الكورد في سوريا .. تاريخ الكورد في سوريا ما قبل الميلاد وما قبل الإسلام

ج2

متابعات التآخي

أما امارة إبراهيم باشا المللي فكان مركزها إيران شهر الواقعة الى الشمال من بلدة رأس العين وكانت تمتد الى الجنوب من رأس العين لمسافة تزيد عن 50 كم داخل شمال سورية الحالية أيضا وقد ثارت هذه الامارة بعد ان اتحد الكورد والقبائل العربية التي كانت تستقر في هذه المنطقة منذ أيام العباسيين. إلا أن العثمانيين ضيقوا الخناق على إبراهيم باشا في جبل العزيز وقبضت عليه وأعدمته عام (1908 م) ويقول السيد فؤاد عليكو وهو من أبناء المنطقة والعارفين بأحوالها أن إبراهيم باشا دفن في قرية صفيا الحالية شمال مدينة الحسكة.

وعلى ذلك فان المناطق الكوردية من هذه الامارات في شمال سورية الحالية يثبت أيضا عدم استقرار الكورد فيها ومدى ما كان بين هؤلاء الكورد أصحاب الارض الأصليين وبين العرب والآشوريين من علاقات وطيدة.

أما منذ أواخر القرن التاسع عشر الميلادي وما حدث للكورد من مآسي بعد قضاء الاتراك على ثوراتهم الآنفة الذكر وغيرها. فان مناطق هؤلاء الكورد في شمال سورية وبالأخص منطقة الجزيرة أصبحت مرة أخرى عرضة لتواجد بعض القبائل العربية فيها بدءا بقليل من الاعراب الشوايا الذين تبعثروا على ضفاف الخابور جنوب الحسكة.

وعن هذه الفترة فان السيد عبد الحميد درويش وهو من أبناء المنطقة والعارف بأحوال الجزيرة يقول في كتيبه (لمحة تاريخية من كورد الجزيرة) كانت الجزيرة في أوائل هذا القرن يسكنها عدد قليل من السكان قدر آنذاك بحوالي أربعين ألف نسمة وكانوا ينتمون الى العنصر الكوردي والعربي وقليل من اليعاقبة. وكانت العشائر العربية في حالة البداوة وهي الطي وكانت تسكن جنوب القامشلي والجبور وحول الحسكة ثم البكارة في منطقة جبل عبد العزيز والشرابيين في منطقة رأس العين وعدد قليل من عشيرة شمر التي كانت في غالبيتها الساحقة في العراق.

 

 

 

أما الكورد فكانوا نصف حضر يسكنون الى الشمال من هؤلاء العرب وفي الجزيرة العليا جنوب سلسة جبل طوروس في العديد من القرى وهم ينتمون لعدد من العشائر الكوردية. وينقل عن السيد محمد علي إبراهيم باشا في مخطوطته المعدة للطبع تعداده للعشائر الكوردية الموجودة في الجزيرة عندما قامت عشيرة شمر عام (1904) بحملة واسعة ضد عشيرة الملية الكوردية التي كانت تنافسها على النفوذ في منطقة الجزيرة وان العشائر الكوردية في الجزيرة آنذاك كانت ميران – سنان – آشيتية – عباسيان – اليان – دقورية- ملاني خضر – كيكية وهذا منقول عن شهادات العشرات من المعمرين عربا وكوردا وعن العديد من المؤرخين والوثائق المكتوبة. مما يثبت وجود العشائر الكوردية المذكورة في هذه المنطقة منذ أمد بعيد، على عكس ادعاءات الدكتور رزكار من أنهم قدموا إليها بعد ثورة الشيخ سعيد عام 1925م.

أما بعد خروج العثمانيين من البلاد العربية في الحرب العالمية الأولى (1914-1918) واحتلال الفرنسيين والإنكليز لها واقتسامها بينها بموجب اتفاقية سايكس بيكو 1916 فان هذه الاتفاقية الاستعمارية قد اشتملت على تقسيم كوردستان العثمانية أيضا بحيث قسمت بين تركيا وكل من العراق وسورية اللتان أنشئتا حديثا وبقي القسم الشرقي من كوردستان تحت الحكم الإيراني. فكان أن حرم الكورد من الانتفاع بمبدأ تقرير المصير للشعوب الواقعة تحت السيطرة العثمانية الذي أعلن رسميا آنذاك الامر الذي أصيب معه الكورد بأكبر نكسة عرفها تاريخهم الحديث.

وما أن تم رسم الحدود بين تركيا وسورية فان الخط الحديدي الذي أنشئ بينهما قد قسم تلك العشائر الكوردية والعربية الى قسمين قسم بقي ضمن حدود الدولة التركية والقسم الآخر أصبح تابعا للدولة السورية.

وعن العشائر الكوردية التي أصبحت إلى الجنوب من هذه الحدود، ينقل السيد عبد الحميد درويش في كتابه عن الاستاذ احمد مصطفى زكريا بتعرضه لهذه العشائر في كتابه (عشائر الشام 1917) حيث يقول على أن السواد الأعظم من عشائر الكورد يقطن محافظة الجزيرة ويمتد من أقصى شمالها الشرقي في قضاء ديريك قرب نهر دجلة و يتجه نحو الغرب الى قضاء القامشلي ثم الى ناحية رأس العين (ص658) ثم يعدد هذه العشائر من الشرق الى الغرب كما يلي ميران- الحسنان- هاوركية- آ ليان- آشيتية -أطراف شهر- بوبلان- الموسينية- بينارعلي- ملاني خضر- دقورية- الكابارة- الكيكية-الملية.

