الأديب موشي بولص و بيئة المدينة، ارباخا

 

 

 

 

 

 

 

حاوره: د. توفيق رفيق التونجي

 

 

 

 

 

الاديب موشي بولص موشي من مواليد كركوك 1957 ومن سكنة اجمل احيائها “العرفة” وهي تعريب لأسم المدينة التاريخية ارباخا وتكتب احيانا اربخا. والحي بني من قبل شركة نفط الشمال ( أي ، بي ، سي) والتي تأسست في عام 1927 في منطقة قريبة من ابار النفط في بابا كركر وكيوان وخصصت منطقة عرفة للعاملين في الشركة وكان حيا عصريا بمقايس ذلك الزمان وذو طابع انكليزي وبيئة مشابهة لما كانت عليه القرى الانكليزية. وما من فرد من ابناء المدينة والا له فيها من  الذكريات  وفي المدينة و الأزقة القديمة. يحدثنا أديبنا عن البدايات الاولى قائلا:

 

بَدَأْتُ بَالكِتَابَةِ مُنْذُ بِدَايَاتِ سَبْعِينَاتِ الْقَرنِ الْمَاضِي ،ثُمَّ تَطَوَّرَتْ الرَّغْبَةُ لَدَيَّ فِيْ أوَاخِرِ الثَّمَانِينَاتِ وَأَنَا جُنْدِيُّ فِيْ احدَى الْوَحدَاتِ الْعَسْكَرِيَّةِ فِي قَلْبِ الْعَاصِمَةِ بَغدَادَ حَتَّى تَسْرِيحِي ، فَنَشَرْتُ فِيْ مَجَلَّةِ (ألِف باء) وصَحِيفَةِ (الرَّاصِد) الْأسبُوعِيَّةِ.وَبَعْدَ سَنَةِ٢٠٠٣ انْتَشَرَتِ الصُّحُفُ وَالْمَجَلَّاتُ فِيْ كركُوكُ،فَبَدَأَتُ النَّشْرَ فِي صحِيفَةِ(النَّبَأ) -(الاتِّحاد)- مجلة (تركمان إيلي)-(العراقُ غَدًا)-(بهرا).وَمَازلْتُ أَنْشُرُ فيْ مَجَلَّةِ توركمان إيلي،لِأَنَّهَا الْوَحِيدَةُ الَّتِي تَصدُرُ لِحَدِّ الْآنِ.

 

 

كركوك متحف الشعوب والأقوام ومهد المدن التي سكنها البشر وربما الاولى . هنا وعلى رابية بنى ابناء الحضارات الاولى، اولى القلاع وسكنها أقوام عدة. اليوم نجد بعض اثارهم رغم ان النظام السابق هدم معظم احيائها ولم يبقى الا بعض البنايات منها. مع التطور العمراني في المدينة تغيرت بيئتها كذلك ومع اتساع رقعة المدينة تغيرت مواقع احيائها خذ مثلا محلة قورية التراثية كانت في يوم من الايام قرية في ضواحي المدينة كما كانت محلة تسعين غابات ولم تكن هناك اي بيوت حتى في منطقة عرفة الحالية والتي كان ابناء كركوك يسموها (نيو كركوك) اي كركوك الجديدة. هذا التطور والتوسع في المدينة غير من تركيبتها السكانية كذلك البيئة مهمة في حياة الكاتب سألته عن تأثير عرفة في إنتاجه الأدبي؟

 

كَانَ لِي أَقَارِبُ وَأَصدِقَاءُ فِي أحيَاءِ قوريا وشاطرلو وألماس وَمَنطقة قرب شاطرلو تسمى تكساس،كانَتِ العلاقاتُ الاجتماعيةُ مَتِينَةً وَالْأمورُ بسيطةً،تَغَيَّرَ الْآنَ الْوَضعُ تمامًا،صارَ الْانْغِلَاقُ وَالتَّقَوْقُعُ سِمَةً أَسَاسِيَّةً لِهَذَا الْعَصْرِ،وَالسَّبَبُ يَعُودُ لِلتَّطَوِّرِ التّكنولوجِيِّ. الْآنَ، مَا بَقِيَ مِنَ الْمُكَوِّنِ الْمَسِيحِيِّ فِيْ تِلْكَ الْمَنَاطِقِ يُعَدُّ عَلَى الْأَصَابِعِ، تَخَيَّلْ أَنَا الْأَدِيبُ الْوَحِيدُ الْبَاقِي مِنَ الْمُكَوِّنِ فِيْ اتِّحَادِ أُدَبَاءِ وَكُتَّابِ كَركُوكَ!!!.

