التآخي في عيدها السابع والخمسين .. الإستمرار على نهجها الوطني و رسالتها الإنسانية

 

رئيس التحرير

في خضم الظروف الصعبة والصراعات السياسية والإنقلابات الدموية، في ستينات القرن الماضي وعدم وجود صحافة حرة تعبر عن رأي الجماهير التي كانت تعاني من الكبت والحرمان والحالة المعيشية المزرية، كان لابد من منبر صحفي حر وطني يجمع المثقفين والكتاب وجميع الأقلام التي كانت تبحث عن نافذة بعيدة عن القيود لطرح افكارها وتنوير الرأي العام في ما يدور عن العراق والمنطقة،وبناء ثقافة جديدة تستند إلى حرية التعبير.

 

في مثل هكذا ظروف و نظام يفتقد لأبسط مبادئ الحرية و الديمقراطية، اتخذت قيادة  الحزب الديمقراطي الكوردستاني بعد سلسلة الأجتماعات مع الكتاب و الصحفيين و المفكرين و المثقفين الحزبيين وغير الحزبيين قراراً جريئاُ بإصدار صحيفة يومية باللغة العربية تعبر عن إرادة و وجهة نظر الحزب إزاء القضايا المتعددة في الساحتين الكوردستانية والعراقية من جانب و وجهة نظر حرة بعيدة عن توجهات الحزب والتي كانت تمثل آراء وتوجهات الكتاب والمثقفين العراقيين الأحرار من أغلب التوجهات الفكرية و الأيديولوجية لتسهم في بناء ثقافة جديدة تتناسب مع تلك المرحلة.

 

من هذا المنطلق، كلَّف الحزب عدداً من الملاكات الصحفية الكفوءة و الأقلام البارزة على سبيل المثال لا الحصر الراحلين (صالح اليوسفي، دارا توفيق، حبيب محمد كريم)  و مجموعة أخرى من الأقلام الحرة المستقلة من الوسط الصحفي العراقي بإصدار صحيفة يومية، تعبر عن إرادة الشارع العراقي و هموم الطبقات المختلفة من الشعب، فتم على أثرها إصدار العدد الأول من صحيفة ” التآخي” في 28 نيسان من عام 1967.

 

وكان لميلاد “التآخي” صدى كبير في الأوساط الصحفية و الثقافية العراقية و الإقليمية بعد صدور الأعداد الأولى منها، و تطورت الصحيفة بخطى سريعة و أخذت مساحة مهمة و فاعلة في الساحة الصحفية العراقية لما كانت تطرحه من أمور و قضايا حيوية تلامس الحياة السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية اليومية فضلاً عن القضايا الفكرية المتعددة.

 

لم تمر سوى شهور على إصدار الصحيفة، حتى أصبحت (التآخي) اسماً لامعاً و منبراً حراً مميزاً بين الصحف العراقية في العاصمة بغداد والمحافظات الأخرى، بل تنافس من حيث المضمون و المهنية و الطروحات الفكرية للإرتقاء بالوعي الثقافي للمجتمع.

 

المبادئ السياسية الجديدة التي انطلقت بها (التآخي) و المقبولية الكبيرة ألتي كانت تحظى بها اثار حفيظة و حساسية السلطة الحاكمة آنذاك التي قامت بمراقبة كل ما ينشر فيها و أحياناً ومن موقع إنفعالي كانت تُصدر قرارات بإيقافها لأيام بسبب نشر مقالة أو موضوع يخص الجانب التوعوي أو إنتقاد أداء الوزارات والمؤسسات الحكومية، حتى كانت احياناً تتأزم العلاقة بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني و الحكومة المركزية و احياناً اخرى يتعرض كتاب و محررو الصحيفة إلى المضايقات والملاحقات بسبب نشر موضوع معين يخالف الرأي الآخر.

