وجه وراء السراب –  شاهي  والنوروز –

ماهين شيخاني.

في الاجتماع الصباحي وقبل أن يبدؤوا بالتمارين الرياضية ,حضر الضابط المناوب وبحوزته قائمةة بأسماء الغياب , قدم التحية لعميد الكلية , ثم بدأ بتلاوة الأسماء في تلك الورقة , تسربلت أرجل بعض الجنود و ارتعدت فرائصهم , لتخرج فرادى من الفصائل مهرولة إلى منصة العميد لتحييه وتقف جانباً في زاوية المنصة , بانتظار العقوبة التي تتفتق عبقرية الاختراع لديه , وحسب مزاجه وتلذذه سيقرر , بل سيتضح نوعية العقوبة وتفننها في ذاك الصباح القارص بهطول الثلج ولفحة هواءه الزمهرير على وجوههم كالسيف أشد عقوبة وأقسى .  

جاء دوره لتبرير غيابه وقبل أن يفكر بالإجابة سبقه العميد :  وأنت يا غُرً أخترع كذبة  مثلهم , قل أن والدتك وافتها المنية و فارقت الحياة  , أليس كذلك .؟

– بلع  ريقه وقال : لا يا سيدي أمي لم تفارق الحياة , بل كانت سعيدة بعيدها ..؟.

– سأجعلها تفارق الحياة بعد أن تفجع بخبر موتك . ثم صاح بأعلى صوته : وهل تحتفلون بأعياد أمهاتكم يا أولاد (ال…) وأنتم في الخدمة ؟!..تصور كل كلب منكم يحتفل بعيد أمه ..!. هل يبقى أحدا منكم في الكلية بل في الجيش أجمع ..؟.

– بخفوت وجرأة : وهل يا سيدي أمهاتنا كلهن ولدتن في نفس اليوم ..؟. يا سيدي أقصد عيدنا نحن …..

-ردَّ الضابط قبل أن ينهي كلامه : وهل لكم أعياد غير أعيادنا يا كُر ..؟. هل جئتم من كوكب آخر ولا ندري ..؟.

– يا سيدي لنا عيد ولكنكم لا تمنحوننا الإجازة .

– يقصد عيد النوروز  يا سيدي ,معظم الغياب من نفس الجماعة –  قالها ضابط الأمن .

– هَزَ رأسه ومط بشفتيه , مستغرباً : هممم…؟.

التفت إلى الضابط المناوب وأمره بتنفيذ أقسى وأشد أنواع العقوبة أمام جميع الفصائل وهم يهرولون في الساحة ويتفرجون عليهم , لأخذ العبرة منهم وأن لا يفكر أحداً منهمً بتاتاً بالغياب أو الهروب .

-اشلحوا بالشورت – أمرهم الضابط برتبة النقيب –
بدأ المعاقبين بنزع لبسهم وأحذيتهم وأصبحوا جميعاً جاهزين في لحظات شبه عراة بسراويلهم القصيرة ( الشورت)

– تمرين التاسع خذ وضع , قالها صاحب التفقد وصار يعد  , واحد .. اثنين , واحد .. اثنين, واحد .. اثنين….الخ .

– هذا ليس كاف أيها النقيب ..؟ يجب أن تشر الدم منهم شر , الساحة لازم تمتلئ بالدم أو تتكسر أطرافهم , أليَّ بالكبل الرباعي …؟. قالها العميد .

– الجميع مستلقياً على الأرض يا (أوباش) , الزحف كواع وركب حتى بحيرة البجع ( ويسمونه بمستنقع الموت أيضاً وهو عبارة عن مياه راكدة في حفرة بطول عشرين مترا وعرضه على هذا النحو , منبعه مياه الصرف الصحي ) . ثم أمسك ب ( الكبل الرباعي المعروف ) وبدأ بضرب كل من يتأخر في الزحف على مؤخرتهم وظهورهم حتى سلخ جلود البعض عن عظامها  وسالت الدماء من تحتهم وكان نصيبه من الضرب أكثر كونه كان الأقرب لسوء حظه , فاخترقت أحدى الأكبال ضلوعه , كادت الصرخة المكتومة في جوفه تفجره شظايا ولتخرج منه عنوة , إلا إنه كتم  نفسه وصك أسنانه واستلقى على جنبه الآخر يألم وهو يزحف وأنين زملاءه المعاقبين وصراخ البعض منهم تنتشر في أنحاء الساحة وهم يتمنون الموت لحظته , باستثنائه الوحيد الذي لم تدمع عيناه , لم يك الأمر لقوته البدنية وصلابته ,إنما ذاك الدافع المعنوي لديه , فمهما تعذب جسديا تبقى روحه وخياله تبحران للبعيد وصورة وجه حبيبته ( شاهي ) لا تبرح مخيلته , تذكره بأسعد لحظات حياته وفرحه بذاك اللقاء السعيد في العيد.

ابتعدوا عن عميد الكلية زحفا مسافة / قرابة خمسين متراً / متوجهين نحو البحيرة الشهيرة , اقترب منهم ضابط آخر وهمس لهم , خذو وعداً مني سأمنحكم اجازات بعيدكم إن بقيت هنا أو خدمت بمكان آخر ..

ملاحظة : أحداث القصة قبل المرسوم الجمهوري الصادر بمناسبة العطلة في يوم عيد الأم ( عيد نوروز ).

قد يعجبك ايضا