اعداد: عدنان رحمن
اصدار: 7- 5- 2024
كتاب بعنوان ( رحلة طه الكوردي الباليساني في العراق وبلاد الشام والأناضول ومصر والحجاز)، وهي مقتبسات حققّها وعلّق عليها الدكتور عماد عبد السلام رؤوف، صدرت طبعته الاولى ببغداد في العام 2002 عن دار الثقافة والنشر الكوردية بالتسلسل رقم ( 375)، ورد فيها عن رحلته في بعض المدن ومنه بغداد- العراق وكركوك- العراق وطنطا- مصر، وفي جزء من المقدمة ما يلي:
– ” بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
في تكية قديمة من تكايا دمشق وزواياها تعرف بخانقاه السميساطية، جلس رجل صوفي المشرب، واسع التجربة، قد أتعبته الأسفار ذات يوم من أيام سنة ١٢٠٤هـ / ۱۷۸۹، ليسجل في دفتر أمامه مذكراته منذ أن أبصر النور في قرية صغيرة من قرى كوردستان تُسمى بالیسان حتى لحظة كتابته تلك المذكرات. وكان هو من أسرة كوردية نبيلة، تولّت زعامة عشيرته ردحاً من الزمان، فهو – كما سمّى نفسه- طه بن يحيى بن الأمير سليمان بن الأمير محمد بن علي بيك بن الأمير محمد بن شيخه بن شمس الدين بن أميرز بن عثمان خان بن سبحان ويردي خان بن أحمد خان بن عبد المؤمن خان الماموي الكوردي اليمني الشافعي مذهبا والقادري طريقة والإبراهيمي ملّة والمحمدي أمة والباليساني بلد ([1]) وخوشناوي عشيرة والشامي مهاجراً. وإذ طافت الذكريات حيّة في وجدانه وكأنها تبدو أمام ناظريه، فإنه لم يشأ أن يقتصر على ما تذكره بنفسه، وإنمّا ما حُكي له عن سني طفولته الأولى، فسجّل تاريخ ولادته بحساب الجمل الذي كان معتاداً اتخاذه سبيلاً لحفظ التواريخ المهمة، فكان ذلك سنة ١١٣٦هـ / ۱۷۲۳، ودوَّن ما قيل له عن مشاعر الأسرة لحظة ولادته وسبب اختيارها اسمه”.
اضاف الباليساني عن بغداد وكركوك:
– ” بغداد: ثم ركبنا من الهيت السفن وسرنا يومين وطلعنا في البر في شط الفرات عند قصر والي بغداد على شاطئ الفرات ([2]) وبتنا تلك الليلة هناك، ثم ركبنا ثاني يوم إلى أن دخلنا دار السلام بغداد بعد يومين، ثامن شهر شوال سنة ألف وماية وخمس وثمانين. ([3]) وزرنا مَن كان هناك من الصالحين والأولياء والعُلماء إلى أن اجتمعت بالسيد الحسيب العالم المُحقق الأديب جناب العارف بالله السيد ابن السيد إبراهيم المندنيجي ([4]) في زاويته. وترحب بنا وأطلعني على رسالة له ألّفها في التحدث بالنعم الإلهية عليه، وهي كراسة صغيرة، فنسختها بإذنه على خطه، ثم قرأتها عليه، ودعا لي بالفتح قدس الله روحه وجزاه الله عني خيراً. وبقيت في بغداد إلى أن ذهب الشتاء.
كركوك: ثم سافرت إلى نحو بلاد الكورد، فوصلنا في طريقنا إلى قلعة كركوك، واجتمعت بخالي ومرشدي ملا عيسى المذكور أول الترجمة – حفظه الله – تعالى- وأقمت عنده أسبوعاً”.
