في ذكرى رحيل البارزاني الخالد

د . حسن كاكي

في 1 اذار 1979 غادرنا الزعيم الخالد الملا مصطفى بارزاني الى جنات الخلد بعد رحلة شاقة وطويلة من النضال القومي الوطني ضد الانظمة الدكتاتورية والرجعية لنيل الشعب الكوردي حقوقه العادلة في الحكم الذاتي.

التأريخ الإنساني بصورة عامة عبارة عن سجل عظيم من الصفحات المشرقة الخالدة الذي يكتبه الرجال الصناديد الأوفياء لشعوبهم بكل أمانة واخلاص، والبارزاني الخالد كان واحداً من هؤلاء الرجال، فكان زعيماً ومعلماً من الطراز الاول، وتتصل خطواته الأولى بخطوات أولئك القادة الخالدين العظام من الكورد، بل أنه قد تجاوزهم بفعل الزمن وتطورات الأوضاع عموماً، والتي شهدت نموا في الوعي القومي.

ان قيادة البارزاني الخالد للحزب الديمقراطي الكوردستاني بعد التأسيس عام 1946 قد جعلت الكثير من الأحزاب الكوردستانية أن تحل نفسها وتنضم تحت لوائه علما انها كانت احزاب يسارية التوجه مثل (حزب هيوا، وحزب رزكاري) نظراً لقيادته الحكيمة القوية ولأدراك قادة هذه الأحزاب بأن هذا الحزب هو الممثل الحقيقي لطموحات الشعب الكوردستاني، وقيادته قد أكسبت هذا الحزب الجماهيرية والجهادية والثبات على السياسة القومية والوطنية والديمقراطية، كما أن رعايته التعددية السياسية والتحالف مع القوى السياسية والاجتماعية في الثورة قد ضمن لها التأييد والأسناد الدولي من جانب القوى الديمقراطية التقدمية في الداخل والخارج.

لم يكن البارزاني الخالد رئيساً لحزب ثوري قارع اعتى الانظمة الدكتاتورية الشوفينية ولم يكن زعيماً كوردياً عابراً للتاريخ، بل كان زعيماً لكل المناضلين والثوار المدافعين عن حقوقهم العادلة في الحرية والمساواة، وشخصية وطنية كبيرة ألتف حوله كل الثوار والمناضلين العراقيين نظراً لأهليته وانفتاحه على الأخر، ومصداقية شخصيته ونقائه الجبلي والسياسي، ووعيه المجتمعي، وباعه الطويل في ممارسة دبلوماسية العمل السياسي وفق أتباعه لأسلوب المرونة الكبيرة في أدارة كفة الصراع، فحال عودته من الاتحاد السوفيتي قال بالحرف الواحد (لست شيوعيا ولا اقطاعياً، جئت اطالب بالديمقراطية للعراق، والحكم الذاتي لكوردستان) وبذلك قد قدم المطالب الوطنية على المطالب القومية، كما اكد ان محاولة استحواذ مجموعة معينة على العراق بمثابة تقويض لأرادة الجماهير، وتصغير للبلاد واهلها امام نفسها والعالم، وهو ما يبيح الغاء الاخر وحقوقه.

كما اكد ان الرضوخ للتعددية والاعتراف بها ليس نمطاً من التنازلات التي يقدمها السياسيون، كما أن الحفاظ على عروبة العراق واسلاميته لا يلغي حقيقة ان الفسيفساء العقائدي والعرقي والمذهبي فيه يجعله على اغنى حاضنة للتنوع الذي يضم العرب والكورد والتركمان وبقية الطوائف.

إن مسيرة البارزاني البطولية كانت غنية بالدروس والعبر، ونستمد من رصيد تجربته التاريخية النضال والتضحية والفداء عندما تتشابك الأمور أمامنا وتتعقد، كما انه اسس لما نحن عليه اليوم من الازدهار والعمران والتعايش السلمي بين جميع مكونات الشعب العراقي.

. فسلاماً سيدي يوم ولدت ويوم رحلت .. وتحية إجلال وإكبار لشهدائنا الابرار.

قد يعجبك ايضا