فَالْكُلُّ قَدْ هَاجَرَ وَمَازَالَتِ الْهِجْرَةُ مُسْتَمِرَّةً. هُمُومُنَا جَمِيعًا كَعراقِيِّينَ مُشْتَرَكَةُ. عِشْنَا بِمَحَبَّةٍ وَتَآخٍ فِيْ هَذِهِ الْمَدِينَةِ الْعَزِيزَةِ، مَدِينَةُ النَّارِ الْأَزَلِيَّةِ،وَنَأْمَلُ أَنْ يَعُودَ الْمَسِيحِيُّونَ فِي الْمَهْجَرِ يَوْمًا مَا إِلَى وَطَنِهِمْ وَتَكْتَمِلَ الْفَرحَةُ.

فِيْ مَرْحَلَةِ الْمُرَاهَقَةِ كَتْبْتُ بَعْضَ الْقَصَائِدِ الْغِنَائِيَّةِ الْقَصِيرَةِ،وَلَكِنّي انْجَذَبْتُ لِلُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ ،تَعَلَّقْتُ بِهَا وَتَعَمَّقْتُ بِفَضْلِ مُدَرِّسِ اللغَةِ الْعَرَبِيَّةِ(رًحِمَهُ اللهُ)،بَلْ عَشِقْتُهَا عِشْقًا قَلَّ نَظِيرَهُ وَمَا زِلْتُ،فَهِيَ كَالْمُحِيطِ الْمَلِيءِ بَالْجَوَاهِرِ وَالْلَّآلِئِ وَالْأَلْغَازِ الَّتِي نَسْتَمْتِعُ بِفَكِّ أَلْغَازِهَا دَوْمًا.

 

مَا بَقِيَ مِنَ الْمُكَوِّنِ الْمَسِيحِيِّ فِيْ تِلْكَ الْمَنَاطِقِ يُعَدُّ عَلَى الْأَصَابِعِ، تَخَيَّلْ أَنَا الْأَدِيبُ الْوَحِيدُ الْبَاقِي مِنَ الْمُكَوِّنِ فِيْ اتِّحَادِ أُدَبَاءِ وَكُتَّابِ كَركُوكَ، فَالْكُلُّ قَدْ هَاجَرَ وَمَازَالَتِ الْهِجْرَةُ مُسْتَمِرَّةً. هُمُومُنَا جَمِيعًا كَعراقِيِّينَ مُشْتَرَكَةُ. عِشْنَا بِمَحَبَّةٍ وَتَآخٍ فِيْ هَذِهِ الْمَدِينَةِ الْعَزِيزَةِ، مَدِينَةُ النَّارِ الْأَزَلِيَّةِ،وَنَأْمَلُ أَنْ يَعُودَ الْمَسِيحِيُّونَ فِي الْمَهْجَرِ يَوْمًا مَا إِلَى وَطَنِهِمْ وَتَكْتَمِلَ الْفَرحَةُ.

 

 

 

 

شركة النفط في المدينة ومنذ انفجار اول بئر نفطي ١٩٣٢ في بابا كركر غير تركيب السكاني للمدينة باكمله. كان العاملين في الشركة من المحظوظين ولهم امتيازات خاصة. وقد قدم العديدون للعمل فيها خاصة ابان العهد الملكي حيث كان البريطانيين يديرون الشركة اي بي سي. شاركت مجلة اهل النفط او العاملون في النفط لاحقا في تنشيط الحركة الادبية في المدينة. كيف ترون اليوم نتائج ذلك التاثير في تركيب المجتمع الكركوكي؟

 

مجلة العاملون في النفط والغلاف للفنان ضياء العزاوي

 

 

