وزير الخارجية الأسبق هوشيار زيباري في حوار صريح مع الشرق الأوسط اللندنية

 

متابعة التآخي

 

الجزء الأول

استبعد هوشيار زيباري، وزير الخارجية العراقي السابق، انزلاق العلاقات العراقية – الأميركية نحو الطلاق نظراً إلى ما يمكن أن يرتبه ذلك من تبعات أمنية واقتصادية. وأعرب في الوقت نفسه عن قلقه بسبب التدخلات وسياسات الاستئثار ومشاعر التهميش ومحاولات تقويض إقليم كردستان الذي ولد استناداً إلى الدستور الحالي. ولأن زيباري كان حاضراً لدى ولادة نظام ما بعد صدام حسين وتولى حقيبة الخارجية على مدى 11 عاماً، حاورته «الشرق الأوسط» حول هذه الملفات، وهنا نص الحلقة الأولى:

 

* هل أنت قلق على مستقبل العراق؟

 

– نعم، أنا قِلق حقيقةً لأن العراق بعد سقوط نظام صدام حسين – مع الأسف الشديد رغم كل الجهود اللي بذلناها – لم يستقر، ولم يحظ بالأمن والاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي لكي ينهض من جديد بعد سنوات الحروب والمعارك مع الجيران ومع الداخل. أنا قلق حقيقة لأنه مع الأسف لم تتشكل لدينا حكومة جيدة، أي أن الحكم الرشيد لم يتحقق في هذا البلد. في بلد الرشيد.

 

10 فبراير (شباط) الجاري كان نقطة تحول في تقديري لأن البرلمان العراقي أراد أن يعقد جلسة بنصاب كامل لإقرار أو تمرير قرار بطردهم فوراً. لكن لم تكن هناك الاستجابة المطلوبة، لا من الكتل السنية العربية ولا الكتلة الكردية بأجمعها، ولا حتى من معظم الكتل الشيعية. يعني من أكثر من 230 نائباً، حضر فقط حوالي 75 نائباً، لذلك لم يحصل إجماع أو توافق أو نصاب، وأُجِّل الموضوع.

 

 

* هل ما نشهده حالياً هو معركة طرد الجنود الأميركيين من العراق؟

 

– هي معركة صراع نفوذ بين قوة إقليمية هي الجمهورية الإسلامية تحديداً وأميركا على الأرض العراقية بسبب تداعيات الحرب في غزة واضطراب منطقة الشرق الأوسط. فمسألة الوجود الأميركي أصبحت القضية الشماعة لإنهاء وجودهم، في حين أنه ما زالت هناك حاجة لتواجدهم بسبب الأمن الإقليمي ككل، وليس أمن العراق.

كنت من المفاوضين الأساسيين في اتفاقية سحب القوات الأميركية واتفاقية الإطار الاستراتيجي، فعندي خلفية ودالة على هذا الموضوع. أصبح الموضوع مسيساً، ولو أنه لا تزال هناك حاجه أمنية عراقية لهم وأعدادهم قليلة. لكن أصبحت قضية سياسية.

10 فبراير (شباط) الجاري كان نقطة تحول في تقديري لأن البرلمان العراقي أراد أن يعقد جلسة بنصاب كامل لإقرار أو تمرير قرار بطردهم فوراً. لكن لم تكن هناك الاستجابة المطلوبة، لا من الكتل السنية العربية ولا الكتلة الكردية بأجمعها، ولا حتى من معظم الكتل الشيعية. يعني من أكثر من 230 نائباً، حضر فقط حوالي 75 نائباً، لذلك لم يحصل إجماع أو توافق أو نصاب، وأُجِّل الموضوع.

