صبحي ساله يي
لقد عمل إقليم كوردستان، منذ البداية على حفظ سيادته وحماية وقوة وجوده وحضوره على المسرح السياسي العراقي والإقليمي والدولي، وكرس عناصر القوة التي يمتلكها وموقعه الجيوسياسي لصالح القرار السياسي المستقل عن التأثيرات الخارجية، والمنسجم مع مصالح الإقليم ومصالحوالعراقيين وعموم المنطقة. وكان الدافع الأساسي لبناء علاقاته مع جميع الأطراف، خاصة لدى الرئيس مسعود بارزاني وحزبه، يكمن في التفاعل الإيجابي مع الجميع، والإبتعاد عن الشعارات والمزايدات والإشكاليات والمزاج السياسي الشخصي أو العاطفي، والإقتراب قدر الإمكان من المعادلات الكفيلة بتطبيق القوانين. وحاول قدر الإمكان التعامل مع الأحداث، وإيجاد أرضية مشتركة بينه وبين الآخرين على أسس مغايرة، لكنه إكتشف أن البعض من (الشركاء) في بغداد يعانون من تناقضات عدم الإنصاف وموروثات الحقب السابقة وتداعيات الحاضر ومآلات المستقبل، لذلك تعرض الإقليم وشعب كوردستان منذ 2012 الى الهجمات والحروب السياسية والإقتصادية والأمنية على الإقليم، وآخرها وربما أخطرها، تجسد بشكل واضح وفضيح في القرارات القضائية الصادرة عن المحكمة الإتحادية قبل أيام .
لا نريد إضاعة الوقت والإسهاب في سرد ممارسات هذه المحكمة وتدخلاتها الكثيرة فی الشۆون الكوردستانیة منذ سنوات، لأن ما قالتها هذه المرة بشأن رواتب موظفي الإقليم والواردات النفطية وغير النفطية ومقاعد الكوتا للتركمان والمسيحيين وقانون إنتخابات الإقليم ومحاولتها المساس بالعملية التشريعية فيه بطريقة غير دستورية ليس تحولاً جديداً عن مواقفها السياسية السلبية السابقة تجاه مختلف الملفات التي تتعلق بالكورد وكوردستان وإنخراطها في الصراعات المدمرة ومشاريع و مواقف وأفكار قانون القوة لا قوة القانون، وتدخلاتها التي تثير الجدل في أمور ليست من إختصاصها، والتي لا يمكن فصلها عن مؤشرات غياب مؤسسات الدولة وتراجع أداء السلطات في بغداد عن إلتزاماتها الدستورية والقانونية وتأثيرات التجاذبات الإقليمية والدولية والذهاب بالبلاد نحو اللاديمقراطية التي تستثنى بعض المكونات القومية والدينية في سبيل إرضاء نزوات مكونات سياسية تريد البقاء على مسرح السياسة أو الفوز بمقاعد أكثر في الإنتخابات، من خلال المزايدات السياسية وإفتعال الصراعات والخلافات الحادة بين القوى الأساسية في البلاد، أو تنفيذاً لأوامر قادمة من الشرق أو مفروضة عليها من قبل ميليشيات تحتكر السلاح والمال. كما يمكن إعتبارها تعبيراً عن الرغبة في هدم الإستقرار الهش الحالي في العراق، وعدم إفساح المجال أمام حكومتي بغداد وأربيل لكي تتوصلا عن طريق الحوار والتفاهم إلى إتفاقات على أساس الدستور الذي صوّت عليه شعوب العراق.
إهتم الكثير من وسائل الإعلام والمراقبين السياسيين ورجال القانون بسبر غور الأحكام الصادرة من المحكمة الإتحادية في العراق، وتوزّعت الاهتمامات في هذا الصدد على مناحٍ كثيرة، منها ما يتصل بمستقبل العملية السياسية في البلاد، ومنها ما يتعلق بمدى قدرة النظام القضائي الحالي على صيانة الدستور وحماية وحدة البلاد في ظل العداء الواضح لكل ما هو كوردي وكوردستاني، دون اكتراث لقيم المواطنة والشرعية والقانون، ومنها أيضاً ما يختص بفشل المنظور السياسي الذي يبدو أقل قدرة على ضبط الخطاب السياسي وصياغته وتوزيعه وبالذات عندما راح ينسى ويسيء للعلاقات المكوناتية، ويرتجل من دون قدرة على الفرز بين الحق وغيره.
أما بخصوص المؤيدون للقرارات القديمة والجديدة فيُرجح أن بعضهم مُصاب بأمراض تؤثر في الذاكرة، فتجعلهم ينسون بشكل مستديم القضايا الرئيسية الحساسة والثوابت القومية والوطنية والدستورية، وأن أشياء كثيرة تغيّرت في هذا البلد، وأن الموجود اليوم يشبه ما كان موجوداً البارحة، أو يخلطون بين الأمور البسيطة والخطيرة رغبة في تسجيل موقف أو الحصول على كلمة شكر من هذا أو ذاك، ولا يُفوّتون أي فرصة للظهورعلى الشاشات والدخول في مقايضات وصفقات وحسابات مادية، وسياسة (شيلني وأشيلك)، رغم أن الكثير من المتابعين لا يأخذون هفواتهم المُكلفة وأخطائهم المتكررة وقدرتهم في الدفاع عن الباطل على محمل الجد.