الشاعر محمد جواد الغبان .. بين الصحافة والبحث الأكاديمي

 

حيدر محيي فاضل الجبوري

تعريف

هو مُحمَّد جوّاد عبد الكاظم الغبّان، يُكنى بأَبي مهند، ويلقب بـ (الغبّان)، وهو لقبٌ لأحدِ أجداده اشتهرتْ به الأسرة فَأُطْلِقَ عليها، تلك التي تَمْتَدُّ جذورُها إلى قبيلة (العُبَيد). وُلِدَ في مدينة النجف الأشرف، في العام (1930م). وفيها تفتّحتْ قريحته، فالشاعر والبيئة صنوان لا يفترقان … أو هما معاً كالوالد والولد.

نشأ في بيئة علمية، إذْ كان لأسرته أثر بالغٌ في صقل موهبته الشعرية ونضجها ، ولاسيما على يد والده الشيخ عبد الكاظم الغبّان، وخاله محمّد علي اليعقوبي (عميد الرابطة الأدبية في النجف آنذاك)، فكانتْ المنتدياتُ الثقافية، والمجالس الأدبية، والندوات الشعرية التي ازدّهرتْ بها مدينة النجف عاملاً مهماً في شحذ إمكاناتهِ في مرحلة مبكرة من حياته، إذْ ألقى أول قصيدة نظمها وهو في السادسة عشرة من عمرهِ ونشرتها له مجلة (الدليل) النجفية في العام (1946م) ، فبرز من حينها شاعراً، وكاتباً، وباحثاً ، وصِحفياً، ومُربياً للأجيال.
وهو شاعرٌ من جيل مصطفى جمال الدين وأحمد الوائلي وصادق القاموسي وأمثالهم.

سار على منهج مدرسة الشبيبي والحبوبي والشرقي واليعقوبي والجواهري المُجّددين في الشعر العراقي المعاصر، ولهُ مقالاتٌ أدبيةٌ في معالجة القضايا الفكرية العامة، والنقد الادبي والتعريف بالشخصيات الأدبية وعطائها. ولشاعرنا عِدَّةُ دراسات تاريخية أدبية ذات رُؤى معاصره تَمكّن من طريقها الوصول إلى نتائج جديدة لم يصلْ إليها أحدٌ من الدارسين قبلهُ، فجعلتْ منهُ باحثاً أكاديمياً. وقد تبلورت تلك النتائج في مؤلفاته، ومنها: العروج في ملكوت المتنبي – رؤية جديدة، والمعارك الأدبية حول تحرير المرأة في الشعر العراقي المعاصر، وازدهار الشعر في النجف – خلال النصف الأول من القرن العشرين … وغيرها.

ولهُ باعٌ طويلٌ في مجال الصحافة، إذ عمل فيها منذ عام (1948م)، فكان عضواً في هيأة تحرير مجلة (البذرة)، وفي العام (1958م) أصدر مجلة (الفكر) وكان رئيساً لتحريرها في بغداد، إذ عُدِّتْ من أغزر المجلات الأدبية العراقية عطاءً. وكذلك كان الغبان مربيّاً للأجيال كما أسلفنا، فدرّس اللغة العربية وآدابها على المستويين الثانوي والجامعي زُهاء ربع قرنٍ.

 

 

 

آثاره الأدبية

لشاعرنا مُصنفاتٌ علميةٌ ودواوين شعرية، منه:

  • (جعفر بن أبي طالب)، تقديم الإمام محمد الحسين آل كاشف الغطاء، طُبِع في النجف الأشرف عام (1954م)، وفي بيروت عام (1979م).
  • (على هامش السقيفة)، طبِعَ في النجف عام (1954م)، وفي بيروت عام (1991م).
  • (العروج في ملكوت المتنبي)، دراسة في شخصيته وشعره، طبع وزارة الثقافة العراقية عام (2004م).
  • المعارك الأدبية حول تحرير المرأة في الشعر العراقي المعاصر، ط1، وزارة الثقافة العراقية عام (2006م)، ط2، ومطبعة الأديب عمان عام (2010م).