هذا الموضوع تنفيذي، وليس تشريعياً. يعني الحكومة هي التي تقرر. خروج أو بقاء القوات الأميركية موضوع له علاقة بالتزامات دولية عراقية والتزامات لها علاقة بالاقتصاد الوطني العراقي، لذلك لا يمكن النظر إلى هذا الموضوع بشكل أحادي. كثير من الدول في المنطقة عندها قواعد وتواجد عسكري أجنبي، ليس أميركياً فقط، بل أيضاً بريطاني وفرنسي. لكن هذا حصل بموافقة هذه الحكومات. هذه الحكومات لا تزال حكومات سيادية والعلاقة منظمة. نحن أيضاً في العراق لدينا تنظيم لهذه العلاقة. لكن الموضوع مسيّس بالدرجة الأولى.

 

صعوبة الطلاق مع أميركا

* هل يستطيع العراق حالياً احتمال الطلاق مع أميركا؟

 

– من الصعب جداً جداً حقيقة لارتباط العلاقة الأميركية بالعراق وبالمنطقة بقضايا دولية وإقليمية واقتصادية، فلذلك الطلاق والانفكاك من هذه العلاقة صعب. كل البلدان تحتاج إلى دعم. في اتفاقية الإطار الاستراتيجي التي تفاوضنا حولها معهم، منحونا الكثير من الفرص والمجالات لدعم الاقتصاد والأمن والقدرات العراقية، لكن مع شديد الأسف، الحكومات العراقية المتتالية لم تستفد من هذه الفرصة المتاحة.

 

* كنت وزيراً للخارجية العراقية لمدة 11 سنة. أريد جواباً واضحاً، هل طلبت أميركا إنشاء قواعد عسكرية دائمة لها في العراق؟

 

– هذا النقاش كان موجوداً في الفترة الانتقالية بين إدارة جورج بوش الابن وإدارة باراك أوباما. ما هو مستقبل هذه القوات؟ كان التفكير أنه أدينا المهمة وأسقطنا النظام وأسسنا لنظام جديد ناشئ. ساعدنا البلد أن يكون لديه عقد اجتماعي هو الدستور، لذلك لندعهم يحلون مشاكلهم بينهم. لكن هناك حاجة بالنسبة لنا للإبقاء على تواجد محدود، فهذا كان أساس التفاوض. بدأنا المفاوضات في 2007 وأكملنا الاتفاقية لخروجهم في 2011 عندما جاءت إدارة أوباما.

 

 

في الوقت نفسه، وقعنا اتفاقية الإطار الاستراتيجي للصداقة والتعاون التنموي والاقتصادي مع الولايات المتحدة. كان هناك نقاش حاد بين القيادات العسكرية التي عملت في العراق، وغالبية قيادات الجيش الأميركي حالياً خدمت في العراق. لذلك كان لديهم خوف أو قلق أن الانسحاب المفاجئ وبهذه الطريقة وعدم إبقاء بعض القوات للمساعدة، سيهدد مصالح أميركا، بالنسبة للإرهاب أو للقوى الأخرى الطامعة في العراق. لكن أوباما قرر سحبهم ولم ينتبه إلى هذه النصيحة، وأنا حكيت معه حوالي 45 دقيقة.

 

* ماذا دار بينكما؟

 

– هو كان في حملته الانتخابية والعراق كان قضية أساسية في الانتخابات وقتها. كان جون ماكين هو المرشح الجمهوري. والعراق كان محط اهتمام بارز بالنسبة إلى المعسكرين. اتصل بي (أوباما) بالهاتف، وكان في رحلة انتخابية لإحدى الولايات. رسالتي له كانت أننا نعتقد أن العراق لم يتعاف بالكامل، يعني ليس بلداً اعتيادياً أو طبيعياً. هناك تهديدات إرهابية وتهديدات أمنية. لذلك لا نشجعك أن تتسرع في سحب القوات بشكل كامل. نحتاج إلى هذه المساعدة ومساعدتكم في تدريب وتأهيل قواتنا العسكرية. هو أخذ الموضوع بمعنى أنه: لا، أنا جئت لأخلص أميركا من الحروب الخارجية. في أفغانستان والعراق. نريد أن نركز على الوضع الداخلي. كانت هناك أزمة مالية في السوق العالمية.

