سربلند ملا إسماعيل
في عام ١٩٧٠ ومع اقتراب النظام العراقي الدكتاتوري من الانهيار والتعرض للهزيمة العسكرية والسياسية أمام ضربات وتقدم بطولة بيشمركة ثورة أيلول العظمى. لجأ النظام العراقي إلى عقد اتفاقية مع القيادة السياسية الكوردية. بموجبها أقرَّ ببعض الحقوق الثقافية والسياسية الكوردستانية.
وبعد مرور فترة وجيزة تنصل النظام العراقي عن الاتفاقية المبرمة مع القيادة الكوردستانية دون مبررٍ. رغم التزام القيادة السياسية الكوردية بها.
وبعد انقضاء سنوات الهدنة الأربعة. بدأت القوات الحكومية العراقية مهاجمة بيشمركة ثورة أيلول. ورغم قساوة الهجوم، إلا أن الپيشمرگة استطاعت دحرها.
وعند فشل النظام العراقي في ميادين القتال، لجأ إلى حياكة المؤامرات. ونجح إلى التوصل لعقد الاتفاقية المشؤومة سيئة الصيت مع النظام الإيراني في الجزائر في ٦ – ٣- عام ١٩٧٥. كل ذلك من أجل وأد نضال الشعب الكوردي، وطمس هويته القومية.
وبموجبه تنازل العراق للايرانيين عن شط العرب. مقابل منع وقطع طرق الإمداد عن بيشمركة ثورة أيلول.
وبعد هذه الإنتكاسة ومن بين ركامها وفي فترة ليست بطويلة
رصت القيادة السياسية الكوردستانية صفوف البيشمركة ثانية. وكان من الضروري القيام بثورة جديدة مختلفة عن سابقاتها. ثورة ترسم ملامح جديدة لنهضة الكورد. وبعثة للأمل في نفوس الشعب الكوردي. وديمومةً لثورات بارزان التحررية.
أُعلن عن اندلاع شرارة ثورة كولان في ٢٦ أيار ١٩٧٦ وبأيعاز
من قائد الحركة التحررية الكوردستانية الأب الروحي للأمة الكوردية البارزاني الخالد. وقيادة وإشراف مباشر من الشهيد الحي إدريس البارزاني والرئيس مسعود البارزاني في منطقة حاجي عمران ( وادي زَوي).
لقد كانت ثورة كولان ردٌ قوي وفي وقت مناسب ضد النظام العراقي المقبور. وردٌ على كل طموحات وآمالٍ بناها النظام العراقي البائد عبر اتفاقها مع نظام شاه إيران.
رغم أن ثورة كولان كانت امتداداً واستمراراً لأعظم ثورة في القرن العشرين. واكمالاً لنضال البيشمركة. إلا أننا نجد أنها على اختلاف وتميز عن ثورة أيلول من الجانب التنظيمي والعسكري التكتيكي والسياسي.
أولها نجد أن النظام العراقي البائد قد استطاع ومن خلال اتفاقية جزائر المشؤومة، أن يغلق جميع المنافذ التي كانت قوات البيشمركة الأبطال يتزودون منها بالعدة والسلاح والمؤن.
وثانيا أن القوات العراقية المسلحة قد تدربت على يد أشهر وأمهر الخبراء العسكريون الروس. وجهزت بأحدث الأسلحة الروسية من خلال اتفاقية عسكرية بين
البلدين بالرغم من المحن القاسية التي ألمت بشعب كوردستان.
وفي وقت وزمن قصير استطاعت قيادة الحزب الديمقراطي الكوردستاني تشكيل قيادة مؤقتة لإدارة الثورة والحزب معاً. بإشراف من القائدين الشهيد إدريس بارزاني والرئيس مسعود بارزاني.
استطاعوا لم الشمل وإحياء تنظيمات الحزب. والتواصل مع الجماهير الكوردستانية بكافة أطيافه. والتواصل المباشر مع الحركات السياسة الكوردستانية في الاجزاء الأخرى من كوردستان. وخاصة التواصل والتنسيق مع كورد روژئاڤا، وباكور.