ومن الدواوين:

  • (الأمل)، وهو أول دواوينه الشعرية، طُبِع في النجف، عام (1903م).
  • (وهج الشوق)، النجف، عام (1955م).
  • (المتنبي بعد ألف عام)، بغداد، 1984م.
  • (أَنتِ أحلى)، بغداد، 1984م.
  • (وأَنتِ أعلى)، عمّان، 1988م.
  • (مِنْ نفحات الإمامين – علي والحسين)، بيروت، 2000م.
  • (على مرفأ الجراح)، بغداد، 2001م.
  • (ما بعد الطُّوفان)، عمان، 2010م.
  • (وأَنتِ بيت القصيد)، عمان، 2010م.
  • (قصائد المدن)، عمان، 2010م.
  • (رباعيات الغبّان)، عمان، 2010م.
  • (الجواهري فارس حلبة الأدب)، مطبعة دار المدى، دمشق، عام(2010م).

ومن دواوينه المخطوطة:

  • دموع القلب.
  • ديوان البدايات.
  • ديوان الأخوانيات.

ولشاعرنا مُراسلاتٌ أدّبيةٌ ومطارحاتٌ شعريةٌ مع كبار معاصريه، وقد نشرت مجلة (الأديب) البيروتية بعضاً منها في حقبة السبعينات والثمانينات. ونشرت مجلة (الأهرام) المصرية عدداً من المطارحات التي دارت بينه وبين الشاعر المهجري (زكي قنصل) في عام (1990م). وأمَّا وفاته؛ فقد كانتْ في بغداد، في العام (2012م).

لغة الغبّان وأسلوبه

تَغْلُبُ السهولة والوضوح على لغة الغبّان الشعرية، فهي واضحة، وبعيدة عن الغموض والتعقيد، تفصحُ عن تَمكُنِهِ في انتخاب المفردات المُعبّرة عن أفكاره ومشاعره نظماً ونثراً؛ ليصل بها إلى أوسع شريحة من المجتمع، فهو يعالج قضاياه ويصلحها، شعراً، ويكشف نتاجه النقاب عن عاشقٍ وثائرٍ في آنٍ، وهذا الكشفُ لا يخلو منه ابداع، فلكلّ شاعرٍ بصمة، لكنّها عند صاحبنا مميزة … قد تتألق كثيراً في ديوانه (المتنبي بعد ألف عام) وديوانه (أنتِ أحلى). ومن جانب آخر نلمس ربطه بين عمق الفكرة وجزالة التعبير مع يسره، على ما يسمّيه المتأدّبونَ بالسّهل الممتنع.

وخير ما يفصح عن ذلك قوله:

ملأَ السُّهادُ عُيُونَهُم أَلماً، فلا       نَوْمُ يمرُّ بها ولا إغْفَاءُ

حَمَلُوا همومَ الناسِ بين ضُلُوعِهم    ناراً بها تتوقَّدُ الأحشاءُ

فإذا اكتوى بالوَجْدِ قلبٌ مُوْجَعٌ     كانتْ لهُ بِقُلوبِهم، أَصداءُ

لقد جمّل الشاعر حليته لتبدو مع حزنها متألقة، ولاسيما ذلك الحزن الذي فرضه الواقع المر على شعبنا كـ (الإرهاب، والطائفية، والمحاصصة…) وفي مقابل ذلك نجد في شعره شيئاً من الألفاظ الدخيلة أو المعربة أو الحوشية.

 

ومن الجدير بالذكر أنّ شاعرنا أضفى سِمَةَ الطراوة على ألفاظه، فكانتْ رومانسية حيث الموسيقى والإيقاع والوزن والقافية، تلتمعُ بها في كلّ حين.
يقول:

وعينيكِ، والسحرِ الذي فاضَ منهما   كقبسةِ نُورٍ في دُجى الليلِ ساطعُ
أغنّيكِ أَلحانَ الغَرامِ مُغرِّداً كطيرٍ     – على الأغصانِ بالحبِّ – ساجعُ
مقاطعُ شعرٍ، طافحٍ بمشاعري        بها من بقايا القلبِ بعضُ المقاطعِ
خيالُكِ مثلُ الظلِّ أَنّى توجَّهَتْ           خُطايَ أراهُ حيثما سِرْتُ تابعي

 

قد يعجبك ايضا