اعداد: عدنان رحمن
اصدار: 5- 3- 2024
نورد هنا جزءاً ممّا ورد في الكلمة التي ألقيَت من قبل الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني في جامعة ( كامبريدج) البريطانية في 15- 5- 2007 كما اشارت الى ذلك صحيفة المدى في ملحقها الاسبوعي التي يرأسها فخري كريم، بالعدد ( 1748) السنة السابعة، الخميس ( 18) في شباط من العام 2010 وتحت عنوان ( عراقيون من زمن التوهج) والعدد هذا كان بعنوان ( في ذكرى البارزاني الخالد)، ويقصد هنا البارزاني الخالــــد ( مصطفى).
لقد كان عنوان الكلام المنقول عن الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني ( القائد البارزاني كان مصدر إلهامي)، وفيها:
– ” حينما كنت شابا، كان حُلمي الأول أن أكون أستاذاً جامعياً ولكنّي صُدمت بالأوضاع التي كانت سائدة في بلدي التي كانت تسير نحو الأسوأ، وأن المشاكل التى يواجهها المواطن العادي كانت في تصاعد، ووجدت نفسي انسحب بصورة متزايدة إلى عالم السياسة. بدأت حياتى السياسية مبكراً منذ كنت تلميذاً فى المدرسة الابتدائية وشغفت بالقصص التي كان يرويها زميلٌ لي فى الدراسة عن المقاومة البطولية للمقاتلين الكورد فى الثورة البارزانية التي اندلعت عام ١٩٤٥، وتصديهم البطولي لهجمات الجيش العراقي الذي كان يقاتل آنذاك بإشراف جنرال بريطاني، وكانت مصدر إلهام لي، أما مصدر إلهامي الثاني، فقد جاء من الخارج عبر الحدود من جهة الشرق من مناطق كوردستان إيران التي تمّ تحريرها من قبل الجيش السوفيتي و أصبحت ملاذا لحركات التحرر الكوردية. في العام ١٩٤٦، أقيمت أول دولة كوردية في التاريخ وعاصمتها مهاباد، وذلك بمُساعدة السوفيات الذين أصبح اسمهم وأفكارهم الماركسية منتشرة بين الناس. والتحقت بمدرسة كويسنجق في كوردستان العراق وكنت أقرأ الأشعار الوطنية في المدرسة كل صباح في الاصطفاف اليومي، فأصبحت معروفا لديهم. جذبتُ انتباه الحزبيين الموجودين هناك الذين أخذوا يتقربون منيّ ويرغبون بضّمي لأحزابهم، وكان الحزب الشيوعي العراقي والحزب الديمقراطي الكوردي الذي أصبح فيما بعد الحزب الديمقراطي الكوردستاني، حاضرين في تلك الفترة. في البداية نظمّني كادر شيوعي في خلية تثقيفية، لكن سُرعان ما اختلفت معهم حول موضوع: هل الكورد شعب لهم حق تقرير المصير أم لا؟. فأنفصلت عنهم. وسُرعان ما شجعّني أحد المعلمين الذي كان عضواً في الحزب الديمقراطي الكوردي على تأسيس جمعية طلابية سريّة، إنضمَمتُ بعدها إلى صفوف الحزب الديمقراطي الكوردي. مازلت أتذكّر تلك اللحظة عندما أعطاني صديق عُمري ورفيقي عُمر دبابة البيان التأسيسي للحزب، الذي حمل توقيع القائد مصطفى البارزانــــــــي [ الخالد] شخصيا، فأصبحت مؤيداً لأن صِغَر سِنّي لم يُساعدني على نيل العضوية فورا، وعندما أصبحت في السادس الابتدائي تمّ كَسبي للحزب مِن قِبَل أحد المعلمين الذي كان يجتمع بنا سِرّاً في بيته، ثم تمّ ترشيحي وقبولي عضوا في عام ١٩٤٧ بشكل إستثنائي نظراً لنشاطي ودَوري في الحركة الطلابية، وفي عام ١٩٤٨ وبعد الانتفاضة الوطنية في بغداد التي اندلعت ضد تجديد المعاهدة البريطانية العراقية تهيأت أجواء تسمح بإجراء الانتخابات في جميع المعاهد والكليات والمدارس المتوسطة والثانوية، واتخذت خطوتي الأولى في النشاط السياسي العراقي في ربيع ذلك العام، عندما كنت في عُمر ١٥ سنة حيث انتُخبت عن متوسطة كويسنجق مندوباً للمؤتمر التأسيسي الأول للاتحاد العام لطلبة العراق، وجرى انتخابي عضواً احتياطياً للجنة القيادية للاتحاد العام لطلبة العراق بعد التوافق بين ممثلي الأحزاب المشتركة في المؤتمر، وهكذا انغمرت أكثر فأكثر في النشاط السياسي وأصبحت في العام ١٩٤٩ عضوا في اللجنة المحلية البارتي ( الحزب الديمقراطي الكوردستاني)، وفي العام ۱۹٥٠ أنتخبت عضواً في لجنة المحافظة، وفي أثناء ذلك، كان اتحاد الطلبة العراقي يثير انتباه السلطات، وتمّ اعتقال وطرد الكثير من قياداته. وهكذا وخلال الأعوام ۱۹٥٠- 1952 أبتعدت عن النشاط في اتحاد الطلبة وانغمست في النشاط الحزبي والسياسي.
