” لعبة الأقدار “- 3 – – بصيص أمل-

ماهين شيخاني

ونحن نتسلق الساتر الترابي كان يرافق خفقان القلب صوت يحفزنا للخروج من دوامة الخوف والرعب , اجتزنا الساتر , تنفسنا الصعداء وحمدنا الله على وصولنا لبر الأمان بسلام ، سلكنا الدرب الذي دلنا المهرب نحو وميض بعيد , ثمة ضوء تفجر ينابيع الثقة واليقين والخلاص من براثن كادت تقذفنا نحو الهلاك , ثمة ضوء ينقذ لحظة اختناق الأمل في ذواتنا , وتبعدنا عن اليأس والاستسلام .
أحمل طفلي على كتفي المتعبتان وبيد الأخرى حقيبة ثقيلة بالنسبة لي والعرق يتصبب من كل أجزاء جسدي المنهك حتى أحسست بأن الحذاء رطب وراودني قصة عبور أحد أستاذتي الذي اجتاز الحدود بين سوريا وتركيا ولكونه مريض القلب توقف قلبه الكبير على الحدود وتركوه هناك مجبرون .
كانت المسافة بالنسبة لي بعيدة ,ألهث من التعب , لاحظت شريكتي اقتربت وانزلت الطفل ليسير مشياً على أقدامه بين الأشواك والتراب وشبكت يدها بيدي ،أحسست بشعورها وهي لا تصدق كيف قطعت هذه المسافة الطويلة ،أحسست بطاقة هائلة تمدني كان شعوراً جميلاً ونحن نواجه الغموض , منذ سنتين و نصف لم ألمس يدي زوجتي بهذا الدفء والحنية.

كانت حلقة الضوء كلما نخطو خطوة و نتقدم تتوسع رويداً رويداً , أصبحنا نرى حركة الأجساد حتى وصلنا إليهم , كان في استقبال الناس بمسافة قصيرة شخصان من البيشمركة دنا منا أحدهم باحترام وقال : اسمحوا لنا بتفتيش امتعتكم ..؟.
– هذا واجبكم …لا ضير في ذلك ..؟.
– تفضلاً الى ذاك المكان حتى يأتي دوركم , كان أكثر من ستون شخصاً جالسون ينتظرون الدور , قدموا لنا علب المياه وبعض المعجنات , انتظرنا قليلاً ثم نقلونا الى مكان آخر بالقرب من الطريق لننتظر المركبات التي تقلنا الى مركز التجمع , عرفت حينها بأننا لسنا وحدنا بل هناك مخافر تنتظر لاستقبال الفارون من أتون الحرب , أخرجت هاتفي والرقم السوري كان فعالاً هناك اتصلت مع خال الأولاد ليخبر ولدي الكبير” آزاد ” بأننا انتقلنا الى الطرف الآخر بسلام ومن ثم اتصلت مع رفيق لي عن طريق الماسنجر ” عبد ” لكنه لم يرد ربما بسبب ضعف النت , فأرسلت له رسالة لإعلامه بوصولنا .
وصلت الحافلات بحدود الساعة الثالثة صباحاً وبدأوا بتلاوة جداول الأسماء حسب الدور والناس تصعد بهدوء , وامتلأت الحافلات وأسرتي ترتجف من البرد , لأن كروبنا وصلت متأخرة و كان حظنا ركوب بيكاب دبل كراسي , الأم وأولاد بالكابينة وأنا وابنتي الكبرى صعدنا الصندوق الخلفي حيث كان ثلاث شبان فيها قبلنا , أفسحوا المجال لابنتي كي تقي نفسها من الهواء البارد , سألت أحد الشبان من أين أنت ..؟.
– من الدرباسية …؟.
– قلت له ابن من ..؟!.
– أنا طالب جامعي من قرية قرمانية وأبن فلان الفلاني من عشيرة الشيخان..
– ابتسمت …وقلت له : عرفت والدك ..؟!.
– كيف ..من أين أنت ..؟.
– من نفس الدرباسية ومن نفس العشيرة .
– حضرتك شيخاني ..؟.
– نعم … بصراحة لا أتجرد منها و لكنني كوردستاني ، لا أهتم بالأمور العشائرية , قضيتي أهم , أنت طالب جامعي وتفهمني , أليس كذلك ..؟.
– نحن أيضا كنا نقيم في العاصمة , لكن بعد ال2011 اضطررنا للعودة الى القرية , ووالدي يعمل بالبلد ..
أخرج علبة الدخان من جيب سترته وقدم سيجارة لي , أخذت السيجارة , أشعلتها ونفخت ثم قلت : ليتك تترك الدخان , خذها نصيحة من عمك , ستندم مع مرور الزمن , الإدمان عليها مشكلة ولن تتخلص منها .
بعد مسافة نصف ساعة أو ربما أقل وصلنا إلى نقطة عسكرية بدت هي مركز التجمع على الطريق العام , نزلنا إلى فناء محاط بغرف ومكاتب , قدموا لنا شوربة ساخنة والشاي وبعد وجبة الطعام دخلنا خيمة كبيرة مليئة بالناس والضجة , استلمنا الاسفنجات واللحف ووضعنا امتعتنا بجانب رأسنا , وتمدد الأولاد منهكون وغطوا بنوم عميق , لكنني بقيت لمدة نصف ساعة خارج الخيمة لأدخن حينها لمحت شخص يشبه أحد طلابي ومن أقربائي , كان ينظر الى موبايله ربما يراسل أهله , قلت في نفسي يخلق من الشبه أربعون , بعد ذلك توجهت نحو الخيمة وتغطيت ولا أعلم كيف نمت , لم أفق إلا من خلال مناداة زوجتي .
خرجت من الخيمة لجلب الشاي لأدخن مع الكاس وتدرجت قرب الطريق حيث تجمهر الناس لرؤية القوات الأمريكية وهي ترفع يدها لنا , لكن الناس الميؤوسة والغاضبة من سياستهم لعدم صد أو ردع عملية نبع السلام حسب تسمية الأتراك والانكى من ذلك عندما أعلن الرئيس الأمريكي عن “نجاح كبير” بإنشاء “منطقة آمنة” على الحدود بين تركيا وسوريا ، فبدات برمي الحجارة والبصق عليهم .
_ انتهت _

قد يعجبك ايضا