حوار من النار إلى النور .. مع الشاعر عصمت شاهين الدوسكي

 

حوار الدكتورة السورية : رويده عباس

 

* الشعر قبل كل شيء إحساس

* كاوه الحداد مشهدا للنور

* المرأة الكوردية عروسة في كل الفصول

*حينما يشرخ الدار تظهر المعاناة

*الغربة الجدارية تنقلك إلى عالم آخر

* رمزية آذار تعاني من الحقيقة المخفية بين شعلة النار وحقيقة النور

التعبير المقرب يكون أقرب إلى تجزئة التعبير*

 

 

حضرة الشاعر ….الأستاذ عصمت شاهين الدوسكي يسرني أن التقي بكم مجددا في حوار بعنوان من النار إلى النور

يكشف الحوار النقاب عن رؤية مرتبطة بعيد نوروز. لهذا العيد من أهمية للناس الذين يحتفلون به في الحادي والعشرين من شهر ٱذار من كل عام، هذا الحوار يعري التقاليد ، ويكشف فلسفة خاصة بهذا العيد… بداية دعني أرحب بكم حضرة الشاعر تحية طيبة .

 

 

* حضرتك…في البداية إذا سمحت لنعطي نبذة مختصرة عن أهم المواضيع التي تناولتها في شعرك …يسعدني أن أتعرف على ما يجذب انتباهكم…ويثير أحاسيسكم….

 

– الشعر قبل كل شيء إحساس ،صورة نفسية روحية فكرية تجسد واقع ما ، إيحاء فكرة كلمة صورة مرئية خيال تكون شكلا شعريا على الورقة ،شتى المواضيع تناولتها في شعري الأرض الحرب الحب الجمال الثورة الحرية الإنهيار الانتصار النار النور الفساد الظلم ثورة الوعي  الإنسانية بكافة عوالمها الرحبة هناك أحداث مصيرية لا يمكن للشاعر أن يسكت عنها فالساكت عن الحق شيطان أخرس وقصائدي رسائل مباشرة للعالم أيقونة النور لكل الأزمنة والأمكنة  .

 

* الأستاذ عصمت شاهين دوسكي العاشق أبدا للحب والجمال والحرية….ما هي المٱسي…الأحزان والٱلام  التي يذكرك بها شهر ٱذار….؟

 

– شهر آذار شهر الحب والجمال والعطاء والخيرات والنور الكوني والأرضي والإنساني يتمثل في الرحمة الإلهية على البشر ونقل هذه الرحمة من إنسان إلى إنسان ليعم الخير على الجميع أما المآسي والظلم والآلام فهي من صنيعة الظالمين الفاسدين فما كان كاوه الحداد عبر التاريخ إلا مشهدا للنور عبر شعلة النار وليس اتخاذ النار طوافا رمزا للشر بل اتخاذ النار نورا للنفس والروح والأفكار والعبرة الوحيدة هي النور من خلال رمز وشكل النار  .

 

* كيف كان وقع هذه المآسي على المرأة في كوردستان ..؟

 

– المرأة الكوردية عروسة في كل الفصول رغم التقاليد البالية والذكورية المفرطة أصبحت أكثر وجودية وأكثر تحررا وأكثر عطاء وهذا ما نراه في تثبيت ذاتها في مجال الإعلام والمؤسسات الثقافية والاجتماعية والمنظمات الإنسانية ومشاركتها في الجيش وغيرها كثير ،فهي تناغم التقاليد ليس حرصا على التقاليد بل حرصا على إثبات وجودها كيانها وتقديم ما لديها من علم وتربية وأخلاق وإبداع إضافة إنها ملكة في بيتها ،نعم تعاني المرأة الكثير من المآسي في عصر يرى المرأة متعة وقتية وخادمة مسخرة لكل شيء فزمن الجواري والرق ما زال قائما بصورة وأخرى رغم التطور الهائل في العالم  .

 

*حضرة الشاعر وتشردت حروف الدار…. ما بالي بهذا التشبيه الرائع …؟

 

– الدار يعني وطن أمان استقرار دفء حب رحمة تواصل بين القلوب شمل الأرواح وتناسق النفوس وصورة مثالية للحياة وحينما يشرخ الدار تظهر المعاناة  في أركانه جدرانه أبوابه نوافذه حديقته ، يسلط التعب والجهد على ساكنيه وحينما يقصف الدار ولم يبقى سوى أطلالا هنا تتجلى معاني الدار بكل تفاصيله الوجودية الزمنية المكانية وهذا ما دونته بالتفصيل في روايتي الإرهاب ودمار الحدباء وكذلك في قصائدي مثل التشرد ،وطن السلام ،أحلام حيارى ، سنجار ، كاوه الحداد ، دهوك ، العبارة ، حلبجة الجريحة وغزة وغزوات وأنا بلا  عمل وغيرها .

