الموسيقى والغناء أللغة الثقافية المشتركة للشعوب الغناء في كوردستان

 

 

ج 5

 

  1. الغناء التوركماني:

 

المطرب الشعبي عبد الوهاب المعروف ب هابة كان يغني بالتوكمانية والكوردية

 

“إذا نسينا لغتنا الأم

سينأى عنا الأجيال القادمة

وأحفادنا سيتخلون عن حبنا”

 

الشاعر عبد اللطيف بندر اوغلو

توركمان العراق يرتبطون بعلاقة محبة نادرة بلغتهم وكما ذكر الشاعر الوزير المرجوم بندراوغلو. القوريات- احد أهم مكونات الشخصية التوركمانية وهوية ثقافية ارثها عبر الزمن واثر في تكوينه النفسي والعاطفي وزاد عليها بعد ان صقل وهذب وطعم بروح هذا الإنسان المحب للحرية.

 

القوريات بحد ذاتها نادرة في حوض دول المحيط التركي ومحصورة بثقافة الشعب التوركماني ولا يوجد نمط شعري يشابها او يضاهيها شكلا او مضمونا عند الشعوب الاخرى. رغم ان القوريات شفاهي على الاكثر ومجهول المؤلف فهي عصيرة الإنتاج الإبداعي لهذا الشعب من ناحية ومن ناحية اخرى لا يمكن ترجمتها الى اللغات الاخرى حتى لو كانت تلك اللغة التركية حيث تفقد ماهيتها ومعاني كلماتها وخاصة تلك الكلمات التي تتكرر بمعاني مختلفة من بيت شعري الى اخر ناهيك عن مفهوم صوري رمزي نابع عن بيئة وأطياف معاني اللغة حيث يفهم مغزاه الانسان التوركماني فقط في العراق.

 

 

 

تم تداول موضوع “القوريات” في هذه المادة من منطلق محلي وحصرا على لهجة ابناء مدينة كركوك ومن منظور الهوية الوطنية والثقافية وليس التركيب اللغوي والنحوي للنص حيث اعتمدت لهجة مدينة كركوك كلغة ادبية وثقافية لتوركمان العر اق. وهذا لا يعني بالطبع ان التوركمان خاج مدينة كركوك مستثنون من طروحات مادة البحث.

 

توركمان العراق مجموعة عرقية تعود اصولها الى قبائل الاوغوز القادمة من اواسط اسيا والمعروف عنهم الشجاعة والقيادة العسكرية وحبهم الشديد للادب والثقافة والتزامهم بالأعراف والعادات وولههم بالشعر الشعبي ورباعياتهم المعروفة تحت تسمية “قوريات” او في بعض الادبيات ” خوريات”. اختلف الباحثون على أصول الكلمة ومنهم من يربطها بإحدى قرى المدينة المسماة “قورية” والتي تحولت لاحقا الى حي وسط المدينة عرف بأسواقها التجارية. الجدير بالذكر كذلك ان تلك النصوص التراثية غالبا لا نجد لها مؤلفين معروفين بل كتبهم مجهولون تواردت تلك النصوص كجناس سهل الإلقاء من جيل الى اخر بالتوارد شفاهيا.

 

التوركمان شعب شديد التدين طوروا الشعر الصوفي للتعبد والتقرب الى الله عز وجل وقدموا دوما الأناشيد الدينية البديعة في محبة ومديح رسول الله وآل البيت صلوات الله عليهم وسلم. النصوص الشعرية والتواشيح التي تداولها قراء ومرددي وخطباء منابر مجالس العزاء في عاشورا او مجالس العزاء بصورة عامة حيث نوع من الترديد للشعر البسيط الذي يدخل الحزن والأسى روح الإنسان يسمى ب “سزلامالار- ئاغت” . وهم  أي التوركمان الاكثر ارتباطا بالأعراف والتقاليد والعادات و الأقرب لغويا واثنيا الى الاذررين منهم الى اتراك تركيا.

شيخ المطربين المرحوم عبد الواحد احمد كوزه جي اوغلو، توجه الى الغناء التراثي ألاصيل و نحو تكوين هوية ثقافية فنية وموسيقية مستقلة.

 

 

المرحوم عبد الواحد احمد كوزه جي اوغلو

 

نرى ان الموروث الثقافي التركماني الأصيل اعتمد تاريخيا على نصوص “القوريات ويكتب احيانا خوريات” وهي نصوص باللغة التوركمانية ولكن بلهجة ابناء مدينة كركوك وتعتمد على رباعيات الشعر التوركماني التقليدي، التراثي والشفاهي. ومن مقاماتهم الغنائية المخالف ، البشيري ، اليتيمي ، الموجيلا ، العمر كله، أحمد دايي ، قره ياغلي، مال الله ،مطري ، كوردو ومن المغنين للمقامات المحدثين اذكر الاستاذ احمد نجيب و المطربان دكتور محمد و اسماعيل ترزي و الشاعرالغنائي جهاد دميرجي  ان هذا النوع من الادب اي القوريات منحصر بتوركمان العراق ولا يوجد له أي مثيل بين الشعوب ذو الاصول التركية وبذا نرى ان ذلك يمثل تمايزا واضحا في تكوين الهوية الثقافية لهذا الشعب المسالم. من المطربين القدماء اذكر  موجيلا ،مال الله ، شلطاغ ، وأحمد زيدان عثمان تبله باش ، ورشيد كولو رضا ، وشكر حيارا ، والملا محمد طوبال واخرون كثيرون.  اما من المحدثين سامي رفيق الجلالي، عبد الواحد أحمد ، وعبد الرحمن عمر ، وفخر الدين محمد ، محمد أحمد ، والحاج فائق بزركان ، ويونس خياط، ساطع كوبري والمطرب الكبير أكرم طوزلو.

