د. توفيق رفيق التونچي
(كُلُّ حِزْبٍ بمَا لَديْهِمْ فَرِحُونَ)
قران كريم
هل هناك عقد اجتماعي بين الدولة الوطنية ومواطنيه من جهة وبين أجهزة الدولة الاتحادية و الأقاليم من جهة اخرى؟؟؟
خلال دهور من الزمن عاش الإنسان في مجاميع طبيعية دون اي تفرقة بينهم من الناحية الاثنية والعرقية . لكنه مع مرور الزمن وتطور الفكري البشري ومن ثم ظهور الديانات و التطورات اللاحقة وصولا الى يومنا هذا حيث بدا الانقسام والانفصال.
لكن طغيان عرق وقومية معينة، كان على الأكثر بسبب عدد سكانها الأكبر ، مكانة وجاه وقدسية، ثروة، قوة و ربما تقدماً علمياً او حضارياً وثقافياً وسيادته على الأقوام الأخرى. كل ذلك غيرت صورة المجتمعات الإنسانية. كل ذلك حصل تدريجيا بعد نشوء الدول الوطنية وإيجاد عقد غير مكتوب بين المواطنين فيما بينهم او بينهم وبين الحاكم، الدولة، يتنازل المواطن عن حقوقه الطبيعية للصالح العام والمحافظة على المجتمع أي يتحول الحاكم الى وكيل للرعايا.
على أساس هذا العقد يتم تحديد مسؤوليات وحقوق الطرفين بينما يبقى الشعب أساس السلطة ومصدرها. من الطبيعي ان تلك العلاقة ديناميكية متغيرة من وقت الى اخر ومن مكان الى أخر. في الأنظمة الديمقراطية يحق للمواطن انتخاب من يقومً بتمثيله في البرلمان الوطني وعادة يتم اختيار حملة فكر سياسي وبرنامج انتخابي في حالة فوزه بالأغلبية او مؤتلفا مع الأحزاب الأخرى ليديروا دفة حكم البلاد فترة زمنية محددة ، عادة اربع سنوات وذلك عن طريق تشكيل الحكومات وسن القوانين باسم الشعب تحت قبة البرلمان ويتم اختيار أعضاءه عن طريق الانتخابات النيابية و بحرية كاملة على الأقل هذا ما نص عليه دساتير معظم الدول الوطنية في العالم رغم اختلاف أنظمتها السياسية من يسار الى يمين ومن ملكي الى جمهوري.
هذا العقد يحقق الأمن والسلام في المجتمع رغم كونه وهمي وشفهي. هذا العقد ليس بغريب حتى بين العشائر ومجتمعات البداوة والقرية وتعتمد على مبدأ محافظة القوي الحاكم للضعيف والدفاع عن حقوق الآخرين من التابعين او أللاجئين اليهم والدفاع عنهم وعن مصالحهم تجاه اي عدوان خارجي.
في العصر الحديث تم رسم حدود جغرافية وسياسية للدول الوطنية خاصة بعد ضعف وانهيار الإمبراطوريات الكبرى في العالم، تلك الحدود الوطنية تغيرت عبر الزمن اثر النزاعات والحروب والمعاهدات والاتفاقيات.
اما بالنسبة للعراق وهنا لا اقصد بالعراق بحدود الجغرافية السياسية التي حددها الوزيران سايكس و بيكو في الاتفاقية المسماة باسمهم عند تقسيمهم الأراضي التي كانت جزء من الدولة العثمانية بينهما والتي خسرتها في الحرب العالمية الأولى بمساعدة ابناء الشرق أنفسهم للجيوش الغربية الغازية بعد ان ثاروا على ظلم و طغيان الفكر العثماني القومي الذي سوس البناء الأساسي للدولة وكان ناشر تلك الأفكار الغرب وخدمة لإغراضهم وبمساعدة القوى الداخلية وباسم تحديث الدولة وبث الروح القومية بين مكونات الامة خاصة في اواخر ايام الدولة المسماة ب (الرجل المريض) والتي ادى في النهاية الى انهيارها وتفتتها.
