حوار هادئ مع الفنان التشكيلي والشاعر والصحفي صلاح حمه امين

وطن

من أبواب موصدة

تسكنه روائح

من تعب

وشهداء

 حاوره – د. توفيق رفيق التونچي

 صلاح حمه امين ناقد، فنان تشكيلي ، شاعروصحفي متعدد المواهب  يكتب باللغتين العربيةوالكوردية. ترأس مركز كركوك لأتحاد فنانيكوردستان. مابين 2003 الى 2006. عاشق لمدينتهوانسانه المعذب. التقيت به ليحدثنا عن سفره فيعالم الفن التشكيلي والادب وعالم الصحافة ذوالمتاعب.

ـ سألته عن بيئة  المدينة أي كركوك،مدينة الثقافاتوالعقائد المتعددة ، كيف تمكنتم من عكس واقعالمدينة في إنتاجكم الإبداعي؟

* لايخفى على أحد,إن مدينة كركوك تعيش فيهاأطيافٌ متجانسة من شرائح المجتمع العراقي منقوميات وأديان ومذاهب وعقائد وطوائف مختلفة,لقدأضاف هذا التجانس بشكل ملحوظ سماتٍ جميلةللمسيرة الأدبية والفنية والثقافية في هذه المدينةالعريقة.لكنني مع ذلك أختلف مع وجهة النظر التيتدعي وتطرح بأن مدينة كركوك متعددة الثقافات,ذلكلأن الأهالي والمثقفين الكركوكيين الأصلاء,شأنهمشأن مثقفي سائر المحافظات العراقية إضافة لمثقفيإقليم كوردستان قد ترعرعوا على الثقافة العراقية(مع إحتفاظ كل قومية من قومياتها وكل طيف منأطيافها بسماتها القومية والتراثية والبيئية من خلالالكتابة والتعبير بلغتها) إذ يتضح لنا من خلال هذهالرؤيا بأن الثقافة الكركوكية ثقافة موحدة,ولكن كماأسلفنا مع إختلاف بعض السمات القومية والتراثيةوالبيئية بين قومية وأخرى وعقيدة وعقيدة،وفي هذاالسياق نرى وحدة الثقافة الكركوكية متجسدةفي(جماعة كركوك الأدبيةجيل الستينيات) والتيكانت تضم خيرة أدباء كركوك من (عرب وكورد وتركمان وكلدو أشوريين) والتي كان لها تأثير واضحومباشر على المسيرة الأدبية والثقافية في العراقوالوطن العربي,حيث ظهرت باكورة أعمالها الأدبيةفي بدايات وأواسط ستينيات القرن المنصرم, وكانلهم دور وحضور فعال في إصدار(بيان شعر69)وكذلك في إصدارالأعداد الثلاثة من مجلة (شعر69). لقد كان لظهور(جماعة كركوك الأدبية )وكذلكبعض الأحداث العالمية التي حدثت في أواسطالستينيات من القرن المنصرم, وكذلك المدارسوالمذاهب الأدبية والفنية العالمية التي ظهرت بعدالحربين العالميتين الأولى والثانية التأثيرالمباشرعلىنخبة من الأدباء الكورد في مدن كركوك والسليمانيةوأربيل,حيث تمخضت عنها ظهور جماعة (روانگە) الأدبية,وقد قابلها في نفس الفترة ظهور (جماعةكفري) بين الأدباء الكورد في مدينة كركوك وتوابعها, والتي كانت لها رؤيا مختلفة عن رؤيا جماعة (روانگە) للأدب الحديث.

يتمتع الأدب والنتاج الأبداعي برؤيا ذاتية وموضوعيةللقضايا العامة والشخصية بمنظور يواكب التطوراتالتي شهدتها مسيرة الأدب والثقافة العالمية من خلالرؤيتها للهموم والمعاناة البشرية التي واكبت الحربينالعالميتين وما تمخضت عنهما من حروب معلنةوحروب باردة والتي عانى وتعاني منها البشرية الىيومنا هذا,وإنعكاسها على النخبة المثقفة .

 إن الأدب والنتاج الإبداعي ليس أبواق وشعاراتطنانة,أو محض رؤيا يفسرها السياسيين ودعاةالأدب,من الذين يتركون الحصان خلفالعربة,فالكاتب يتناول مايراه من الواقع,ولكن برؤياومنظور مختلف,إنها تجزئة لصورٍلاترى بالعينالمجردة, تجري زعزعتها عن أماكنها وإعادة بناءهامن جديد من خلال خيالٍ خصب ورؤيا شموليةواسعة ,خيالٌ يفتح فضاءاتٍ ومساحاتٍ شاسعةللتحليق,إنها إستفحال الخيال بطرق مختلفة,والنزولالى البحر بمركبة فقدت بوصلتها وتمزق شراعها.