وأضاف الباليساني عن طنطا- مصر:
– ” طنطا: وجئنا إلى بلد طنطه، وفيها مقام الولي الخطيب العلوي جناب سيد أحمد البدوي الشريف الحسيني الفاطمي – قدس سره ورضي عنه ربه– ([5]) وزرناه وحصلنا البركة من هناك، وأكرمنا المتولي وأعطانا منزلاً في داره وأعطانا من عمامة السيد، كلاً منّا قطعة، وكتب لنا مكتوباً إلى بعض أصحابه بمصر من الأكابر توصية في إكرامنا وتجهيزنا إلى سويس، وقعدنا عنده في بيته في غاية العز حتى انقضى مولد السيد، ([6]) وتفرقت الناس، وطلبنا من السيد أسعد المتولي الإذن بالرواح إلى مصر”.
كتاب من تأليف ( جيمس. ب. كريستوف) وترجمة وتعليق: حمدي حافظ عنوانه ( عقوبة الاعدام والسياسة البريطانية) الذي كان تحت جملة ( من الشرق والغرب)، وهي تخص الفترة ما بين ( 1945- 1957)، صدرَ عن الدار القومية للطباعة والنشر- مصر في العام 1964 وايضا بتعاون منشورات الاذاعة والتلفزيون في مصر، ورد في نص تحت عنوان فرعي ( الموضوع… والنظم البرلمانية) ما يلي:
– ” ان بعض المسائل صعبة بطبيعتها في حين يكتسب البعض الآخر الصعوبة لأنه يصطدم بجهاز سياسي قد لا يكون صالحا لعلاجه أو معبأ ضده منذ البداية. ولقد كان هذا هو الحال بالنسبة لموضوع عقوبة الاعدام. فقد شكّل ضغطاً عنيفا على العملية البرلمانية في مناسبات كثيرة وأبرز صعابا دستورية وأخرى خاصة بالاجراءات تحدّت الحل السهل. ولا شك في أن النزاع الذي دار في البرلمان حول الغاء عقوبة الاعدام، أثار سؤالين عسيرين هما: ما هي مسؤولية الحكومة في هذا الموضوع؟. وما هي العلاقة الصحيحة بين مجلسي البرلمان نحو موضوع كهذا؟. قد تكون أهم صفة في الحكومة البريطانية اليوم هي تركيز سلطة هائلة في ايدي القائمين على تنفيذ السياسة، أي زعماء حزب الاغلبية الذين يُعرَفون جماعيا بإسم الحكومة. وسيادة الحكومة في المجالات الادارية والتشريعية لا تقبل تحديا في بريطانيا الحديثة. فالمُعترف به أن الحكومة تملك السلطة لرسم السياسة العامة، وعليها تقع مسؤولية رسم هذه السياسة. أما السؤال الذي ينبع من دراسة موضوع عقوبة الاعدام. كما شرحنا، فهو المعنى المقصود بالسياسة العامة في مثل هذا النظام، لقد دلّت التجارب التاريخية على أن البرلمان رفض على مرّ السنين معادلة السياسة العامة بأعماله كلها، ولهذا فقد عالج بعض الموضوعات التي عرضت عليه على أساس أنها محلية بحتة أو أنها مسألة تتعلق بالضمير الفردي أكثر منها مسألة تتولى الحكومة البت فيها. وأن وجود أدوات مثل القوانين الخاصة، وقانون العفو الخاص، والاقتراع الحرّ. والاعفاء من العقوبات الواردة في آراء الاحزاب الدائمة، تشهد بالقياس المزدوج في علاج الموضوعات السياسية. بل انه حينما تقرر الحكومة أن موضوعا معينا يقع خارج مجال السياسة الذي تعتبر مسؤولة عنه فانها قد لا تستطيع أن تنفض يديها من النتائج التى تتولد عن الاجراء الذي يُتخذ في الموضوع. أما فيما يتعلق بمسؤوليات الحكومة في مجال القانون الجنائي وسياسة العقوبات فإن هذه المسؤوليات واضحة بصفة عامة، فإن الحكومة مسؤولة عن صيانة النظام والأمن العام، وهي القائمة على تنفيذ القانون، كما أنها – في معظم الحالات- البادئة باجراء أية تغييرات في خصائص هذا القانون. وتضم الحكومة وزارة هي وزارة الداخلية ( التي تمثل دائما في هيئة الوزارة) تتمتع بسلطات هائلة ومسؤولية كبرى في مجال تنفيذ القانون وادارة العقوبات. وعلاوة على ذلك فان من الصعب ان ينكر احد ان أي اجراء، تتخذه الدولة في مجال الجريمة والعقوبة سواء أقرّته الحكومة القائمة على الحكم أو لم نقره رسميا يتصل بالجو الخلفي الذي تسير فيه حياة الشعب. ولهذا فهناك أسباب قوية تجعل جميع القرارات المتعلقة بالجريمة وعلاجها تنتمي الى مجال السياسة العامة وبالتالي يجب أن تخضع للعملية العادية التي ترسم الحكومة السياسية بها وتكون مسؤولة عنها. ولذلك فان من العدالة أن نتساءل: لماذا ينبغي أن تستثنى سياسة الدولة حيال عقوبة الاعدام من هذه القاعدة مع ان هذه العقوبة أحد احجار الزاوية في نظام العقوبات؟. وهناك ثلاثة تفسيرات أساسية لما بدا من اتجاه في بريطانيا لاعتبار موضوع عقوبة الاعدام حالة خاصة. أولّها أن زعماء البرلمان يتحررون أحيانا من الالتزامات الحزبية وبخاصة فيما يتعلق بموضوعات الضمير الخاص التي لا تبدو من اختصاص اعمال الحكومة، وقد رآی كثيرون من أعضاء مجلس العموم، في موضوع عقوبة الاعدام موضوعاً خلقيا لا سياسيا. ولهذا يتطلب علاجا مغايرا. والتفسير الثاني هو أن التقاليد البرلمانية كانت تُزكي بقوة علاج الموضوع بوصفه موضوعا غير حكومي، وهذا هو السبب فيما أحرزه دعاة الغاء العقوبة من نجاح في بادىء الامر على الرغم من معارضة الحكومة.
اما التفسير الثالث، فهو ان زعماء حزب المحافظين كانوا دائما – كما قلنا- يُعدِون الموضوع دقيقا، وان نتائجه السياسية مشكوك فيها ولهذا جنحوا الى عدم ذكره في برامج حزبهم زبياناته. حتى اذا ما تقلدوا مقاعد الحكم كان حزبهم غير مقيد بأي التزام في الموضوع. وأخيرا فان امتناع حکومتي ( اتلي) و ( ایدن) عن إبداء رأيهما في شؤون عقوبة الاعدام وجعلها موضوعا لسياسة الحكومة الرسمية، هو الذي اثار المتاعب، ممّا اضطر الحكومة الى اغلاق باب المتاعب حينما اكتشفت مسؤولياتها في هذا المجال. وقبل أن يحدث ذلك – في كلتا الحالتين- شاهد الشعب البريطانى مناظر اضطراب سیاسي و برلماني، ندر أن شاهد مثلها في الأوقات الحديثة. ولهذا فان من الصعب ألا نستنتج أن مصدر المتاعب كان عجز الحكومات المشار اليها عن فهم أن مسؤولية سياسة الدولة فيما يتعلق بالعقوبة القصوى تقع على عاتق هذه الحكومات وان هذه المسؤولية لا يمكن – تحت نظام الحكم البريطاني- ان تترك للبرلمان وحده، باعتباره مجمعا للضمائر الخاصة. وعلى أية حال فان الحكومة حينما فطنت الى أن الموضوع أصبح سياسة عامة ينبغي أن تضطلع بمسؤوليتها، بادرت بوضع حداً للموقف وأعادت طابع الحكومة الحزبي المعتاد الى نصابه. وفي هذه الظروف لم يستطع دعاة الغاء عقوبة الاعدام أن يحوزوا الا أقل المزايا. ولقد كان للدَور الذي قام به مجلس اللوردات أثره الحاسم لهزيمة دُعاة الغاء عقوبة الاعدام. والواقع أن الحكومة لم تعارض القوانين بعنف في مجلس العموم لعلمها أن مجلس اللوردات – وغالبيته الساحقة من مؤيديها المتطرفين- سيرفضون أي قانون لا تؤيده الحكومة. وهذا ما حدث فعلاً. والأهم من هذا أن مجلس اللوردات استطاع اقناع الشعب بأن عقوبة الاعدام من الموضوعات التي ينبغي أن يكون له أعلى صوت فيها”.
[1] – بالیسان قرية من نواحي خوشناو، وتُعد اليوم من أعمال أربل، عرفت بكثرة مـــن خرجته من العلماء. وقد ذكر هو في تضاعيف رحلته أن أسرته كانت تتولى زعامة عشيرته، يؤيد ذلك أن بعض أسلاف الأسرة عرف بلقب أمير. ينظر: كتابنا ( مراكز ثقافية مغمورة في كوردستان- بغداد،۱۹۹۷، ص ٢٤- ٢٥. وقال إبراهيم فصيح الحيدري في حديثه عن عشيرة الخوشناو ” أهل شجاعة وإقدام.. نشأ منهم علماء فحول”. ( عنوان المجد في بيان أحوال بغداد والبصرة ونجد، ص ۱۱۸).
[2] – لم يتحدد لنا موقع هذا القصر وهوية بانيه من ولاة بغداد.
[3] – ويوافق ۱۳ كانون الثاني سنة ۱۷۷۲.
[4] – لم يُذكر اسمه، وذكر اسم أبيه، وهو السيد علي بن إبراهيم البندنيجي، شاعر غلب عليه التصوف والزهد، ولد سنة ۱۱۲۳هـ / ۱۷۱۱ وانتظم أولاً في خدمة الشيخ أحمد الموصلي، وكان ذا تكية في الجانب الغربي من بغداد، ثم أنه اختفى مدة سبع سنين عاد بعدها إلى بغداد لينشيء ” تكية روحانية ورباطاً نورانيا تأخذ بالألباب في مدينة بغداد برج الأولياء ومنزل الأنقياء، دار السلام فبسط فيها حصيرة الإقامة والسكن”، وعرفت هذه التكية بالتكية البندنيجية، ثم بتكية المندلاوي، نسبة إليه، وتوفي هو سنة ١١٨٦هـ / ١٧٧٣. أما التكية فلّما تزل عامرة بروادها من المصلين والذاكرين حتى اليوم، وهي قريبة من شارع الشيخ عمر السهروردي بالجانب الشرقي. ينظر: عبد القادر الشهراباني: تذكرة الشعراء الأصل التركي مخطوط منه نسخة مصورة لدينا، الترجمة رقم ٢٤. والمندنيجي تحريف للمندليجي، والبندنيجي نسبة إلى بندنيجين بلدة من أعمال بغداد قديما، وهي اليوم في محافظة ديالى تُعرف بمندلي.
[5] – هو القطب الشهير السيد أحمد البدوي، المولود في مدينة فاس بالمغرب سنة ٥٩٦هـ / ١٢٠٠م والمتوفى في طنطا بمصر في سنة ٦٧٥هـ / ١٢٧٦م.
[6] – يذكر علي مبارك ( الخطط التوفيقية، ج ۱۳، ص ٥٠ -٥١) أنه كان للسيد أحمد البدوي ثلاثة موالد كل عام، أولها المولد الكبير، وثانيها المولد الصغير، وثالثها المولد الرجبي، نسبة إلى أول من نهض به ونظنه يقصد هنا المولد الأخير، لأنه سيذكر أن المتولي أعطاه قطعة من عمامة السيد، وفي هذا إشارة إلى طبيعة الاحتفال الذي كان يجري في المولد المذكور، حيث كان يُجدد العمامة التي على الضريح بالشاش المصبوغ باللون الأخضر في كل عام حتى حُرّف ذلك الاحتفال بمولد لفّ العمامة.