تَغَيَّرَتِ التَّركِيبَةُ بَعَدَ سَنَةِ ١٩٧٢ بَعْدَ قَرَارِ تَأميمِ النَّفْطِ، وَوَاجَهَ الْعرَاقُ حِصَارًا اسْتَمَرَّ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ جِيءَ بِعُمَّالٍ مِنْ مُخْتَلَفِ أَنْحَاءِ الْعرَاقِ وَتَمَّ تَعْيٍينُهُمْ فِيْ أَقْسَامِ وَهَيْئَاتِ الشَّرِكَةِ. نَعَمْ تَحَسَّنَ دَخْلُ الْفَردِ وَأَصْبَحَتِ الْعُمْلَةُ الْعرَاقِّيَّةُ ثَالِثَ أَقْوَى عُمْلَةٍ فِي الْوَطَنِ الْعَرَبِيِّ بَعدَ عُمْلَتَي الْكُويتَ وَالْأُردُنَّ’ وَعَاشَ النَّاسُ فِيْ بَحبُوحَةٍ،وَكَانَتْ مَجَلَّةُ (الْعَامِلُونَ فِي النَّفْطِ) مِنْ أَرقَى الْمَجَلَّاتِ، حَيْثُ كَانَ يَكْتُبُ فِيهَا أُدَبَاءٌ عرَاقِيُّونَ وَعَرَبٌ مَعرُوفونَ عَلَى نِطَاقٍ وَاسِعٍ وَمَازَالَتْ مَكْتَبَةُ الشَّرِكَةِ فِيْ مَنْطَقَةِ بَابَا الْغَرْبِيَّةِ(baba west). تَحتَفِظُ بِبَعضٍ مِنْهَا.

 

بيوت القلعة تم هدمها ايام النظام الدكتاتوري السابق. ما تبقى بعض البنايات التراثية و مقام دانيل. اما الكنيسة الحمراء فهي على تلة اخرى. الهجرة مقبولة اذا كانت طوعية لكن الهجرة من قبل العراقيين كان من اجل الخلاص. ما هي ذكرياتك عن تلك الأيام؟

 

قَبْلَ سَنَةٍ صَعَدْنَا إِلَى الْقَلْعَةِ مَعَ وَفْدٍ،زُرنَا مَقْبَرَةَ الْمَسِيحِيِّينَ وَأَطَلَلْنَا عَلَى بَقَايَا الْكَنِيسَةِ وَعُدنَا بِذِكْرَيَاتِنَا إِلَى حَضَارَةٍ حَكَمَتْ بِلَادَ وَادِي الرَّافِدَيْنِ ثَلَاثَةَ آلَافِ عَامٍ قَبْلَ الْمِيلَادِ،تَمَنَّيْنَا لَوْ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَغِبْ لِنَتَجَوَّلَ أَطوَلَ مُدَّةٍ مُمْكِنَةٍ حَوْلَ أَطلَالِ بَقَايَا كُهُوفِهَا وَخذِينَ فِي الْوَقْتِ عَيْنِهِ مِنَ الْأَفَاعِي وَالثَّعَابِينِ الْخَافِيَةِ فِيْ دَهَالِيزِهَا.مَازَالَ أَدِيبنَا وَمُعَلِّمنَا الْعَزِيز (فاروق مصطفى)يَكْتُبُ عَنْ عِشْقِهِ لِلْقَلْعَةِ بِسَلَالِمِهَا وَمَصطَبَاتِهَا بِلَا كَلَلٍ أَوْ مَلَلٍ.

 

على ذكر الاديب فاروق مصطفى اطال الله في عمرة ومن عليه بالصحة والعافية وهو الخبير بتأريخ جماعة كركوك الأدبية وكتب عنهم. حدثنا عن لقائاتم بهذا الصديق الوفي؟

 

كَانُوا يُسَمَّوْنَ(جماعة كركوك) وَالَّتِي تَضُمُّ كُلَّ الْقَوْمِيَّاتِ الْكَركُوكِيَّةِ.مِنْهُمْ مَنْ فَارَقَ الْحَيَاةَ وَمِنْهُمْ مَنْ هَاجَرَ إِلَى دِيَارِ الْغُربَةِ،وَلَمْ يَبْقَ فِيْ كَركُوكَ سِوَاهُ، لَدَيْهِ مُؤَلَّفَاتٌ عَنْ سِيَرِهِمْ وَمَازَالَ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا يَتَذَكَّرُ(أطالَ اللهُ فِيْ عُمْرِهِ) كُلَّ تَفَاصِيلِ ذِكْرَيَاتِهِ مَعَهُمْ.

