لأجل كوردستان مليكة مزان تراسل ملك المغرب

ـــ

نص الرسالة

أربيل، كوردستان العراق
بتاريخ 21 مارس 2024

من السيدة مليكة مزان
شاعرة وروائية مغربية
صديقة للشعب الكوردي

إلى صاحب الجلالة
محمد السادس ملك المغرب
حفظه الله ورعاه

الموضوع: العلاقات الثنائية بين المغرب وكوردستان العراق

تحية حب واحترام لشخصك الوقور وأما بعد

صاحب الجلالة

يشرفني جدا أن أتوجه لجلالتك برسالتي هذه من أربيل عاصمة كوردستان العراق، رسالة ما كنت لأتجرأ عليها لولا أن قدري شاء منذ سنوات أن أمتد هذا الجسر الإنساني ما بين شعبك المغربي الكريم وشعب كوردستان العظيم، جسرا بقدر ما مددته أصيلا جريئا ونبيلا بقدر ما أطمع ــ بفضل القيادة الرشيدة لكل من جلالتك وفخامة رئيس كوردستان العراق ــ في أن يمضي بين الشعبين ذاك الجسر الرسمي القوي.

صاحب الجلالة

كان المغرب، وما يزال، بلدا منفتحا على كل الشعوب، لا يبخل على كل من هو في حاجة لدفئه الإنساني باحتضان أو مساعدة أو تفهم. يفعل ذلك بما عُرف عنه من كرم ونبل تاريخيين، لا يخاف في ذلك لومة لائم. غير أني، بأسف عميق، ألاحظ أن كوردستان العراق في سياسة المغرب المعاصر لا يشملها أي انفتاح وكأنها بلد من خارج التاريخ، وكأن شعبها لا ينتمي للإنسانية أي انتماء بينما هو المتربع حاليا على عرشها بكل ما يتقنه من قدرة على الحب، على التضحية، على العطاء!

أكثر من ذلك لاحظت أنها ــ مذ صارت توأم المغرب المعاصر في التصدي الصارم للعنف والإرهاب ــ كانت السَّباقة دوما للتعبير له عن رغبتها في كل تعاون ثنائي مثمر. غير أن المغرب ــ في تناقض تام مع سياسته الخارجية وتوجهاته الإنسانية الحضارية ــ يأبى إلا أن يمضي ذاك المتجاهل لوجود بلد عظيم مثل كوردستان العراق، للنوايا الحسنة لقادته وشعبه في كل تعاون وتضامن!

صاحب الجلالة

إن ما يعانيه المغرب من تبعات ذاك النزاع المفتعل حول صحرائه المغربية، نزاع يتزعمه النظام الجزائري العسكري لصالح شعب صحراوي مزعوم وعصابة تتاجر في الدم والتراب المغربيين ليس إلا… أقول.. إن ما يعانيه المغرب من ذاك النزاع لا يجب أن يكون حجته لأن يتجاهل معاناة شعب كوردي قدم من التضحيات لأجل الحرية والسلام ما لم يقدمه أي شعب آخر، أو أن يكون ذريعته لأن يتردد في التعامل مع جزء “محرر” من وطن هذا الشعب وهو يعبر له عن رغبته في إقامة كل علاقات الإخاء والتضامن.

صاحب الجلالة

إن كان صديق عدوك عدوا لك فإن حليف حليفك لا يمكن أن يكون غير حليف لك، كيف للمغرب إذًا أن يحرص على تقوية علاقاته مع كثير من حلفائه وفي أكثر المجالات حساسية كالمجالين الأمني والعسكري، ولا يجرؤ على أدنى تعاون مع كوردستان العراق الحليفة القوية لكل من يتصدى للعنصرية، للحقد، للعنف، للإرهاب، لا يريد للعالم من كل ذلك غير كل أمن وسلام؟!

صاحب الجلالة

ثمة دول صديقة للمغرب، داعمة لحقه الشرعي في صحرائه، لم تتردد في التعامل مع كوردستان العراق تعاملا رسميا بلغ مستوى فتح تمثيليات دبلوماسية لها في أربيل. وأرى أن قد آن لمغرب يؤمن بالهوية المغربية لصحرائه لكنه على استعداد لأن يمنحها حكما ذاتيا لصالح شعب صحراوي مزعوم حقنا للدماء الغالية لشعبه وحفاظا منه على وحدته الترابية ليس إلا…

أقول .. آن لمغرب بهكذا قناعات قوية ألا يخشى المزاج المتقلب ولا المصالح المتغيرة ولا المواقف المتذبذبة لأي كان، ولا حتى خسارة أي “صديق” هو ــ على خلاف ما يدعيه ــ أكبر عدو للإنسانية ولأكثر قضاياها وضوحا وعدالة.

بعبارة أخرى.. آن لمغرب بهكذا قناعات أن يستجيب هو الآخر لضميره الإنساني، أن ينفتح على كوردستان العراق كلما أسرعت تمد أياديها بأكثر من نية صادقة في التعاون، أن يسرع لفتح قنصلية على أراضيها توفر للجالية المغربية ما تحتاجه من خدمات لا استغناء لها عنه…

صاحب الجلالة

إن كان المغرب قادرا على الجمع بين شجاعة الاعتراف بإسرائيل ومواصلة دعمه لفلسطين في ساحة نضال واحدة وطنية ودولية فقد آن له أن يصير قادرا أيضا على الجمع بين دفاعه عن مغربية صحرائه واعترافه بالشعب الكوردي الطيب الكريم.

صاحب الجلالة

أعرفك في المغرب بالملك القريب جدا من شعبه في السراء والضراء، أعرفك على الصعيد الأفريقي برعايتك الأخوية لشعوب أفريقيا، أعرفك على المستوى الأوربي والعالمي بحرصك على أمن كل شعوب العالم، فهل من جريمة إن كنت أطمح اليوم لأن يعرفك الشعب الكوردي قائدا إنسانيا لا يفرق بين قضايا الشرق الأوسط كما يفرق غيره، ولا يكيل فيها بمكيالين كما يكيل ذاك الغير، قائدا لا تتردد مملكته النبيلة في الاستجابة لرغبة كوردستان العراق في كل تعاون ثنائي جميل؟!

صاحب الجلالة

في انتظار أي استجابة طيبة منك لما تبديه كوردستان العراق (شعبا وقادة) من رغبة في كل علاقة ثنائية مثمرة مع مملكتك المجيدة… في انتظار ذلك أستودعك ما عُرف عنك من ضمير حي وقلب كبير، وأتمنى لشخصك الملكي الراقي الصحة والسلامة وطول العمر لما فيه خير شعبك الوفي وخير الإنسانية في كل ربوع العالم.

ودمت، مع أصدق مشاعر التقدير والاحترام، في رعاية الله وحفظه.

قد يعجبك ايضا