 

*من مثلي بكى على وجع الغربة بين جدران وجدار…ماذا تقصد بالجدار والجدران …؟

– جدلية الوجود واللا وجود والحياة واللا حياة  والجهل واللا جهل والوعي واللا وعي والفساد واللا فساد والعطاء واللا عطاء والحب واللا حب، حياة تطوقها جدران قد تكون جدران روحية نفسية أو مكانية والقيود ليس سلاسل مقيدة على المعصمين ربما تكون بين الأهل والناس والمجتمع لكن تحس نفسك مقيدا وحيدا تشعر بالغربة هذه الغربة الجدارية تنقلك إلى عالم آخر لا يراه سواك أنت ولا أحد يشعر بك مثلا وجودك في بيت أو شقة فارغة ليس فيها سوى فرشة تنام عليها أو قطع من الكارتون والجرائد تنام عليها أليست هذه غربة داخل غربة ..؟ ، وما أكثر البشر الذين يشعرون بهذه الغربة الروحية والمكانية والزمنية كأنك تعيش في زمن ليس زمنك ومكان ليس مكانك .. وهذا الشعور هي نار تؤلمك وهو نور الغربة الذي لا ينطلي عليك مهما حاولت الابتعاد عنه .

 

 

*** أنا آذار

بطل بلا شهادة

أنا بلا بيت بلا وطن بلا حياة خلف التتار

حضرة الشاعر …انا ٱذار بطل بلا شهادة…أنا ٱذار بلا حياة خلف التتار …معاني العميقة لهذا الوصف المميز حضرة الشاعر ..؟

 

– هنا رمزية آذار تعاني من الحقيقة المخفية بين شعلة النار وحقيقة النور بين الواقع والخيال ، جدلية النار والنور تهاوت على شفا المظاهر الكاذبة الخادعة كالشعارات الرنانة التي لا تغني من جوع ولا تسد رمق العيش ، آذار في رمزيته بطلا لكن بطلا على الورق فقط وليس على واقع الحال فما فائدة وجود البطل الخارق والفقراء زادهم القمامة وسقفهم فضاء واسع والتربية تعاني من وجودها والعدل مجرد ميزان أعمى والفوضى عارمة والفساد كالسرطان يأكل الأخضر واليابس والحق ضائع بلا ملامح فلا شهادة لبطل لا يقدم ولا يؤخر وما حوله مجرد لماعون منافقون أنانيون أشد من تتار ..أشد من لقمة العيش والفقر والحرمان .

 

* حضرة الشاعر كان لكم رؤية لمٱسي ٱذار

الجهل سكن ارضي

وأبو جهل ترك الجهل لنا بدينار

بريء أبو جهل من قتلنا وغرقنا…

صورة تهكم وسخرية من الواقع …لثلة من الأشرار…؟

 

– تناقضات هذا العصر ومكابدات المجتمع وتغير الأحوال والأحداث إلى الأسوأ رغم مشاهدات التطور العالمي في كل التقنيات التي تفرض نفسها على أرض الواقع ،هذا التراجع الفكري والأخلاقي يحصر نفسه في ظاهرة المظاهر القشرية  وعدم الاهتمام بالجوهر الإنساني فطول العمارات لا يعني طول ووعي وأبدان البشر بل يعسكر على جهل الآداب وبناء الصروح يطغ على نفوس الفساد ، فإعمار البشر له الأولية ثم يأتي إعمار البنيان  فأبو جهل لم يفشي الجهل بيننا بل آلاف مثل أبو جهل تعمدوا أن يكون الواقع مزريا ضعيفا خاليا من الأدباء والعلماء ومن الصناعة والبناء السليم والفكر المتقد بالحياة بالنشاط والإعمار الحقيقي ، ولا ننسى مرة ثانية أعمار وبناء الإنسان يتقدم على أعمار وبناء العمارات والصروح ، وحينما يكون الجهل والفساد والفوضى والأنانية من المسلمات بيننا تكون الكارثة كبيرة ، وحينما يضعف العلم والفكر والحق والعدل والتطور والإبداع كأنك تقتل تنهي مصير أمة كاملة .

 

*** أنا آذار

باعوا شهادتي في مزاد بلا زوار

على مسرح الجريمة والعقاب

نصبوا مشنقة الأدوار

ذلة .. هزيمة .. تسول ..