إن بروز وتنامي الوعي وبلورة الشعور القومي لدى جماهير الشعب الكوردي في جميع أنحاء كوردستان. والظلم الممارس عليهم من قبل الأنظمة الدكتاتورية الحاكمة. والتفاني والإخلاص. منطلقاً من اعتبارات ولدت لديهم؛ أن تحقيق أي مكسبٍ للكورد في جزء من كوردستان يعد مكسبٍ وانتصار للكورد جميعاً. جعل منهم يساندون ويؤازرون اخوانهم الثوار في جنوب كوردستان.والتواصل مع قادة الحركة التحررية الكوردية منطلقين من انتمائهم للأمة الكوردية.
فلا يخفى على أحدٍ أنه منذ اندلاع ثورة أيلول العظيمة بقيادة الخالد البارزاني الخالد، ١١/٩/١٩٦١ اعلن وقتها البارتي في كوردستان سوريا قيادة وقواعد وجماهيراً بالوقوف بجنب ثورة أيلول وتقديم كافة المساعدات على المستوى اللوجستي والمادي والعسكري.
ووضعت نفسها تحت خدمة وتصرف الثورة، انطلاقا من الشعور والاحساس العالي بالمسؤولية القومية المتمثل في نهج راسخ وواثِنٌ، وإرث تاريخي عميق خطه قائد الحركة التحررية الكوردستانية البارزاني الخالد، ومن ثورة كولان
ومن ثم ثورة كولان المجيدة التي نحيي هذه الأيام ذكراها الثامنة والأربعين.
حينها كان الكورد في غربي كوردستان يترقبون الأوضاع السائدة ويتابعون الأنباء وأخبار ثورات بارزان من خلال إذاعة صوت كوردستان. وحديث مجالسهم في الليل والنهار عن الخالد ملا مصطفى البارزاني والبيشمركة والثورة.
لم يكن الحزب الديمقراطي الكوردستاني سوريا والجماهير بمنأى عن المعادلة القومية الداعمة لثورة كولان التقدمية. معادلة تنامت وانتعشت من إرثٍ نضاليٍ مشترك ناهل من نبع البارزانية.
لقد كان الوضع في كوردستان سوريا ليس أقل سوءاً من الأوضاع في كوردستان العراق، رغم الظروف السائدة في غرب كوردستان، المتمثلة بتنفيذ مشروع الحزام العربي. وتعريب المناطق الكوردية و اعتقال قيادة الحزب الديمقراطي الكوردستاني-سوريا ،آنذاك.
انبرى رجال شجعان أقوياء مخلصين لنهج البارزاني وبالتحديد من منطقة ديرك وخاصة القرى الحدودية من كوجرا ودشتا هسنا ( الحدود المتاخمة مع زاخو وسحيلة) تحدّوا كل الظروف الصعبة السائدة، متجهين نحو الثورة بإرادة فولاذية صلبة لاتقهر وعزيمة لا تلين ولا تقبل الهزيمة نحو مجدٍ ونصرٍ شامخين الرؤوس منسقين ومتواصلين
مع قيادة الثورة عن طريق رجال وطنين مخلصين – هؤلاء كانوا بمثابة كوادر معتمدين من قبل الحزبين الديمقراطي الكوردستاني في سوريا والعراق وبإشراف مباشر من قيادة الحزب الديمقراطي الكوردستاني في محور بادينان.
هؤلاء كانوا على اتصال دائم مع القيادة المؤقتة للحزب الديمقراطي الكوردستاني وقيادة الثورة معتمدة على كل مايصلها من مراكز الثورة في جنوب كوردستان وبالتحديد عند المثلث الحدودي بالقرب من جبل بێخێر وآفا مزن والحدود البرية بالقرب من قرية كلهي سواء عبر البرقيات
و المناشير ورسائل من طرف قيادة الثورة أو رجال من البيشمركة مكلفين لنقل وحمل الأسلحة والعتاد والمؤن من كوردستان سوريا إلى البيشمركة.
الرئيس مسعود بارزاني وأثناء إلقاءه كلمة في المؤتمر التاسع للحزب الديمقراطي الكوردستاني في ٤-١٠-١٩٧٩ أكد أن : لولا مساندة الحزب الديمقراطي الكوردستاني في سوريا وفي تركيا لما تمكنا من اندلاع ثورة كولان.