أيضاً في تلك الفترة رأى السيد نوري المالكي رئيس الوزراء أن الانسحاب أصبح حقيقة. وبدأ يتبلور لديه التوجه لمزيد من الهيمنة والسيطرة والابتعاد عن روح الدستور والديمقراطية والحريات، تجاه السنة والكرد والرواتب واستهداف قيادات سنية في وقتها. هذا أدى إلى شعور كبير بالتهميش من المجتمع السني. كانت الحرب الأهلية في سوريا قائمة وبدأ «داعش» ينمو داخل الأراضي السورية، ثم انتقل إلى العراق.

بعدما كانت الحكومة تدعي بأن لديها قوات كافية ومدربة لا تحتاج إلى مساعدة أجنبية، رأينا أن هذا الجيش وهذه الفرق وهذا التسليح الأميركي الممتاز انهار خلال أيام عندما احتل «داعش» الموصل وتوجه إلى كركوك وصلاح الدين، وكان على أبواب سامراء وبغداد مهددة. حقيقة هذا الجيش ذاب في صحاري العراق.

آنذاك وقعت المهمة عليّ أيضاً حين كنت وزيراً للخارجية. كنت وزيراً صاحب قرار، ولست مجرد فاترينة (واجهة) محل. حين استشعرنا أن هناك تهديداً حقيقياً للحكومة وللبلد، وافقنا مع الأميركيين على تبادل مذكرات لطلب المساعدة لأن هذا الخطر داهم وغير متوقع. ولا تزال هناك تحقيقات حول كيف صارت الدعوة آنذاك حين عادوا في 2014 وساعدونا. ساعدوا أربيل عاصمة إقليم كردستان التي كانت مهددةً من «داعش». سامراء كانت مهددة.

 

” قصة محور المقاومة نحن ناقشناها معهم مطولاً، (وكانوا يقولون لنا) أولاً إن نظام الجمهورية الإسلامية مهدد من الاستكبار العالمي ومن الصهيونية العالمية، لذلك نحتاج إلى أن نحمي نظامنا ونقاتل خصومنا وأعداءنا خارج بلدنا، ونشكل قوات غير نظامية. كان هذا أحد طروحات قاسم سليماني، أنه ربما لا نقدر على دخول حروب تقليدية مع دول كبيرة بالتكنولوجيا وبقدراتها، لكن في الحروب غير التقليدية ممكن أن نهزمهم بالاعتماد على قوات محلية نحن ندربها ونهيئها. وهذا هو ما يحدث في المنطقة “

 

الأميركيون بتواجدهم، وبعدها بتشكل تحالف دولي لمحاربة الإرهاب من العديد من الدول وصلت إلى أكثر من 60 دولة في قرارات أممية ومؤتمرات، أساس وجودهم هو الذي اتفقنا عليه. طبيعي أي إلغاء لهذا التفاهم – حتى أزيدك من الشعر بيتاً – يحتاج موافقة الطرفين ويحتاج إلى فترة زمنية وإشعار للطرف الآخر بمدة لا تقل عن سنة. في أميركا هذه السنة انتخابية، وصعب جداً على أي رئيس أن يتخذ قراراً كهذا والمنطقة مشتعلة ولا نعرف أين تتجه الأمور. في تقديري لا يستطيع العراق الطلاق في هذه العلاقة.

 

رواية إيران لصناعة الوكلاء

* هل هناك دقة في القول إن الحروب الموازية التي انطلقت بعد «طوفان الأقصى» في البحر الأحمر والعراق وسوريا ولبنان أكدت أن هذا الجزء من العالم العربي صار قراره إيرانياً؟

– إيران مؤثرة جداً في إقليمنا من اليمن إلى غزة إلى لبنان إلى سوريا إلى العراق. ولا ينكرون هذا. أعلنوا عن محور المقاومة منذ سنين. وأنا كانت لدي نقاشات مع الراحل (قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني) الجنرال قاسم سليماني الذي استهدفته القوات الأميركية في مطار بغداد في 2020، ومع علي لاريجاني الذي كان رئيس البرلمان الإيراني، ومستشار الإمام الخامنئي وزير الخارجية الأسبق علي أكبر ولايتي في 2007-2008.