 

نرى كذلك ان القوريات مضمونا كانت بعيدة عن الحملات السياسية المنظمة والتي اتبعتها القوى القومية الحاكمة في تركيا الكمالية في فرض اللغة التركية الموحدة.  حيث قاومت العديد من فروع اللغة التركية من اجل البقاء والحفاظ على اصولها من الفناء داخل جمهورية تركيا نفسها وذلك عن طريق بقاء وديمومة النصوص الشعرية في الشعر و الغناء الشعبي. تلك السياسات التي بدأت تتبلور مع  نهايات الحرب العالمية الأولى والمتمثلة في فرض اللغة التركية الرسمية على جميع مكونات النسيج السكاني في تركيا وتعداها على نشر تلك الأفكار في حوض مجموعة الشعوب ذو الأصول التركية لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا. بقى ان نعلم ان تركمانستان وأذربيجان لا تزال تحتفظ بلغتها الوطنية الى جانب اللغة التركية الاستانبولية.

 

 

رشيد كوله رضا

الصراع في كتابة الشعر الغنائي مستمر بين استخدام اللغة المحلية كما في كتابة القوريات والرسمية “الفصحى” وما يسمى باللغة الثقافية والتي في حقيقتها هي اللغة المتداولة اليوم في تركيا . ان هناك طرحين ذو مسارين متباينين ومتخاصمين سايرتا العملية التطورية التاريخية في المنطقة منذ أواخر سنوات الحكم العثماني حيث بدا نشوء التيارات القومية واستمرتا بعد انهيارها وتفتت الإمبراطورية ونشوء الدول الوطنية في المنطقة. تلكما الاتجاهين الأساسيين لا يزالان مستمرين و لحد يومنا هذا في عموم المنطقة ولكل منهما مناصرون ومؤيدون. نرى كذلك الارتباط التاريخي للمكان والزمان وحتى الطبقة الاجتماعية والانتماء العقائدي لدن مؤيدوا الاتجاهين. هذا الصراع ليس محصورا باللغة التركية فهو صراع وإشكالية عالمية انتهى عند معظم الأمم بفوز مدعي اللغة الرسمية الموحدة خاصة عند وجود كيان سلطوي حاكم يقف خلف تلك التجربة والمشروع الحضاري ويناصرها كما هي عليها في تجارب الشعوب الأوربية ك الألمان والفرنسيين مثلا بينما لا يزال ذلك الصراع مستمرا بين اللغة الإنكليزية البريطانية والأمريكية.

 

هذا ونرى عين المسعى عند مؤيدوا اللغة العربية الفصحى وهؤلاء الذين لا يزالون يتغنون باللهجات المحلية المختلفة و المحكية في الأقطار العربية. هذا التوجه الأخير مبعث قلق للذين يريدون الحفاظ على الهوية الثقافية المحلية البعيدة عن هيمنة القوي. يبقى ان نعلم ان اللغة المستخدمة يوميا وكما تسمى ب العامية تبقى بعيدة عن اللغة الفصحى “الاستاندر” ان كان في الاقطار العربية او في دول العالم الاخرى. هكذا يتغنى الشاعر الشعبي التوركماني بوطنه:

 

آصليم صورارسين كركوكلويوم بن

آغير ده رتلره ﭽـوق يوكلويوم بن

*

زمان زمانى  ديم ديك دورموشوم

هر حقا بوينو بوكولويوم بن

 

يجب ان لا ننسى بان جل الصحف الكوردية التي صدرت مع تأسيس الدولة العراقية 1922 كانت حريصة على احتضان اللغة التوركمانية بين صفحاتها وهذا دليل اخر على مبدا التسامح الذي كان يسود بين مكونات المجتمع الكوردستاني قبل هجمة الأفكار القومية السلبية على البلاد والعباد وعلى مدى أهمية الحوار الحضاري السلمي بين الشعوب ذو الثقافات المتباينة كما هي عليها مجتمع كركوك وتنعكس كذلك على طريقة أداء الفنان الشعبي الغنائي الكركوكي الذي بقى حنجرته يصدع بالمقامات بالتركمانية والكوردية والعربية. وسلاما شعرائنا، فنانونا وفناناتنا من مطربين ومطربات ممن ادخلن السرور والغبطة افئدتنا والامل والحماس الى القلوب، هؤلاء هم الأوائل حاملي تلك الراية السلمية النيرة وعبر التاريخ.

استدراك:

اكتب الكورد وكوردستان بالوار وكذا الكورد و التوركمان في جميع كتاباتي لتسهيل اللفظ وليس الا. لان رغم عدم جواز تسكين الحرف الاول من الاسماء قواعديا الا ان معظم اللهجات العربية تسكنه.

 

إشارات:

بعض النماذج من الصحف الكوردية التي نشرت بالتوركمانية كذلك:

بانك كورد ، بغداد، 1913.

بانك كردستان، السليمانية، 1922.

دياري كوردستان، بغداد،1925.

قد يعجبك ايضا