هل ترون ان هناك عوائق بين المثقفين فيما يخصالتحاور والنقاش بين أطياف النسيج السكاني لمدينة كركوك؟  

*كما أسلفنا سابقاً,إن النسيج السكاني والثقافيلمدينة كركوك نسيج متجانس,مع إحتفاظ كل قوميةوكل طيف من أطيافه بسماته القومية والعرقيةوالتراثية,وخيردليل على ذلك تلك الوحدة التي تميزتبها (جماعة كركوك الأدبية) والتي ضمت نسيجاً منالمجتمع الكركوكي, والتي وضعت اللبنة الأساسيةللثقافة الكركوكية الموحدة. فالتأريخ الثقافي لمدينةكركوك تأريخ موحد لايقبل ولايرضى بالتجزئة, حيثهناك أدباء كورد كتبوا باللغة العربيةوالتركمانية,وكذلك هناك بعض الأدباء التركمان الذينكتبوا باللغة العربية ,من هنا نرى نسيج التجانسوالوحدة واضحة الملامح والنوايا عند غالبية النخبةالكركوكية المثقفة , التي تحاول جاهدة تطهيرالسياسة والنظرة والرؤيا الدونية من خلال الأدبوالفن . ومع ذلك للأسف الشديد كما قيل (ليس كلمايتمناه المرء يدركه).  

الشعر البوابة الكبيرة للإبداع الأدبي وأسلوب حياةوالنص الشعري يعتبر كذلك زبدة الكلام واجمل مافيه الصورة الشعرية. خلال فترة الدكتاتورية البعثيةالتي امتدت الى35 عاما شاهدت المدينة وأهلهاالعديد من التغيرات السكانية والثقافية. كيف ترونتاثير تلك الحقبة على الحركة الثقافية في المدينة؟

* الشعر هو بقايا حلم يسعى للتحليق في فضاءٍأوسع,إبتسامةٌ تتعثر بين شفتين وبقايا كأس وسكائرممزوجة بالحبروالدماء,وقوعٌ في أحضان شيطانومومس,وفي حب عذري,إقامةٌ في منازل وأكواخ ذيأبواب وشبابيك مفتوحة,سباحة وطيران في فضاءيتوسع كلما إتسعت رؤيا الشاعر أوأفقه,إمساكٌبغيوم جافة وتحويلها الى نبع وفيضان,إنشاء مساحةمن الورق والحبر بين الواقع والخيال وحافة الجحيموأبواب الفراديس,تأويلات لزمنٍ من عواصفورعود,ولإنكسارالحلم,إنتقالٌ للضفة الأخرى غرقاً, والخروج من العاصفة الى المعنى والترحال بينضفافه,رؤيا لشلال الزمن المتهالك,وإنشاء جسورٍوممراتٍ في حقولٍ للألغام

لا يخفى على المتابعين والمطلعين على تأريخوجغرافية مدينة كركوك قبل أكثرمن خمسة عقودوتزيد,بأن المساحة الجغرافية لهذه المدينة كانتأضعاف ماهي عليه الأن,حيث كانت تضم مدن (جمجمال وتكية وأغجلر وعسكر) إضافة لـ مدن (كفري ووكلارو طوزخورماتو) التي كانت تضم مئات القرىالكوردية التي بترت عنها بعد تنصل النظام البعثيالمقبورعن تطبيق بنود إتفاقية بيان (11) أذارالتأريخي وتجدد الثورة في كوردستان,إذ تسببتتلك الإستقطاعات والبتر العنصري من الناحيةالجغرافية والسكانية الى تغييرٍ (ديموغرافي) فيالهيكلية الإدارية لمدينة كركوك والتي تعاني منهاحتى يومنا هذا على الرغم من تغيير النظام البعثيمنذ أكثرمن عقدين من الزمن.أضف الى ذلك مؤامرة(إتفاقية جزائر) المشؤومة التي تسببت في إنهيارالثورة الكوردية التحررية في عام (1975)والتي كانالسبب الرئيسي في تهجير وإبعاد المئات من أبناءهذه المدينة الأصلاء من القومية الكوردية الى جنوبالعراق ومدن إقليم كوردستان, والتي ضمت عددكبير من خيرة الأدباء والفنانين الكورد,وإفساحالمجال لمئات العوائل العربية من مدن جنوب العراقووسطها للقدوم والسكن في مدينة كركوك,وقد تسببتتلك السياسة العنصرية من إرباك وشل الحركةالثقافية فيها,أضف الى ذلك إغلاق ومنع المدارسالتي كانت تدرس باللغتين الكوردية والتركمانية,وكذلكتم منع إقامة النشاطات الأدبية باللغتين الكورديةوالتركمانية,حيث تسببت تلك الحالتين أي(تهجيروإبعاد الأدباء الكورد ومنع إقامة النشاطات الأدبيةبغير اللغة العربية) في جمود واضح في المشهدالثقافي الكركوكي,بأستثناء بعض النشاطات الأدبيةالقليلة التي كانت تقام باللغة العربية.والملفت للنظرذلك الإزدهارالكبيرالذي تميزت بها النشاطاتالتشكيلية في تلك الفترة العصيبة من تأريخ هذهالمدينة,حيث كان فيها الفن التشكيلي المنفذ الوحيدللثقافة الكركوكية الموحدة,والمتنفس الوحيد للنخبةالمثقفة والواعية في مدينة كركوك.