وما أن استقرت الاحوال في سورية بعد الاستقلال حتى بدأت الاوساط الشوفينية منذ أوائل الخمسينات تدعوا المسؤولين من اجل القيام بتطبيق سياسة التمييز القومي حيال الكورد بهدف القضاء على تطلعاتهم القومية، وذلك عبر اجراءات استثنائية من شأنها العمل على هجرة الكورد من الجزيرة وصهرهم في المجتمع العربي وكان على رأس هؤلاء – محمد طلب هلال – ضابط الأمن السابق في الحسكة الذي جاهر علانية عام 1962 بكل ما يتعلق بهذه الاجراءات العنصرية وقام الاخذ بها فكان أن بدأ بتطبيقها في محافظة الجزيرة حيث تم أولا تنفيذ مشروع الإحصاء الاستثنائي بتاريخ 5-10-1962 الذي أدى الى تجريد 150 ألف مواطن كوردي في محافظة الجزيرة من جنسيتهم السورية واعتبروا لاجئين بعد أن حرموا من حقوقهم المدنية وبعد سنوات تم تنفيذ المشروع الاستثنائي الآخر الذي سمي بالحزام العربي حيث جرى بموجبه مصادرة الاراضي التي كان يستقر فيها آلاف العائلات الفلاحية الكوردية ويستثمرونها أبا عن جد ووزعتها على العائلات العربية التي جلبت من الناطق التي غمرتها مياه سد الفرات ومن مناطق داخلية أخرى واسكنتها في قرى أنشأت لهم على طول الشريط الشمالي للجزيرة والمتاخم للحدود التركية فكان ان تم ما استهدفت اليه الأوساط الشوفينية وفصلي بين كورد سورية وتركيا على طرفي الحدود . هذه الاجراءات الاستثنائية وسياسة التميز العنصري كان لها فاعليتها وتأثيراتها اللاإنسانية المباشرة على كافة الكورد في الجزيرة دون غيرها من القوميات الاخرى سواء من الناحية الاقتصادية وأقلها ندرة العمل الزراعي وفرض العمل الأخرى أو الاجتماعية من حيث الفقر والحاجة والتخلف أو الثقافية وحرمان الكثيرين من الكورد من الارتقاء بمستواهم الثقافي عبر المراكز الثقافية والمعاهد العليا أو السياسية ومنع الكورد من مزاولة حقوقهم االثقافية الكوردية وممارسة فلكلورهم الشعبي علاوة على معاناة المجردين من الجنسية وحرمانهم من الحقوق المدنية الامر الذي جعلهم محرومين من اللحاق بركب الحضارة البشرية المتطورة.

 

 

ومما زاد في هذه المعاناة عندما استقدمت الدولة آلاف الموظفين العرب الذين شغلوا الوظائف في مختلف دوائر الدولة ومؤسساتها ومدارسها ومعاهدها الثقافية وقدمت لهم ولعائلاتهم التسهيلات اللازمة للسكن في الجزيرة في الوقت الذي منع فيه العنصر الكوردي من شغل هذه الوظائف حتى أنه منع من نقل مسكنه من مكان لآخر ضمن حدود المحافظة الإدارية وإذا ما أراد بناء دار أو ترميمه أو شراء مسكن أو أراضي زراعية أو آلية وجب عليه مراجعة الجهات الأمنية بخصوص ذلك.

أما أسلوب التعريب فقد شمل أسماء القرى والبلدات الكوردية المعروفة بأسمائها الكوردية منذ القديم واستبدلت بأسماء عربية تتبعا لما سبق لتركيا وقامت به في كوردستان الشمال حتى جبل الكورد منطقة عفرين التابع لمحافظة حلب والمعروف بهذا الاسم منذ القديم قد استبدل باسم جبل حلب. وفي هذا الخصوص ينقل المنصف العربي في مجلة الحوار ردا على المحامي ممتاز الحسن الذي يقول إن الجغرافيا ترتبط ارتباطا وثيقا بالتاريخ. فيجيبه نعم هذا صحيح وإلا لما رأينا مئات القرى وهي تعرف بأسماء كوردية منذ القديم، ولو لم تكن هذه الأسماء كوردية لما تم تعربيها، ترى لماذا تم تعربي الأسماء الكوردية وتركت الاسماء اليونانية والرومانية والصليبية وكذلك الفرنسيين الذين استبد لو اسم جبل ليلون باسم جبل سمعان؟ ويتابع قائلا وسمي جبل الكورد باسم جبل حلب بينما كان الأجدر أن يطلق على جبل سمعان اسم جبل حلب لأنه لا يبعد أكثر من (30) كم من حلب بينما يبعد جبل الكورد عن حلب حوالي (90) كم خاصة وإنه يمتد داخل الاراضي التركية لمسافة (40) كم أيضا.

 

قد يعجبك ايضا