متابعة ـ التآخي
من المتوقع ان تتراجع عائدات النفط في مواجهة انخفاضات الطلب العالمي من عام 2040 إن لم يكن قبل ذلك.
ومع إدراك العالم للحاجة إلى صافي طاقة صفرية لتقليل آثار تغير المناخ، ألزم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بتحقيق صافي انبعاثات غازات الدفيئة بحلول عام 2060 في إطار المبادرة الخضراء السعودية.
ويعد استهلاك الفرد من الوقود الأحفوري في المملكة العربية السعودية هو الأدنى بين دول الخليج، ولكنه لا زال ضعف نظيره في ألمانيا، مما يمثل تكلفة فرصة مالية كبيرة للغاية من حيث الإيرادات من الصادرات، علاوة على ذلك؛ أشار تقرير صدر عن معهد بروكينجز إلى أنه “على المدى المتوسط، من المتوقع أن تتراجع عائدات النفط في مواجهة انخفاضات الطلب العالمي بدءا من عام 2040 تقريبا، إن لم يكن قبل ذلك”.
ومع ذلك، فإن مصادر الطاقة البديلة، وخاصة الطاقة الشمسية، غير قادرة على الحلول محل الوقود الأحفوري، وخاصة بالنسبة للطاقة الأساسية.
وحتى في هذه المنطقة من العالم، أظهرت دولة الإمارات العربية المتحدة بعض أوجه القصور في الطاقة الشمسية، مع التوسع النووي بشكل أسرع وأكثر دراماتيكية.
وتمثل الطاقة النووية مصدر الطاقة الأساسي الوحيد الخالي من الكربون والمتوفر في هذه المنطقة التي لا تحتوي على أنهار، مما يجعلها عنصرًا لا غنى عنه في أي مزيج طاقة خالٍ من الكربون.
وأظهرت دراسة أجرتها وكالة الطاقة الدولية في وقت سابق، أن الطاقة النووية هي الطاقة الأقل تكلفة، وقد تعرضت الطاقة النووية لضغوط سيئة بسبب عديد الانتكاسات المذهلة التي شهدتها المشاريع في الولايات المتحدة وأوروبا على مدى السنوات القليلة الماضية.
واستنادا إلى البيانات الدولية، أشارت الوكالة في دراستها التاسعة بشأن تكلفة توليد الكهرباء إلى أن “الطاقة النووية تظل التكنولوجيا المنخفضة الكربون القابلة للنشر بأقل التكاليف المتوقعة في عام 2025”.
وذُكر أن البديل الوحيد القابل للمقارنة من حيث التكلفة هو الخزانات المائية الكبيرة، التي تعتمد بشكل كبير على مصادر المياه الطبيعية للبلدان، وقالت إن المحطات النووية أقل تكلفة من المحطات التي تعمل بالفحم.
وحتى الآن، لم يجري تشجيع المملكة العربية السعودية على تطوير إنتاج الطاقة النووية محلياً بسبب المخاوف الجيوسياسية الغربية، وبخاصة مطالب منع الانتشار النووي من الولايات المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية.
هذه القيود هي نتيجة ثانوية لدورة وقود اليورانيوم الحالية التي تكون نفاياتها عبارة عن بلوتونيوم قابل للاستغلال في الأسلحة.
والطاقة الناجمة عن التحويل، وهي أكثر أمانا من الانشطار وأكثر عملية من الاندماج، تعتمد على عملية من مرحلتين مثالية لاستغلال معدن الثوريوم المشترك المهمل كوقود.
أولاً، يؤدي امتصاص النيوترون إلى تحويل الثوريوم إلى نظير اليورانيوم 233 (اليورانيوم 238 هو العنصر المستقر المتواجد في الطبيعة)، الذي ينشطر بعد ذلك وينتج الطاقة، في المقابل، فإن الطاقة النووية المعتمدة على اليورانيوم (باستعمال اليورانيوم 235 أو اليورانيوم 238) تتضمن في المقام الأول عملية انشطار مباشر من دون خطوة تحويل وسيطة.
وعملية تحويل الطاقة، التي تعتمد على خطوتين، يجري تمكينها من خلال مجموعة جديدة من التقنيات المنبثقة عن تجارب فيزياء الجسيمات التي أجريت في CERN في التسعينات تحت قيادة البروفيسور كارلو روبيا، الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء (1984).
تجمع هذه التقنية بين مسرع الجسيمات لتعديل التفاعل النووي مع معدن سائل لتبريد النواة النووية.
وصرح جيوفاني أنيلي، رئيس قسم نقل التكنولوجيا في المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية (CERN)، مؤخرًا أن “المفهوم ليس جديدًا ولكن التقدم التكنولوجي الحديث يجعله أقرب إلى التنفيذ، سيكون هذا إنجازا حقيقيا في مجال إنتاج الطاقة.”
وتلبي مزايا هذه العملية متطلبات المستقبل النووي المستدام الأهمية دون الحرجة بسبب مسرع الجسيمات، مما يعني أنه يمكن إيقاف التفاعل خلال ملي ثانية (جزء من آلاف الثانية)، والتقليل من النفايات طويلة العمر، مما يقلل من سمية النفايات من 300 ألف سنة إلى 300 سنة للوقود المستهلك والسلامة السلبية لإزالة الحرارة المتبقية، لا يوجد ماء كمبرد وتشغيل تحت الضغط الجوي.
كما تشمل تكنولوجيا التكرير الكهربائي المقاومة للانتشار لإعادة تدوير الوقود المستهلك، والاستدامة بوساطة تربية اليورانيوم 233 على نطاق واسع، الذي يمكن مزجه مع الثوريوم لإنشاء دورة وقود أقل تكلفة ومقاومة للانتشار مع عدم وجود نفايات طويلة العمر (300 عام).
ان تطوير طاقة نووية تحويلية تركز على الأغراض المدنية سيكون بمنزلة فرصة تحويلية للمملكة العربية السعودية لتتولى الريادة في مجال طاقة المستقبل.
وسوف تنضم بلدان أخرى إلى الجهود التي تقودها المملكة العربية السعودية لإنشاء هذا المصدر الجديد للطاقة، وبخاصة تلك التي لديها احتياطيات هائلة من الثوريوم مثل الهند وتركيا والبرازيل أو النرويج، إلى جانب كثير من الدول النامية التي تسعى إلى الحصول على طاقة نووية خالية من الكربون دون هدر طويل الأمد، أو مخاطر الانتشار.
ان الموقع الجيوسياسي للمملكة ومواردها المالية القوية يسمحان لها بقيادة التحول كعملية عالمية ومبتكرة للطاقة النظيفة.
وعن طريق تبني هذه التكنولوجيا النووية الجديدة، لن تقوم المملكة العربية السعودية بتنويع مزيج الطاقة لديها فحسب، بل ستضع أيضًا معيارًا جديدًا في السلامة النووية والاستدامة التي يمكن أن تتبناها الدول الأخرى وتسريع تحول الطاقة.