الفن التشكيلي في المدينة ذو جذور قديمة ويمكناعتبار الحركة التشكيلية في كركوك رائدة بالقياسالى مدن ك السليمانية واربيل ودهوك. كيف ترونمستقبل الحركة الفنية في المدينة؟

*  لمدينة كركوك تأريخ عريق في مجال الفنونالتشكيلية,حيث تعود لمئات السنين,والتي لم تأفل رغمتعاقب أزمان القسوة عليها,بل بالعكس فقد زادتهاالأزمنة القلقة رسوخاً وبهاء, ذلك التأريخ والشواهدالفنية تحتضنها قلعة كركوك و(قرى نوزلي وجرمو) الواقعتين بالقرب من مدينة (جم جمال) خير دليلعلى قدم الفنون التشكيلية في هذه المدينة العريقة. أما بالنسبة للتأريخ المعاصر للفن التشكيلي فيكركوك والذي يعود على الأرجح الى نهاية الثلاثينياتوبداية الأربعينيات من القرن المنصرم,وكان أوجهافي بداية خمسينيات القرن المنصرم, والتي شهدتولادة أول تجمع فني بأسم (أصدقاء الفن) والتيإستمدت إسمها من (أصدقاء الفن) التي ظهرتقبلها في مدينة بغداد, وقد سميت فيما بعد بأسم(فناني لواء كركوك) أو (جماعة فناني كركوك) التيتأسست على يد ثلاثة من الفنانين الكركوكيين وهمكل من الفنانين (محمود العبيدي/ صديق أحمدعاشور/ سنان سعيد). إمتازت مدينة كركوك بكثرةالنشاطات التشكيلية, وذلك بسبب وجود(شركة نفطالشمال)فيها,حيث كان يعمل فيها خبراء ومهندسينوكذلك عمال وموظفين بريطانيين في مجال النفط,وقدأقامت السيدة البريطانية (ساووت بي) معرضاًتشكيلياً في أواسط الخمسينيات في مدينة كركوك. تشير بعض المصادر الى أن الفنان الكورديالمعروف (عزيز سليم) أقام معرضاً شخصياً فيمقهى (يد الله) بـ(منطقة الشورجة) في كركوك عام(1934) والتي ضمت (6) لوحات من أعمالهالتشكيلية,مع تحفظنا على ماورد في تلك المصادرفأنها بعيدة كل البعد عن الحقيقة .     ومن ناحيةأخرى,تطرق الفنان الكوردي المعروف (أزاد شوقي) في عدد من اللقاءات التلفزيونية والصحفية عن فترةتواجده وعائلته في مدينة كركوك وعلاقاته معالتشكيليين الكركوكيين ونشاطاته معهم حيث أقاممعرضين مشتركين ومنفصلين مع كل من الفنانين(محمود العبيدي وسنان سعيد), وقد تطرق الفنانالراحل (محمود العبيدي) إليها.

   

وكذلك أقام الفنان التشكيلي الكوردي (خالد سعيد) والمعروف بـ (فريشتة) عام 1950معرضاً تشكيلياً فيقاعة (المكتبة العامة) القديمة بمدينة كركوك.                                                                يتضح لنا منخلال بعض المصادروالنشاطات التي أوردناها هناتهافت ورغبة فناني محافظة السليمانية في إقامةالمعارض الفنية في هذه المدينة في أربعينياتوخمسينيات القرن المنصرم, وذلك بسبب النشاطاتالتشكيلية التي كانت تقام فيها. والجدير بالذكريعتبر الفنان التشكيلي الكوردي الكركوكي (بديعباباجان) أول فنان يلتحق للدراسة بـ(معهد الفنونالجميلةفي بغداد) من مدينة كركوك ومدن إقليمكوردستان.

                                                                                                 كما أسلفنا سابقاً لقد تميزتثمانينيات القرن المنصرم في مدينة كركوك بكثرةالنشاطات التشكيلية المميزة كماً ونوعاً,إذ شهدتتطوراً ملفت للنظر من ناحية المستوى والإبداع الفنيالذي واكب التطور الفني والمذاهب والمدارس الفنيةالتي إنتشرت في العراق والعالم . أما بالنسبةلحاضر ومستقبل الفن التشكيلي في مدينة كركوكفإنني (أرى بصيص ضوءٍ في نهاية النفق) إذ ظهرتفي العقدين الأخيرين طاقات شبابية مبدعة وواعدة, والتي تواكب لوحاتهم وتجاربهم الفنية تجاربالتجديد والحداثة التي شهدتها الفن التشكيلي فيالعالم.

ختاما نرجو لضيفنا العزيز دوام الصحة والعافيةوالإنتاج الوفير لخدمة الحركة الأدبية والفنية.

قد يعجبك ايضا