أقصد في كتاباتي دوما العراق الجغرافي أي بلاد الرافدين الذي تغير حدوده وعبر التاريخ. العودة الى تلك الأيام ينير لنا نحن العراقيين الطريق لفهم جميع الحوادث التاريخية والمآسي التي مرت على العراق وشعبه بعد تأسيسها كدولة في العصر الحديث. خاصة ما حل بالشعب الكوردي من تقسيم لوطنهم بين عدد من الدول وبذلك تم تفتيت شملهم و قوتهم.
العراق مصطلح جغرافي غير قومي ولا تدل التسمية منحصرا على قومية واحدة كما هي عليها تسميات دول اخرى كألمانيا الاتحادية و فرنسا مثلا. وقد التفت مؤسسوها عام ١٩٢١ الى ذلك ولم يضعوا بالتسمية اللاحقة، الصفة ” العربية “الى اسم الدولة الفتية (دولة العراق) من ناحية ومن ناحية اخرى تم تشكيل المجلس الوطني ومن ثم جميع حكوماتها على أسس التعدد القومي والعرقي الطائفي للشعوب التي اجتمعت تحت راية الدولة الحديثة.
العراق متحف للشعوب والعقائد وربما لم يفهم ويعي تلك الحقيقة العديد من الأحزاب السياسية حتى بعد انهيار الدولة الدكتاتورية القومية ٢٠٠٣ واحتلال العراق.
هنا يجب الإشارة الى معارضة الكورد والتوركمان وكان لهم مرشحين لعرش العراق ولا اعرف عن موقف المسيحيين واليهود حول تأسيس الدولة او تعيين ملكا حجازيا على عرش الدولة الحديثة.
الجدير بالذكر حتى عند إجراء عصبة الامم الاستفتاء في ولاية موصل) لأتخاذ إلحاقها بالدولة العراقية الفتية او بقائها ضمن دولة تركيا الحديثة ، كان لأبناء مدينتي السليمانية وكركوك راي اخر معارض. تلك الولاية أي ولاية موصل كانت تحدها آنذاك سلسلة مرتفعات حمرين جنوبا وتنتهي حدود الولاية عند الحدود الحالية العراقية التركية شمالا والسورية من الغرب (الصورة: انظر الى الخريطة العثمانية للولاية.(
لكن الحرب العالمية الأولى ألهبت الفكر القومي عند قوميات الولايات التي كانت خاضعة للدولة العثمانية فاحتجت جميع الشعوب الخاضعة للدولة العثمانية خاصة عرب الحجاز والشام والذين قاموا بقيادة ما سمي بثورة العربية الكبرى ضد الجيش العثماني وكانت تلك احد أهم أسباب انهيارها لاحقا وتقسيم أراضيها بين الدول المنتصرة في الحرب. حصل نفس تلك الصحوة القومية بين ابناء الولايات العثمانية الثلاث التي تشكلت منها دولة العراق الحديثة اي المكون المسيحي والكورد والشيعة اما التوركمان فقد بقوا على ولائهم العثماني وانقسم ابناء المجتمع الى متجنسين من التبعية العثمانية واخر من التبعية الإيرانية ( لا يزال هذا التقسيم عاملا مؤثرا في المجتمع العراقي ويخيم على أفكار ونشاط وقرارات جميع الأحزاب السياسية العراقية) وآخرون من البدون خاصة هؤلاء من المهاجرين القادمين من الفلسطينيين بعد النكبة وتأسيس دولة إسرائيل عام ١٩٤٨.
الدولة العراقية الطائفية تعكس تلك التركيبة على معظم مرافقها منذ تأسيسها لذا نرى ان بين عرب العراق والكورد والتوركمان (هؤلاء ممن ينتمون للطائفة الشيعية ومثلها بين الطائفة السنية) والمسيحيين وابناء العقائد الدينية الأخرى لها نفس التركيب. القاسم المشترك هو تراب الوطن المشترك اي الحدود الوطنية للدولة العراقية. لكننا نرى ان القوانين والقرارات التي اتخذتها الدولة العراقية والتي تطبق لحد يومنا هذا في الجهاز القضائي العراقي تحمل نفساً قومياً واضحاً حتى في تحديد الحدود الإدارية للمحافظات وتسميتها التي تغيرت وبنفس قومي خلال حقبة الدكتاتور خاصة الحدود الادارية في مدينة كركوك والسليمانية و بعقوبة والموصل وامور إدارية اخرى في إدارة الدولة العراقية.