 

وبعد التغيير الذي حصل في 2003 في العراق، عاد الكاتب والصحفي والأديب المخضرم الراحل  (فلك الدين كاكائي) من إقليم كوردستان متوجهاً إلى العاصمة بغداد، ليعيد مجد (التآخي) في مرحلة جديدة من تأريخ العراق السياسي و تأخذ مكانتها بين عشرات الصحف والمجلات و المواقع الإلكترونية، حيث كانت عودتها مبعث أمل للكتاب والصحفيين والمتلقين، و اجتمع حولها العديد من الكتاب والمفكرين والصحفيين الأكفاء و الأقلام الوطنية، لتعود (التآخي) كما كانت مصدراً للخبر الحيادي و الكلمة الحرة و الإشعاع الفكري و نشر ثقافة تتلاءم مع المرحلة الجديدة من الحياة السياسية في العراق.

 

و رغم سقوط النظام الدكتاتوري و تنفس العراقيين الصعداء، إلا أن الطريق لم يعد سالكاً ومعبداً كما كنا نتصور، حيث واجهت الصحيفة تحديات جديدة في ظل أوضاع أمنية منهارة و إنتشار و نمو الخلايا الإرهابية الإجرامية وعمليات القتل والإختطاف والتسليب التي كانت تمارسها الميليشيات في وضح النهار، و كان القائمون على الصحيفة يضطرون للمبيت في مقر الجريدة تحسباً لأي طارئ يهدد حياتهم، فضلاً على المشاكل الحقيقية التي كان يعاني منها المحررون والمصممون وعمال الطبع والنشر والتوزيع.

 

ورغم كل تلك الظروف القاهرة لم تتوقف التآخي عن الإستمرار في نشر رسالتها الإنسانية والوطنية لتشكل علامة مضيئة وفارقة بين الصحافة العراقية ولتغير انطباعات الشارع العربي عن القضية الكوردية التي تم تشويه مبادئها وقيمها بشكل ممنهج من قبل الإعلام الأصفر و الأقلام الشوفينية و العنصرية التي أرادت للعراق أن يبقى في دوامة الصراع القومي و الطائفي المقيت.

 

ورغم توقف الإصدار الورقي للصحيفة منذ عام 2017 و إستمرار إصدارها الكترونياً، ألا أن موقعها الإلكتروني يعج بالمتصفحين والقراء من أغلب التوجهات والمشارب و ماتزال الصحيفة محل ثقة الجماهير العراقية بجميع تنوعاتها المكوناتية و الفكرية من حيث تناول الأحداث اليومية والتحليلات والدراسات والمواضيع الثقافية المختلفة.

 

اليوم ونحن نوقد الشمعة الثامنة والخمسين من ميلاد (التآخي)، نقف إجلالاً للرعيل الأول الذي أسهم في بناء اللبنة الأولى لهذا الصرح الصحفي الحر، كما نحيي جميع الكتاب والصحفيين والمحررين الذين ما يزال لهم شرف المساهمة الفاعلة في إعداد ونشر رسالة (التآخي)، معاهدين المتلقين والوسط الثقافي الكريم بأننا لم ولن نحيد عن نهجنا السياسي و الفكري الحر الديمقراطي و الدفاع عن مبادئ حقوق الإنسان وتحقيق العدالة الإجتماعية ولكن بأساليب وتقنيات صحفية حديثة تنسجم مع الواقع الحالي.

 

في هذه المناسبة السعيدة، يطيب لنا أن نقدم الشكر الى مقام قيادة حزبنا المناضل لدعمها المستمر و العطاء الوافر، معاهدين قيادتنا وشعبنا الكوردستاني ومتلقي صحيفتنا الكرام أن نبقى على العهد في تقديم الأفضل ودعم مسيرة الحرية و الديمقراطية في العراق ودعم خطوات و مواقف قيادتنا السياسية للحفاظ على كيان إقليم كوردستان الذي كلفنا تضحيات جسام و نضال دام عقود من الزمن.

قد يعجبك ايضا