السياسات و النُّظم

*فاضل ميراني

لو قُدّر لكل نظام سياسي قائم ان يراجع تصرفاته و ادارته السياسية داخليا و خارجيا، مراجعة حيادية، او ان يراجع ما كان عليه سلفه اذا اتفق انه سجل عليه مؤاخذات و اخفاقات، فأن ذلك ان تم بعيدا عن الدعاية و الترويج، كفيل بأستحداث روح جديدة تتجاوز السائد المتعثر في اداء كثير من الانظمة التي راكمت الى جانب اخطاء سابقاتها اخطائها هي، فراحت تترنح في الحقيقة و تكابر في الواقع.

ليست السياسة بمفهومها السليم تخصصا هينا، و لا حتى اذا تشوه المفهوم بفكر محبي التسلط و على ايديهم، فمانح الدواء ان كان متخصصا فهو يحمل مسؤولية اعطاءه و كذا مانحه اذا انتحل الصفة ومعها عقوبة تقع عليه.

لسنوات قريبة كانت تجارب السياسة في جزء من اوروبا جالبة للدمار، واقرب مثال كانت يوغسلافيا و قبل رومانيا ايام تشاوتشيسكو و تلك على ايام سلوبودان ميلوسوفيتش، حيث ان ادامة السلطة السياسية على علات ادائها لا يرتبط دوما بمعسكر مساند، فالمصالح الدولية كفيلة بتأمين خطوط امنة لمنع التهديد و ازالة الخطر و البحث عن بدائل.

يقوم العالم السياسي على مثال مستنسخ اسمه النظام، لكن الاختلاف يقع في مضمون سياسة النظام، ومنها تبدأ الفوارق بالظهور، فثمة انظمة قائدة، و انظمة مقادة، انظمة عظمى و انظمة كبرى، و انظمة حيادية، وانظمة ضعيفة، انظمة منتجة و انظمة مكتفية و انظمة مستهلكة.
التاريخ و الجغرافيا و العقائد هي عوامل مؤثرة بشدة في تشكل الانظمة و ادائها و حتى مقبوليتها.

حتى في الانظمة السياسية التي تم منحها حماية استراتيجية يضمن وجود حليف في منطقة ما مدخر للفائدة في حال الصراع، لابد من اعتماد تخطيط و مراجعة لنقاط القوة و الضعف الذاتيين للنظام السياسي، لابد من احتكاك و اطلاع على التجارب الناجحة لدول استبدلت نظامها او جرى تبديل نظامها من الخارج، لتعيد اكتشاف نفسها، وترمم او تؤسس لتعديل مفاهيمها في الادارة، لتعيد فهم معنى السلطة و النفوذ و القانون الذي تحتكم اليه، وتخطط و تعمل و تنجز ما يقويها فعلا لا دعاية جوفاء تفقدها اول ما تفقدها ثقة جمهور يرى نفسه بواد و سلطته بواد يقود للضعف و الضياع.

المكون البشري هو ركن اساس لنظام سياسي حاكم ام طامح للحكم، وهذا المكون يجب ان يحظى بالاهتمام التنشئي السليم، وهذا الامر هو الذي يحد من الجريمة و الجهل و الضياع المتوقع بقوة ان جرى تسييب هذا الامر و جعله في ادنى جدول الاهتمام.

محليا و من سنة ١٩٥٨ و حتى ٢٠٠٣ تراجعت بأنحدار اهمية التخطيط السليم و صارت قضية خلق نظام سياسي رشيد قضية صعبة، اذ ان الانظمة ولدت نفسها بهوية كتبت معها لنفسها النهاية، اذا جاءت بهوية عسكرية متربصة تبحث عن عداوات داخلية و اقليمية و مسارعة لتبني عقائد سياسية مضربة بفهمها و ترجمتها للجهمور، ثم صارت الانظمة تحمل هم امنها، و في المثالين، اظهرت جوعها لتجميع السلاح و استحداث اجهزة القسر، ثم لما ذهبت لتبني علاقات مع القوى الكبرى لم تجد لها الا مكانا تبعيا فكان نصيبها من الربح اقل كثيرا من جهدها الذي لم يحمده لها حتى المعسكر الذي تظاهر بحمايته، فقد شهدنا كيف ضربت تلك القوى انظمة هددت المصالح الكبرى.

رجل السياسة الناجح هو ذلك الذي لا يتورط بجمع الجهل مع ممارسة السياسة، و هو ايضا ملم بتاريخ و خارطة المصالح و جامع لملفات داخلية مخطط لايجادها او تنميتها او تشذيبها او الغائها حسب فائدتها لرئس المال الابقى وهو الانسان.
كثيرة هي الانظمة و اكثر منها نظريات و تنظير السياسة، لكن التي تتبقى و تراكم خبراتها هي تلك النظم التي تخلق سوقا و تلبي الاحتياجات و التي تعزل معتقدها ولا تفرضه، المنمية لأجيالها بتخطيط واقعي متقن.

*مسؤول الهيئة العاملة للمكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني

قد يعجبك ايضا