الخارطة الإدارية للواء كركوك قبل إعادة رسمها
وكان من إفرازات انتشار الشعور القومي العربي السائد منذ تأسيس الدولة العراقية وخاصة بعد عام 1963 وعدم استقلالية القضاء الذي يتم تعيين أعضاءه من القضاة حسب انتمائهم الحزبي والقومي والمناطقي كذلك وجل هؤلاء من الذين تخرجوا من جامعات العراقية وتحت هيمنة الفكر القومي الناصري منه او البعثي العربي السلبي ولم يكن هناك أي استقلالية للقضاء والقوانين كانت تسن بأهواء الدكتاتور وبمنهج قومي عربي سلبي ناهيك عن كل ذلك فان المنتمي لحزب البعث منحصرا كان مؤهلا للقبول في الجامعات عامة وبصورة خاصة في كليات القانون والسياسة.
(تأسست كلية الحقوق في جامعة بغداد عام 1908) أو السياسية والقضائية والتعليم بصورة عامة في داخل العراق وخارجه مما أنتج جيلا مشبعا بالفكر القومي العربي السلبي المتكبر تجدهم اليوم في معظم دوائر الدولة الرسمية فلا غرابة ان معظم قراراتهم ذو صبغة قومية واعتمادهم على نصوص قانونية قومية لا يزال ساري المفعول وتنخر أسس الدولة الاتحادية وقرارات المحاكم ومن ضمنها المحكمة الاتحادية (شكلها الحاكم الأمريكي بول بريمر بعد احتلال العراق عام 2003) الذي حول الإقليم بعد عقدين على انهيار الدكتاتورية الى خصم لهذه المحكمة ( للمزيد حول الموضوع يرجى مراجعة الدراسة القانونية القيمة للقاضي المتقاعد زهير كاظم عبود تحت الرابط التالي) :
وجهة نظر في قرار المحكمة الاتحادية العراقية العليا الاخير – جريدة التآخي (altaakhi.net) (https://altaakhi.net/2024/03/82961/) .
بقى ان نعلم ان اقليم ك,ردستان رغم مشاكله الداخلية ولحد اليوم وبعد مرور اكثر من عقدين على انتهاء الدكتاتورية لا يزال ذو حدود هيلامية غير معروفة المعالم وحتى عاصمتها هولير ( اربيل ) تنتهي صلاحياتها الإدارية والسياسية في ضواحيها الجنوبية بعد التوسع الكبير الذي حصل في السنوات الأخيرة اي جنوبا حتي القسم الشمالي من مدينة (التون كوبري ) بالكوردية ( بردي ) و بالعربية ( القنطرة الذهبية ) والاشورية (كرت هرات). ومن ناحية مدينة السليمانية تنتهي حدودها الإدارية في ضواحي مدينة كركوك من الشمال. وبقت معظم اراضي كوردستان خارج حدود الإقليم ومسالة تفاوضية مع الحكومة المركزية.
الجدير بالذكر هنا بان جميع الحكومات العراقية كانت تعترف بمحافظات السليمانية واربيل ودهوك على انها كوردية في حين كان الصراع دائما على رسم حدود الإقليم على الأراضي التي تحدها مرتفعات حمرين جنوبا وصولا الى مرتفعات شنكال شمالا والتي تمثل القسم الاكبر من اراضي المسماة ب( المتنازع عليها) لحد يومنا هذا.
أن صلاحيات الجهاز القضائي وحدود تلك الصلاحيات واستقلاليتها محددة ببنود الدستور بصورة عامة ولا تتحمل أي تدخل لأي قوة سياسية داخلية كانت او خارجية ان كانت في المركز او في الأقاليم .
و يعتبر ذلك أي الدستور الحجر الأساس لبناء علاقات متوازنة بينهم من ناحية ومن ناحية اخرى يحمي كيان الدولة الاتحادية بعيدا و دون الحاجة الى تبريرات وأراء وتفاسير مختلفة للنص الدستوري.