تعطيل المصانع.. قوى خارجية وأدوات داخلية تعرقل نمو الصناعة العراقية

 

متابعة

توقف بحدود 37 ألف مصنع عن العمل في العراق، في رقم يعكس حجم التدهور الكبير الذي يعاني منه القطاع الصناعي العراقي جرّاء غياب الخطط الحكومية للارتقاء به بعد عام 2003.

ووفقاً للباحث الاقتصادي، عمر الحلبوسي، أن السياسات الحكومية أسهمت في تعطيل

القطاع الخاص العراقي، في ظل غياب التمويل من المصارف الخاصة والحكومية، واحتكار المبادرات الحكومية لجهات معينة دون غيرها من الشعب. وأضاف، أن التدخلات الخارجية أسهمت هي الأخرى في تفاقم تراجع القطاع الخاص، وفق الحلبوسي، الذي استدرك بالقول: “عملت دول إقليمية على تدمير القطاعات العراقية كافة من أجل أن يبقى العراق سوقاً لتصريف بضائعها، في ظل انعدام سيادة القرار والإرادة الوطنية للنهوض بالاقتصاد العراقي”.

وأكد، أن ذلك أسهم في تراجع فرص العمل التي يوفرها القطاع الخاص، وكذلك تراجع الأجور رغم ساعات العمل الطويلة، والأعباء التي تُفرض على العاملين في القطاع الخاص، وفي أغلب الأحيان يتم الاستغناء عن العاملين دون سبب يذكر.

الصناعة العراقية

نجحت بغداد منذ مطلع ستينيات القرن الماضي في تأسيس قطاع ضخم للصناعات حقق اكتفاءً ذاتياً في العديد من السلع، بمساعدة دول أوروبا الشرقية والاتحاد السوفييتي السابق منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، بينما تعاني اليوم من توقف آلاف المشاريع والمصانع التابعة للدولة بسبب التخريب أو السرقة والإهمال.

وبحسب مسؤول عراقي في وزارة الصناعة أن عدد المعامل والمصانع الحكومية العاملة في العراق لا يتعدى العشرين في المائة من مجموع المصانع الإنتاجية البالغة أكثر من ألف معمل ومصنع في مختلف القطاعات التي خرجت غالبيتها من الخدمة منذ الاحتلال الأميركي للبلاد.

وبيّن أن قطاع الصناعة في العراق كان يمثل 23 في المائة من الناتج الإجمالي قبل عام 2003، وكانت معامل الأدوية، والغزل والنسيج والألبسة، والأسمدة والفوسفات، ومصانع السكر، ومصانع الإسمنت والحديد الصلب، والصناعات الدقيقة، وأخرى للمواد الغذائية والألبان، قد حققت الاكتفاء الذاتي، لكنها اليوم باتت عالة على الدولة التي تدفع مرتبات الآلاف من موظفيها والعاملين فيها من دون أن يقوموا بأي عمل.وأفاد، أن إهمال قطاعات الإنتاج واعتماد البلد على واردات بيع النفط العراقي والاتجاه نحو تعزيز الموازنات التشغيلية، قيّدت الاقتصاد العراقي وجعلته اقتصاداً يعتمد بشكل كامل على النفط بعدما كان القطاع الصناعي يشكل نسبة مهمة من الناتج المحلي الإجمالي قبل عام 2003.

وأضاف أن أغلب الشركات الصناعية المملوكة للدولة شركات خاسرة، وتعتمد على موازنة الدولة في توفير التمويل ورواتب الموظفين، بسبب استمرار بعضها على الطرق القديمة في الإنتاج، التي تعتبر مكلفة مقارنةً بالوسائل الحديثة التي تعتمد التكنولوجيا الصناعية فيها.

رواتب الموظفين

والأزمة لا تتوقف عند توقف وتعطيل الصناعة فحسب، إنما ، تُدفع ملايين الدولارات من موازنة الدولة لعمال مئات المصانع المتوقفة. وفيما قال مسؤولون في وزارة الصناعة العراقية إن العجز المزمن عن إحياء المصانع سببه قلة المخصصات المالية بالدرجة الأولى، أكد آخرون أن دوافع سياسية تقف وراء ذلك لضمان استمرار استيراد العراق حاجاته، وخاصة من إيران و بالعملة الصعبة.

وأكد، المنسق العام لشبكة الاقتصاديين العراقيين، بارق شُبَّر، أن المصانع العراقية تكلف خزينة الدولة أكثر من 500 مليون دولار سنوياً، ولا توجد دولة في العالم، مهما كان نظامها الاقتصادي، رأسمالياً كان أو اشتراكياً، تدفع رواتب لموظفين أو عمال لا يعملون.

وأكد شُبَّر في حديث صحافي، أن الاستمرار في دفع الرواتب من دون عمل مقابل يعني إرهاق موازنة الدولة وهدر الموارد المالية التي يمكن الاستفادة منها لبناء المدارس والمستشفيات والطرق والبنى التحتية.

 

وأوضح أن السياسات الاقتصادية في جميع بلدان العالم تقوم على خطط واستراتيجيات للحد من مخاطر أي أزمة، مثلاً في النظام الرأسمالي عند توقف المصنع عن العمل، تُصمَّم برامج خاصة، إما التقاعد المبكر، أو مكافآت مالية، أو نقل ملكية المصنع إلى العاملين، بينما في الاقتصاد الاشتراكي يُنقَل العاملون إلى مصانع أو منشآت أخرى. وأكد أن العراق هو البلد الوحيد في العالم الذي لا يُعتمد فيه أي من هذين الحلين، بسبب غياب الإرادة السياسية، وهيمنة الأحزاب على السياسة الصناعية والاقتصادية للدولة.

البطالة وسوق العمل

في المقابل، قال المتحدث باسم وزارة التخطيط الاتحادية، عبد الزهرة الهنداوي، إن “نسبة البطالة عام 2021 بلغت 16.5%، وهي نسبة مرتفعة عن الأعوام السابقة، لتداعيات جائحة كورونا، من توقف الأنشطة الاقتصادية والفعاليات التنموية”.

ورجح الهنداوي، انخفاض معدلات البطالة، في ظل الإجراءات التي تم اتخاذها خلال السنتين الماضيتين 2022 و2023، منها التعيينات الكثيرة واستئناف العمل بالكثير من المشاريع إلى جانب البدء بمشاريع جديدة، التي وفرّت الآلاف من فرص العمل للشباب، مختتماً حديثه بالقول: “يجري في الوقت الحاضر مسحاً لمعرفة النسب الجديدة”.إلا أن الباحث الاقتصادي، علي عواد، استبعد وجود حل شامل لمسألة القضاء على البطاقة في العراق لأسباب عديدة، تقف في مقدمتها الإرادات الخارجية التي تعرقل اي محاولة للإنتاج الوطني العراقي.وأضاف عواد لوكالة “يقين”، أن من بين الأسباب الأخرى التي تعرقل نمو سوق العمل والحد من البطالة، هي فوضى إدارة الملف النقدي والمالي في العراق، والسياسة التي تنتعجها إدارة البنك المركزي وفقاً لرغبات التجار الكبار وزعماء الأحزاب والميليشيات وأجنداتهم الخارجية.وأفاد أيضاً، أن عسكرة المجتمع وارتفاع معدلات الجريمة، فضلاً عن ازمة النزوح التي مازالت قائمة تعد أسباب أخرى تضاف لمشكلة عدم نهوض العراق وتنميته المستدامة في مختلف المجالات.

قد يعجبك ايضا