جملة تاريخية قالها الرئيس بارزاني،-ومازال يرددها في كل المناسبات و هي وسامٌ شرفٍ وتكريم لأولئك المخلصين الذين احتلت كوردستان مرابع فؤادهم
أولئك الذين ضبطوا بوصلتهم نحو هدف ونهج مقدس.
فالرئيس مسعود بارزاني أشاد ويشيد دوماً بدور كورد غربي كوردستان من خلال الحزب الديمقراطي الكوردستاني سوريا و جماهيره الوفية في ثورة أيلول وكولان وانتفاضة آذار المباركة. ويقدر عالياً ماقدمه أبناء كوردستان سوريا للحركة التحررية الكوردية. ويقرّ سيادته أن الثورة ماكانت لها أن تسجل النصر لولا دعم مساندة البارتي والجماهير في غربي كوردستان.
وعند رجوعي لأرشيف والدي المرحوم محمد ملا إسماعيل الذي خبأه وأخفاه عن عيون سلطات الأمن السوري. وجدت بياناً معداً آنذاك من قِبل القائد مسعود البارزاني وبخط يده المعنون باسم ( كوردستان الساحة النضالية الحقيقية للجميع ). موجه إلى جماهير كوردستان. الذي أعلن فيه الخطوط الأساسية للعمل السياسي من خلال تأسيس القيادة المؤقتة للحزب ومواصلة وإتمام مسيرة ثورة أيلول العظمى بالإعلان عن ثورة كولان التحررية بيانٌ كان يعد وقتها بمثابة مشعل للثورة. بيان نُشر ووُزع على نطاق واسع في جميع مناطق أجزاء كوردستان في باشور وروجافا و باكور وروجهلات.
استمر الحزب الديمقراطي الكوردستاني سوريا في دعم ثورة كولان أيضا من من خلال تشكيل لجان حزبية ولجان مستقلة من الوطنين المخلصين لجمع التبرعات المادية والعينية وإرسالها إلى الثورة.
ولاننسى دور إذاعة صوت كوردستان ( دەنگێ کوردستان) المتواجدة عند بعض الرجال الوطنيين من القرى الحدودية المتاخمة لإقليم كوردستان خاصة قرى منطقة كوجرا، المذيعة لأخبار ثورة كولان في إشعال الحماس في نفوس الشبان وعاملٌ مهم في شحذ الهمم ورفع الروح المعنوية.
فرغم قيام السلطات الأمنية السورية بحملات الاعتقالات والملاحقات ضد من يساند ويدافع عن ثورة الكورد. إلا أن المخلصين من غربي كوردستان بقوا ولازموا مساندة الثورة بكل ما أوتو من قوة، متحملين كافة صنوف العذاب والإهانة من قبل السلطات الأمنية السورية، مسلحين
بروح القومية ومنهج البارزاني الخالد. وعدم التنازل عن مبادئهم وثوابتهم القومية العليا مخلصون لا يقهرهم صعاب وظلم الأمن السوري عليهم.
فلا عجبَ من رجالٍ عانوا الأمرين، وتسلحوا بفكرٍ قوميٍّ وحسٍّ كوردستانيٍّ عالٍ، يملكون نهج واثِنٌ ولا عدول عن موقفهم وثوابتهم المشرفة.
ارتباطٌ روحيٌّ بين الطرفين، يولد خصوصية متميزة وتلازم بينهما . طرفان يشكلان عمقٌ استراتيجيٌّ مهم لحركة التحرر الكوردستانية ، ومنسجم مع أسس ومبادئ نضالية لقيادة وكوادر الحزب الديمقراطي الكوردستاني سوريا ،والجماهير الوطنية المتلاحمة والملتفة حول النهج والتراث .
ارتباطٌ متين كان و ما يزال مستمرٌ بين الحزبين الديمقراطي الكوردستاني في غربي كوردستان وجنوب كوردستان.
المجد والخلود لروح شهداء ثورتي أيلول وكولان والانتفاضة الوطنية. وشهداء حركة التحرر الكوردستانية.
أنحني إجلالاً لأرواحهم الذي سطروا بدمائهم طريقا لنا في النضال والكوردايتي.
أطيب وأسمى التهاني للذكرى الثامنة والأربعين لثورة كولان التقدمية.
*ناشط شبابي – كوردستان سوريا