د. توفيق رفيق التونچي
برحيل الأديب نصرت مردان في المغترب، يوم الخميس الماضي 25/4/2024، تفقد مدينة كركوك أحد أفضل أدباءها من جيل ما بعد جماعة كركوك الأدبية، عاصر معظم اعضاء الجماعة وكان صديقهم ولكونه ينتمي الى عائلة معظم ابنائها من الادباء والشعراء والفنانين: اخيه المرحوم محمد مردان كان أحد شعراء المدينة، وكذلك اخته المرحومة ليلى مردان، وزوجته السيدة سلمى مردان، كما ان اخيهم المرحوم بهجة غمكين كان موسيقارا.
العائلة تركت ميراثا ادبيا تفوح منها طعم المدينة واحيائها. الكتابة عن الأديب والشاعر والمترجم نصرت مردان يوازي أهمية الماء للأسماك. البحر ها هنا، وطن يسمى مدينة النار والنور والقصيدة الضوئية “كركوك ” المدينة التي ولد فيها عام ١٩٤٨وأكمل دارسته الابتدائية والمتوسطة والثّانوية فيها، ولأجل إكمال دراسته الجامعية سافر إلى تركيا عام 1973 فأكمل دراسته الجامعية بأزمير في كلية الاقتصاد ثم رجع إلى كركوك.
ان تكتب في تأبين صديق رافق جزء من سنوات حياتك يعيد ذكريات نصف قرن من الزمان. حين بدا المرحوم بفك أسرار الكتابة كتب قصة قصيرة ترجم فيه شعوره نحو فدائيي فلسطين وهو يرى تجمعهم تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية أوائل الستينيات. وعلى عادة ادباء ذلك الزمان قرر إرسال قصته للنشر في بيروت. طبعا كان عيون الرقيب حاذقا فمسك بالرسالة بمهارته المعهودة في الشرق واقتاد بكاتبنا الى الغرف الأمن السرية والمظلمة ليسأله ويستفسر عن سر تلك الشفرات السرية المرسلة من قبل الفدائيين في القصة التي كتبها والتي كان الفدائيين يتواصلون ويتخاطبون بها بينهم. طبعا كل تلك الشفرات كانت من وحي خيال الكاتب. أين الأدب الرفيع من رجال الأمن الجهلة حتى النخاع. طبعا بعد التحقيق الممل وتدخل الطيبين بالواسطة أخلى سبيل المراهق نصرت وعاد الى بيته تائبا على ان لا يعاود الكتابة ب “الشفرة”.
ليس هذا مجرد قصة رواه لي صديق دراستي الجامعية والذي سكنا معا في نفس البيت لسنوات، بل احداها فقط من بين سلسلة من المحطات في حياة الشاعر الرهيف الذي أحب الحياة لان فيها “سلمى” وأحب العراق لان فيها سومر وفرات وبقي على سجيته الرومانتيكية يكتب على قطرات المطر اماله شعرا. كتب لي يوما يقول:
انا ضال والقلب ثمل
اتكسح في الحانات
لأني افتقدك
بعد ان أكمل دراسته الجامعية في مدينة ازمير الساحلية عمل مترجما في الملحقية الثقافية العراقية في انقرة والتي كانت فارغة من الثقافة بدونه.
بعد دراسة الماجستير عاد الى العراق ليعمل في جامعة صلاح الدين وهنا مرة اخرى احبه الدارسين والتدريسيين وساهم في الحياة الثقافية مع زوجته النبيلة.
ترك الوطن الكبير والصغير واللجوء الى المنفى الى الجار القريب تركيا وبقي لسنوات في معسكر سلوبي للاجئين قبل ان يلجئ الى سويسرا. وذاق المر في ذلك المخيم الحدودي وكانت تلك السنين “عجاف” وكتب عن تلك الأيام والشخصيات التي عاشرهم عن قرب وذاق هو وعائلته الأمرين من القريب والصديق والرفيق في وداعا سيلوپي.
كتب فيه راويا ايام ذلك المعسكر قائلا:
“أقسم بالله لو كنت في الجبل كما كنت قبل أعوام، لما منحته فرصة كي يتنفس. كنت سأسكت فيه صوت الشر والشيطان برصاصة واحدة لا يزيد ثمنها عن مائة فلس! لعن الله الأمم المتحدة وحياة اللجوء التي حولتنا إلى أن نكون خرافا أمام المعاصي والمنكرات في هذا المعسكر اللعين.”
انتهى به المطاف على ضفاف بحيرة “جنيڤ ” الخالدة
وبدأت رحلة جديدة من حياة المنفى. كتب موسوعة توركمان العراق ونشر فيها كتاباته. كما نشر في المواقع العراقية على الإنترنت وفي الجرائد العراقية وجل المطبوعات في الخارج ونشر ذكرياته عن احدى شوارع وطنه الصغير وأبدع في الحوار والسرد الذي يصل الى درجة القصيدة النثرية. كما أبدع في الكتابة المسرحية وترجم الى العربية معرفا قارئ العربية بالموروث الثقافي والأدبي للشعب التوركماني في العراق.
الأديب ساهم في تعريف العديد من الشخصيات العراقية والتركمانية للمثقفين الأتراك والعرب، وهو يكتب أعماله باللغتين العربية والتركمانية.
إلهي
أنا
لا
أبغي الجنة ولا النار
الموت في كركوك
جل مبتغاي