العراق والحراك الثقافي

الباحث : سردار علي سنجاري

الجزء الأول

عندما نتحدث عن الحراك الثقافي لأي مجتمع او مجموعة بشرية او دولة فاننا امام حراك لا يتجزأ من عمليّة تقدّم المجتمعات وتطورها . وهو المنفذ الذي من خلاله يتم فيه عملية تحسين ظروف الحياة ورفع قيم الرقي وجمال الامة وكذلك وسيلة للتنمية وازدهار المجتمع .

لا شك ان الثقافة هي التي تمّيز المجتمعات عن بعضها وتختلف في طبيعة الصفات والخصائص لكل مجتمع او مجموعة بشرية وهذه الخصائص تنمو مع النمو الحضاري للمجتمع وتتراجع مع التخلف والفقر والازمات التي تواجه المجتمع وتصيب الامة.

لكن رغم ذلك قد تلتقي الأمم من خلال التفاعلات وامتزاج بعضها البعض وهذا قد يؤدي الى تفاهمات وتاثيرات في طبيعة الثقافة والعلاقة بين الشعوب
ولطالما عاش الكورد والعرب في العراق تأريخا من الامتزاج على الصعيدين الثقافي و الاجتماعي وربطتهم اواصر الدين والعمق التأريخي الا ان العلاقة بين الطرفين كانت تمر بفترات فتور وتباين في كثير من محطاتها.

والحقيقة ان العرب لم يسعوا الى التقارب الجاد مع الكورد ولا استطيع ان اعقب على الاسباب الحقيقية التي تدفعهم الى ذلك وبالاخص ان الكورد كانوا دوما يعتبرون العرب هم اقرب الشعوب اليهم من باقي الشعوب كالفرس والاتراك، ولكن في العقود الاخيرة وفي زمن بروز القومية العربية بدأت العلاقة بين الجانبين تتدهور وبالتحديد عندما اتُهم الكورد بالأنفصاليين ما دفع الكورد الى اتخاذ مواقف للدفاع انفسهم وحماية كيانهم وتواجدهم كمجموعة بشرية ذات خصوضيات تأريخية وثقافية ، متناسين ان الكورد هم من حددوا مصيرهم في الامتزاج مع العراق عندما تاسست الدولة العراقية عام 1920 كانت كوردستان ضمن ولاية الموصل التي لم تكن ضمن العراق انذاك . وبطلب من الانكليز قام الملك فيصل الاول باجراء اول استفتاء في العراق واستثنى كوردستان من هذا الاستفتاء واذا ما عدنا الى كتاب ( تاريخ الوزارات العراقية )الذي جاء فيه : يشترط ان تكون المناطق الكوردية مخيرة في الاشتراك في الانتخابات او عدمه والا يوثر ذلك على قرارهم النهائي تجاه حكومة العراق ومنزلتهم لديها، لكن الكورد اختاروا ان يشاركوا في الاستفتاء واختاروا العراق كموطن لهم .

ومنذ تاسيس الدولة العراقية لعب الكورد دورا هاما في تعزيز الدولة وتمكينها من اجل ان تكون دولة ذات سيادة وقانون ولها مكانة بين الدول بما يتناسب وتأريخ العراق الحضاري، ومن اجل هذا ساهم الكورد في العراق الحديث في الانخراط في كافة مؤسسات الدولة ونشطوا في العديد من المجالات وقدموا للعراق الكثير من الكفاءات الأدارية والعسكرية والثقافية والإقتصادية.

ففي السلك العسكري ومنذ تاسيس الجيش العراقي سنة 1921 كان مؤسسه الجنرال جعفر مصطفى العسكري من اصول كوردية وكان معه ثمانية ضباط كورد من اصل ١٣ ضابطا مؤسساً للجيش العراقي . وكان الكورد ينظرون الى العراق الفتي نظرة تفاؤل واخلاص وساهموا كأفراد او مجموعات فكرية وعشائرية في تقدم العراق وجعله دولة تتمتع بمكانة بارزة بين الدول العربية والشرق اوسطية.

نعم كان للكورد حلم قيام دولة كما هو حال غالبية الشعوب التي كانت تحت سيطرة الإمبراطورية العثمانية التي انهارت بعد الحرب العالمية الاولى وتأسست الدول الحالية بحدودها الجغرافية الحديثة و الذي وضع الكورد ضمن اربع دول في معاهدة سايكس بيكو سنة 1916 ولكن بعدها بدات التحركات الكوردية تاخذ منحاً جديداً وتم اقناع الدول الكبرى بحق الكورد في اقامة دولتهم المستقلة وبالأخص في الجانب التركي في معاهدة سيفر بين الحلفاء التي جاء في موادها (62 و63 و64) النص على حق الكورد في إنشاء دولة كردية في منطقة كردستان تركيا تتمتع بالحكم الذاتي أولا ثم الاستقلال. إلا أن رفض تركيا لهذه المعاهدة ورغبة بريطانيا في وضع العراق بأكمله تحت الانتداب أبقيا هذه المعاهدة حبرا على ورق. ثم جاءت معاهدة لوزان عام 1923 لتقضي على الآمال الكوردية حيث تم تقسيم المنطقة وحسب الحدود المتعارف عليها الآن.

وبالتالي فقد تم تقسيم منطقة كردستان بين تركيا وإيران والعراق مع بعض التدخلات في كل من أذربيجان (من أجزاء الاتحاد السوفياتي السابق) وسوريا.

قد يعجبك ايضا