالة حماية البيئة الأمريكية أو الاتحاد الأوروبي.

ويجب ايضا إطلاق حملات توعية بشأن آثار التلوث النفطي على الصحة والبيئة، والتشجيع على المشاركة المجتمعية في رصد ومراقبة التلوث، وإشراك المجتمعات المحلية في تخطيط وتنفيذ مشاريع بيئية، وضمان استفادتهم من المشاريع التنموية.

كما يجب الاستفادة من الخبرات الدولية بالتعاون مع المنظمات الدولية والحكومات الأخرى للانتفاع من خبراتها في معالجة التلوث النفطي، والحصول على التمويل بطلب دعم مالي وتقني من المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي أو الأمم المتحدة لتنفيذ مشاريع بيئية.

باتباع هذه الاستراتيجيات المتكاملة، يمكن للعراق تخفيف آثار التلوث النفطي والانبعاثات الغازية، مما يسهم في حماية البيئة وصحة السكان.

 

 

قد يعجبك ايضا