كنا في زيارات مع رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء إلى طهران ونتناقش معهم، فأحد طلباتهم كان أنه «أنتم يا أكراد ويا شيعة تخلصتم من الديكتاتورية، فالمفروض ألا تثقوا بالاستكبار العالمي وبالأميركيين. مفروض أنتم أيضاً تصيرون جزءاً من محور المقاومة».

 

* كلام من كان هذا؟

 

– هذا كلام القياديين الثلاثة الذين ذكرت أسماءهم معي شخصياً. فجوابي كان أنه نحن لا نحتاج أن ندخل محور المقاومة وصراعات جديدة وحروباً أخرى. نحن تعبنا من الحروب ومن المغامرات وعندنا فرصة لبناء بلدنا ونريد منكم أن تساعدونا في هذا المجال. أنتم تريدون أن نصبح مقاومة على من حررونا. هذا شيء غير منطقي ولا أتصور أن أحداً سيقبل بهذا الاتجاه.

لكن الفرصة جاءت بعد تمدد «داعش». وصارت دعوة السيد الإمام السيستاني للدفاع عن العراق ضد «داعش» والجهاد الكفائي فرصة لتشكيل قوات «الحشد الشعبي». طبيعي كثير من النوايا ومن تطوعوا كانوا جادين وحقيقيين في هذا الموضوع. لكن (الإيرانيين) تدخلوا وشكلوا ميليشيات تابعة لهم واستفادوا من هذا الغطاء الديني والحكومي. حالياً «الحشد الشعبي» أصبح واقعاً وقوة موازية للجيش، وربما أقوى في تسليحه وفي إمكانياته.

قصة محور المقاومة نحن ناقشناها معهم مطولاً، (وكانوا يقولون لنا) أولاً إن نظام الجمهورية الإسلامية مهدد من الاستكبار العالمي ومن الصهيونية العالمية، لذلك نحتاج إلى أن نحمي نظامنا ونقاتل خصومنا وأعداءنا خارج بلدنا، ونشكل قوات غير نظامية. كان هذا أحد طروحات قاسم سليماني، أنه ربما لا نقدر على دخول حروب تقليدية مع دول كبيرة بالتكنولوجيا وبقدراتها، لكن في الحروب غير التقليدية ممكن أن نهزمهم بالاعتماد على قوات محلية نحن ندربها ونهيئها. وهذا هو ما يحدث في المنطقة.

إيران موجودة وهذه القوى التابعة لها أو القريبة منها فعالة. معظمها منظمات خارج الدولة. وطبيعي أن هناك آراء مختلفة حول كيفية التعامل مع هذا. قسم يقول: يجب أن نترك هذه الميليشيات ونتصدى للرأس، وهذا طرح الإسرائيليين. ونظرية أخرى ترى ضرورة تحجيم هذه المجموعات المحلية التي تؤذينا وتقوم بالاعتداء على حكوماتها الوطنية. فهذا الجدل موجود.

لدي قراءة مفادها أنه كما غيرت هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 السياسة الدولية بضرب البرجين في أميركا، أعتقد أن ما أحدثه «طوفان الأقصى» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي ربما يغير قواعد اللعبة والسياسة في منطقة الشرق الأوسط لأن ما حصل كان مختلفاً كلية عن كل الأحداث والمواجهات السابقة إطلاقاً. لذلك كنت من المتوقعين أنه هذه الحرب ستتوسع وتتمدد، ولن تبقى في غزة أو في الضفة الغربية فقط. وفعلاً هذا ما حصل، من البحر الأحمر وباب المندب إلى غزة إلى جنوب لبنان إلى الجولان إلى القائم إلى شمال شرق سوريا. تقريباً ممكن وضعها في نفس الإطار.

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا