احمد عطية سفر
في بداية اذار من العام 1974، وعندما كنت جنديا كاتبا في مقر لواء المشاة/23، استلمنا برقية سرية عن طريق جهاز السايكرفون من مقر قيادة الفرقة الثامنة في أربيل، مفادها: ((نرسل لكم، يوم غد، عائلة دارا توفيق، لترحيلهم خارج شقلاوة؛ للحاق برب الأسرة الذي كان ملتحقا بالثورة ، وتاركا أفراد عائلته في بغداد)).
في اليوم التالي، وصلت سيارة باص ذو (18) راكب، تحمل بعض المدنيين، برفقة سيارة أمن مسلحة (GMC) تابعة للشرطة.
أمر النقيب ، قيس محمد، ضابط استخبارات لواء المشاة /23 -والذي أصبح فيما بعد، في الثمانينات، فريق ركن، قائد الفيلق الثالث- بالدخول إلى مقر اللواء القريب من سيطرة، ومحطة تعبئة الوقود.
لمحتُ، امرأة متجهمة، جالسة في المقعد الأمامي، بجانب السائق. نزلت من السيارة، وصاحت، بكبرياء، وبصوت عال، تخاطب الموجودين، داخل السيارة: ((لا أحد ينزل من السيارة)) ثم عطفت نحو الحرس، تخاطبهم ((لا نتناول طعامكم، أنتم خدعتم ابو إدريس… ان شاء الله نرجع لكم منصورين بإذن الله تعالى!)).
كان ضمن الحضور، امر لواء المشاة /23، لا اتذكر اسمه، بخلاف الضابطين الآخرين، وهما: النقيب بهجت، امر سرية مقر اللواء. وملازم أول زكي، ضابط العاب. وجنود سرية المقر.
لم يتجرأ أحد من الحضور، أن ينطق مع تلك المرأة، والتي أعقبت، بالحرف الواحد: ((يكفيني فخرا، انا منى البصراوية العربية، أن يكون زوجي كورديا مناضلًا… رحّلونا -ان شاء الله- نرجع لكم منصورين)).
بعدها اوعز العقيد الركن، امر اللواء، بترحيلهم، تم تهيئة فصيل مغاوير، لمرافقة الموكب. تم ايصالهم إلى 200 متر شرق شقلاوة، طريق خوشناو.
كان ضمن الموجودين داخل السيارة، رجل كبير السن، ضعيف البنية، طويل القامة، مع نساء، وصبايا، وأطفال، حاملين معهن بطانيات، فيها ملابسهم وبعض حاجياتهم البسيطة، بعد مصادرة بيوتهم في بغداد.
لم يزل عالقًا في ذهني، موقف، وشجاعة تلك السيدة المناضلة، منى البصراوية، وايمانها المطلق بالقضية الكوردية، وبعد نظرها، وأملها في النصر والعودة اللذان، تحققا في العام 2003.
شهادة الجندي المكلف، احمد عطية سفر، كاتب في مقر لواء المشاة /23 معسكر شقلاوة. العام 1974.