في العام 1951 أنتخبت عضواً في المؤتمر الثاني للبارتي ( الحزب الديمقراطي الكوردستاني)، وقد تبنّى الأفكار الماركسية- اللينينية وأقرّ التوجه نحو جماهير العمال والفلاحين والكسبة والطلبة وتطبيق الإصلاح الزراعي وأنتخبتُ أيضاً عضواً في اللجنة المركزية، إلا إنّي تنازلت لأحد الرفاق المحامين الخارجين من السجن نظراً لاجتيازه تجربة السجن و ثقافته وعُمره، إذ لم يتجاوز عمري ( ۱۸) عاماً حينئذٍ. في صيف ۱۹٥١ أعتقلت أول مرّة وكنت ضمن كوكبة من مناضلي الحزب ( الحزب الديمقراطي الكوردستاني) الذين تمّ نفيهم إلى الموصل حيث بقينا لمدة شهرين. وخلال العام الدراسي ١٩٥١- ١٩٥٢ أنتقلت الى ثانوية كركوك حيث شرعت بإعادة بناء تنظيم الحزب ( الحزب الديمقراطي الكوردستاني) المُشتت، فجمعت عناصر عمالية وطلابية ومُدرسين لتشكيل اللجنة المحلية للبارتي ( الحزب الديمقراطي الكوردستاني) وغداة تخرجي في الثانوية بدفعتها الأولى وبدرجة تؤهلني لنيل زمالة دراسية خارج الوطن فضلت البقاء في البلاد والدخول الى كلية الحقوق، حيث اشتركت ولأول مرّة في تظاهرات طلابية عديدة في تشرين ١٩٥٢، وواصلت نشاطي السياسي، حيث أنتخبت عضوا للمؤتمر الثالث للحزب الديمقراطي الكوردستاني الذي عُقد في كركوك في كانون الثاني من العام ١٩٥٣ بعد أن جرى تصديق التعديلات التي اقترحها المؤتمر الثاني على إسم الحزب وبرنامجه اليساري الجديد. وأصبحت عضواً في اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكوردستاني، وبناءاً على توصيات المؤتمر الحزبي تركزت جهود عديدة لتأسيس اتحاد طلبة كوردستان العراق، وحالفني التوفيق مع مجموعة من الرفاق في تأسيسه واول مرّة في حياتي كتبتُ كراساً عنوانه: ( اتحاد طلبة كوردستان العراق لماذا؟.) ونجحنا في إقامة فروع للاتحاد في المدن الكوردية، وأنتخبت أميناً عاماً لاتحاد طلبة كوردستان، وفي نفس العام أسهمت في تأسيس اتحاد الشباب الديمقراطي الكوردستاني، وتمّ اختياري أميناً عاماً له، كما أصبحت عضواً في المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني في العام ذاته. لم يكُن نشاطي محصوراً في العراق فحسب بل سعينا إلى نقل قضيتنا إلى المجتمع الدولي، ففي صيف 1905 سافرت بصورة سريّة إلى سورية حيث أجريت اتصالات مع الشخصيات الكوردية القيادية هناك، ومنها الى بولونيا للمشاركة في مهرجان الطلبة والشباب العالمي، وقد وجهت لنا دعوة ضمن الوفد العراقي لزيارة جمهورية الصين الشعبية حيث سافرنا بالقطار من وارشو إلى بكين عبر الاتحاد السوفيتي، وفي أثناء الزيارة شاركت في عدد من الاجتماعات وقدمت شرحاً عن الحركة التحررية الكوردستانية، وقدمت في إحد اللقاءات هدية اتحاد نساء كوردستان الى ( صن يات صن) نائبة رئيس الجمهورية الصينية آنذاك ونقلت لها رسالة تضامن من اتحاد نساء كوردستان. خلال العودة بقيت في موسكو لمدة أسبوعين حاولت خلالها الاتصال برئيس حزينا ( الحزب الديمقراطي الكوردستاني)، الجنرال مصطفى البارزاني [ الخالد] المَنفي هناك ولم أوفق في ذلك، لكنّي القيت كلمة في