 

كانت لكم مشاركات في المهرجانات الشعرية كما في مهرجان مربد. حدثنا عن مشاركاتك تلك؟

 

 

 

شَارَكْتُ فِي مهرَجَانِ الْمَربِدِ سَنَةَ ٢٠١٢ وَفِي هَذَا الْمَهرَجَانِ٢٠٢٤ أَنَا مَدعُوٌّ أيْضًا لَكِنِّي لَمْ أَذْهَب،فَالطَرِيقُ بَعِيدٌ وَصِحَّتِي لَا تُسَاعِدُ عَلَى قَطعِ كُلّ هَذِهِ الْمَسَافَةِ.

 

كنت قد نويت الحديث فقط عن بيئة المدينة ولكنني اراني مضطرا الحديث عن الفلك وحركة الكواكب لانها من المواضيع المحببة لكم. والفلك وحركة النجوم من الغنوصية الأولى وقد كان المسيحيين الأوائل يهتمون بدراسة الفلك وحركة النجوم ويربطون بين الكوارث البيئية بحركة تلك النجوم. كيف وفقتم بربط الادب والفلك وما توقعاتكم حول مدينة كركوك واهلها الكرام؟.

 

” فِيْ بِدَايَةِ وُجُودِ الإنسان عَلَى هَذِهِ الْبَسِيطَةِ، كَانَ يَخَافُ مِنَ النُّجُومِ وَالْكَوَاكِبِ وَالْمَجَرَّاتِ،حَيْثُ كَانَتِ السَّمَاءُ صَافِيَةً، اشْتَهَرُ قَبَائِلُ(المايا)فِي أَمْرِيكَا الْوُسطَى وَالْعَرَبُ وَالْإغْرِيقِ وَالرومانِ وَقَبْلَهُمْ الْآشُوريّونَ وَالبَابِلِيُّونَ وَالْكِلْدَانيونُ وَالْفُرسُ بِهَذَا الْعِلْمِ ،حَتَّى وَصَلَ الْيَوْمَ إِلَى مَا وَصَلَ إِلَيْهِ مِنْ تَطَوُّرٍ”

 

فِيْ بِدَايَةِ وُجُودِ الإنسان عَلَى هَذِهِ الْبَسِيطَةِ، كَانَ يَخَافُ مِنَ النُّجُومِ وَالْكَوَاكِبِ وَالْمَجَرَّاتِ،حَيْثُ كَانَتِ السَّمَاءُ صَافِيَةً، اشْتَهَرُ قَبَائِلُ(المايا)فِي أَمْرِيكَا الْوُسطَى وَالْعَرَبُ وَالْإغْرِيقِ وَالرومانِ وَقَبْلَهُمْ الْآشُوريّونَ وَالبَابِلِيُّونَ وَالْكِلْدَانيونُ وَالْفُرسُ بِهَذَا الْعِلْمِ ،حَتَّى وَصَلَ الْيَوْمَ إِلَى مَا وَصَلَ إِلَيْهِ مِنْ تَطَوُّرٍ. وَقَدْ شَغِفْتُ بِهَذَا الْعَلْمِ مِنْ مُتَابَعَتِي لِعُلَمَاءٍ كُثُرٍ مِنْ دَاخِلِ الْعَالَمِ الْعَرَبِي وَخَارِجِهِ، وَكُنْتُ أَقْتَنِي كُتُبِهِمْ وَأَدرُسُهَا دِرَاسَةً مُسْتَفِيضَةً، وَلَدَيَّ الْآنَ بَرنَامَجٌ أُسْبُوعِيُّ كُلَّ سَبْتٍ عِنْدَ مُنْتَصَفِ النَّهَارِ عَبْرَ إِذَاعَةِ الرَّشِيد/كركوك..وَأسْمُهُ(أَسْرَارُ الْفَلَكِ) لِمُدَّةِ سَاعَةٍ وَنُصفِ السَّاعَة.

 

 

 

في ختام لقائنا هذا نتمنى لأديبنا النجاح والتألق في عمله.

 

الأندلس

٢٠٢٤

قد يعجبك ايضا