حضرة الشاعر…ما  الشهادة التي باعوها ..ماذا حدث بالفعل….؟

 

– من يهون عليه بيع نفسه يهون عليه بيع أي شيء كان صغيرا كان أم كبيرا فالبراءة والعفة والشرف والضمير والنقاء والمبادئ والوفاء والحب والرحمة في كفة ضعيفة إلا ما ندر وهذه الصورة المتدنية تفتح الأبواب للدعارة للسرقة للجريمة فمهما كانت الحياة في ظاهرها جميلة من خلال هذه التداعيات يبقى جوهرها مأكولا ذليلا ضعيفا ، الشهادة الوحيدة هي النور وحينما يباع النور يتجسد الظلام .

 

* آه وآه آذار

سيأتي يوم وأقبل بعمق سيدة آذار

ينتهي وجعنا حرماننا عذابنا

ونحيى بين سنابل وأنهار

 

أنا ٱذار…أنا سيدة ٱذار ….أرجو توضيح تداخل  المشاعر الإنسانية  في شخصك حضرة الشاعر…؟

 

– لا يبقى حال على حال التغيير مستمر وبقاء الحال من المحال لابد للوجع والحرمان والعذاب والألم نهاية لا بد للظلم والفساد والجهل والأنانية والحرب والنار والخراب والدمار نهاية ، أنا الذكورية لا تحيى لوحدها مثلما آدم لم يقدر له أن يكون وحيدا فخلق الله حواء إيحاء الاثنان يمضيان معا رغم كل المعاناة والمكابدات والتناقضات ولو لم تكن حواء مكملة الحياة لما وجدت على الأرض فسيدة آذار صورة مقدسة لنور آذار لجمال آذار لحقيقة آذار لجوهرها المعني بالإنسانية .

 

 

كيف خطر على بالك أن تقول أنا ٱذار ..؟*

– التعبير المقرب يكون أقرب إلى تجزئة التعبير في الشكل الشمولي والمضمون الأكثر عمقا ، آذار هو الشهر الثالث من شهور السنة الميلادية حسب الأسماء المستعملة في المشرق العربي يقابله مارس في التسمية الغربية.

مارس أو المريخ هو اله الحرب في روما القديمة وهو أيضا إله الزراعة كانت معظم الأعياد الرومانية الخاصة تتم في شهر آذار مارس وكلمة مارس مشتقة من جذر بروتو الهند الأوروبي بمعنى الحافة ، الحدود ، أي بنسبة الحدود بين مركزين للقوة ،ومارس هو الشهر الثالث من السنة في التقويم الجريجوري وواحد من السبعة الشهور الجريجورية ويتكون من 31 يوم ويسمى في العراق وبلاد الشام آذار شهرا مكرسا للإله آشور أبو الألهة والكلمة مشتقة من جذر ” هذر ” لما يقع فيه من عواصف وسيول وهدير وبعض الناس اليوم يسمونه آذار الهدار ، وفي تكوير الزمن والطبيعة وجدليته الحياتية يجسد الوضوح والغموض ما بين عوالم الظلمة والنور والحق والباطل والدفء والبرد والعطاء والجفاء والموت والفناء والسرور والحزن والحب والكره والرحمة والقسوة وما بين هذه العوالم الجدلية يتجلى فصل الربيع فصل الجمال والحب والحياة تنبعث الولادات من جديد حيث تكون البدايات ويكون آذار يجسد كل ما هو نور وهبات سماوية لونية وجمالية يحمل في وجوده الشروق والتجديد والأمل ،

 

 

 

 

 

* سيدة ٱذار

صوتك عذب بين الرؤى

……….

رغم الريح يلامس البوح

والمآسي تبعث البوح

…….

فالوجع مركون بين السطور

تزف عرسا بلا طبول بلا مزمار

 

لا شك الأغلب يعلم تعدد المناسبات في شهر آذار والتي أكثر شهرة عيد نوروز الذي يعرف برأس السنة عند بعض الشعوب ..؟

 

– نعم رغم أن هناك قوميات وشعوب تحتفل فيه في أغلب القارة الآسيوية مع تناغم وتماثل وتشابه في المضمون والشكل مثلا عيد شم النسيم في مصر ، عيد نوروز معناه اليوم الجديد والتي تشكل رمزيته الوجودية أهمية الشعوب في تمسكهم بالفرح والتجديد والكورد بالنسبة لهم عيد مهم اجتماعي قومي ويدل على تمسكهم بالحرية والانتماء رغم بلادهم المقسمة بين أجزاءه الأربعة  في سوريا وايران وتركيا والعراق يحتفلون ليثبتوا جذورهم المكانية رغم استهدافه من قبل الاستعمار وبين هذه التجليات تكون المشاعر الصادقة لتصدح بما فيها من فرح وحزن وأمل لمستقبل جديد ينقل هذه الشعوب إلى مرحلة متقدمة بين شعوب العالم .

 

قد يعجبك ايضا