متابعة ـ التآخي
ابان موجة الحر في صيف 2023 في أوروبا، كانت هناك تقارير تفيد بأن الناس كانوا يقيمون في غرفهم الفندقية في الجزء الأكثر حرارة من اليوم ويقومون برحلات لمشاهدة معالم المدينة في المساء.
ومع ذلك، هناك بعض الدلائل التي تشير إلى أن المسافرين قد بدأوا يشعرون بالقلق بشأن الظروف المناخية الأكثر تطرفًا وتكييف خطط سفرهم وفقًا لذلك.
أظهر استطلاع أجري في مايس 2023 أن 69% من الأوروبيين يخططون للسفر بين حزيران وتشرين الثاني، وهو انخفاض بنسبة 4% مقارنة بعام 2022.
وقد تعني موجة الحر في صيف 2023 أن السياح يبدؤون في البحث عن وجهات أكثر برودة في وقت مبكر من عام 2024.
المشهد المتطور للسياحة العالمية في مواجهة تغير المناخ معقد، لكن ما هو واضح هو أنه إذا استمرت الدول المعروفة سياحيا ومنها الشرق الأوسط في مواجهة الظروف المناخية القاسية مثل صيف عام 2023، فإن كثيرا من الناس سوف يفكرون مرتين قبل حجز مكانهم تحت أشعة الشمس.
قطاع السياحة وحده مسؤول عما يقدر بنحو 8 إلى 10% من انبعاثات الغازات الدفيئة على مستوى العالم، وأصبحت الظروف في وجهات العطلات التقليدية في ذروة الصيف غير سارة على نحو متزايد، إن لم تكن خطرة تمامًا.
في العام الماضي، جرى تحطيم عديد الأرقام القياسية المناخية، اذ اجتاحت موجات الحر وحرائق الغابات أجزاء كبيرة من أوروبا وآسيا وأمريكا الشمالية.
وفي شهر تموز، شهدت كل من سردينيا وصقلية درجات حرارة تجاوزت 46 درجة مئوية، وهو ما كاد أن يحطم الأرقام القياسية الأوروبية.
يحاول الباحثون التنبؤ بمستقبل السياحة منذ فترة طويلة. وتتلخص إحدى الأفكار في أن السياحة سوف تشهد “تحولاً قطبياً”، حيث يؤدي الانحباس الحراري العالمي إلى ارتفاع درجات الحرارة ليس فقط في المناطق الساخنة تقليدياً، بل أيضاً في مواقع أبعد إلى الشمال والجنوب.
وتوقعت دراسة نموذجية أجريت في عام 2007 أنه بحلول عام 2050، سيؤدي الطقس الأكثر سخونة إلى جعل المناطق السياحية الشهيرة مثل البحر الأبيض المتوسط أقل جاذبية في الصيف، وفي الوقت نفسه، ستشهد الوجهات الشمالية مثل الدول الاسكندنافية والمملكة المتحدة مواسم عطلات أطول.
وفي منطقة البحر الكاريبي، قد يغمر ما يقدر بنحو 29% من عقارات المنتجعات جزئياً أو كلياً بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار متر واحد، برغم أن كثيرا من هذه المنتجعات كانت ستفقد قدراً كبيراً من مساحة شواطئها قبل ذلك.
ومن المحتمل أن تكون بعض الوجهات الشاطئية الأخرى أكثر عرضة للخطر، بعد ان تعرضت سردينيا لعواصف مدمرة في عام 2022.
تشير الأبحاث إلى أن الشواطئ هناك قد تواجه صعوبة في استيعاب السياح في المستقبل القريب بسبب زيادة خطر الفيضانات والعواصف.
ومن المتوقع أن تتحمل عديد الوجهات الشهيرة لقضاء العطلات في المدينة، بما في ذلك بورتو في البرتغال، المزيد من الحرارة الشديدة، وسوف تتأثر السياحة في المناطق الجبلية أيضًا، حيث يؤدي ذوبان الثلوج المتسارع إلى مواسم تزلج أقصر.
ستؤثر الظروف المتغيرة على المكان الذي يمكن للبشر السفر إليه بأمان. لكن أنماط السفر تستغرق وقتًا لتتطور، وفي غضون ذلك، فان الوجهات القائمة بحاجة إلى التغيير لتحمل تحديات مثل الحرارة الشديدة وارتفاع مستويات سطح البحر والظروف المناخية الأخرى.
الوجهات السياحية المتواجدة في مناطق العالم المعرضة لآثار تغير المناخ، مثل دلتا النيل في مصر، تدرس بالفعل طرق التكيف، وتشمل هذه بناء الأسوار البحرية والكثبان الطبيعية لحماية المناطق السياحية من الفيضانات الساحلية.
كما جرى اقتراح تغيير مواد البناء وإعادة تشكيل المساحات الحضرية لتحسين التهوية كوسيلة لتقليل الاعتماد على أجهزة تكييف الهواء الباهظة الثمن والمستهلكة للطاقة.
وستتطلب الوجهات الجديدة التي تبدأ في الظهور في المناطق الأكثر اعتدالا تطويرا كبيرا للبنية التحتية لدعم تدفق الزوار، وهذا يشمل أنظمة النقل والإقامة وخيارات تناول الطعام ومناطق الجذب السياحي، عادةً ما تستغرق عملية إنشاء الوجهات السياحية وقتًا وتتطلب تفكيرًا متأنيًا.
فقد شهدت برشلونة، على سبيل المثال، طفرة سريعة في الطلب على السياحة منذ دورة الألعاب الأوليمبية عام 1992.
وقد أدى ذلك إلى زيادة عدد الزوار بمقدار عشرة أضعاف في العقود الثلاثة الماضية، مثل هذا التطور السياحي السريع يمكن أن يشكل ضغطًا على السكان المحليين والبيئة.
وبرغم أن برشلونة لديها بالفعل نظام نقل وبعض البنية التحتية لاستيعاب الزوار، إلا أن النمو السريع في السياحة أدى إلى معارضة قوية من السكان المحليين.