راديو موسكو هاجمت فيها المشاريع الاستعمارية التي كانت تنفذها الحكومة الملكية في العراق. وبعد عودتي إلى الوطن ألقي القبض عليَّ بسبب ذهابي إلى موسكو وإلقائي تلك الكلمة وتمّ أطلاق سراحي فيما بعد لعدم ثبوت التهمة. وفي العام ۱۹٥٧، سافرت ثانية الى سورية ومنها الى الاتحاد السوفيتي لحضور مهرجان الشباب والطلبة فيها وذلك ضمن الوفد العراقي حيث اشتركنا كفريق كوردي ضمن الوفد العراقي في فعاليات عديدة وقدمنا هدايانا باسم شبيبة كوردستان ومنها هدية نسائية لأمّ البطلة السوفيتية ( زويا) بعدها ألتقيت قائد حــــــــــــزبنا ( الحزب الديمقراطي الكوردستاني) الجنرال مصطفى البارزاني [ الخالد]، حيث تباحثنا معا لعدة أيام في أحوال الحزب وأبقينا قناة للاتصال المنظّم معه، ورجعت حاملاً الصورة الجديدة إلى الرفاق في سورية أولا ثم الوطن وفي سورية ساهمت في تشجيع المناضلين الكورد على تأسيس حزبهم الديمقراطي، وكذلك قمتُ بتشكيل وفد من السياسيين الكورد لغرض لقاء الحزب الحاكم في سورية والمسؤولين الحكوميين لغرض التوصّل الى تنظيم لقاء بين الجنرال مصطفى البارزاني [ الخالد] وجمال عبد الناصر عندما كان الأخير في زيارة الى موسكو، واتفقنا على قيام الحكومة السورية بتزويدنا بالأسلحة إذا ما أعلّنا الثورة على الحكومة العراقية، ثم عدتُ الى بغداد ومنها الى السليمانية التي اتخذتها مقراً للتواري عن أنظار السلطة، حيث توليت مسؤولية جهاز الطبع و إصدار النشرة الحزبية. وفي صبيحة ١٤ تموز 1958 عندما قاد عبد الكريم قاسم الجيش ضد الملكية وأعلان الجمهورية، تركت المكان الذي كنت اختبئ فيه، وتوجهت إلى كركوك لحضور اجتماع للجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكوردستاني وأعلّنا التأييد للثورة وعبرنا عن أمانينا بأن تسود الديمقراطية في العراق، وان ينال الكورد حقوقهم القومية ضمن العراق الجديد، وبعد فترة وجيزة حصلنا على امتياز اصدار مجلة أسبوعية سياسية باسم ( رزکاري) و صحيفة الحزب ( الحزب الديمقراطي الكوردستاني) اليومية ( خه بات) ومِن حينها بدأت العمل في الصحافة العلنية، واشتركت في انتخابات نقابة الصحفيين العراقيين حيث انتُخبت عضواً في اللجنة القيادية للنقابة. وعدت إلى الكلية لإكمال الدراسة، حيث أكملت دراستي للقانون في عام 1959 وكنت ضمن خريجي أول دفعة لجامعة بغداد التي كانت قد تأسست حديثاً. وبعد التخرج أديت خدمتي العسكرية بصفة أمر وحدة دبابات في الجيش العراقي، وكنت ضمن الوجبة الأولى التي تدربت على الدبابات السوفيتية الصنع ( تي ٥٤) المستوردة حديثا، ثم مارست العمل في جريدة الحزب اليومية ( خه بات)، حيث إنني كنت أمارس مهنة المحاماة ايضاً بعد تسريحي من الخدمة العسكرية، إلا في الدعوى المُقامة على رئيس تحرير الجريدة وسكرتيـــر الحزب ( الحزب الديمقراطي الكوردستاني) الأستاذ إبراهيم احمد. وفي اثناء عملي الصحفي بدأت بالكتابة عن حركات التحرر في العالم، إلا أن الافكار والمباديء التي قامت عليها حركة الزعيم مصطفى البارزاني [ الخالد] ظلّت مصدر إلهام لي”.