انتهاك سيادة العراق إقليمياً

د. نايف كوردستاني

تُشكّل السيادة إحدى الأركان الجوهرية التي تُبنى عليها نظرية الدولة في الفكر السياسي، والقانوني كما تُعدُّ من المبادئ الأساسية التي يقوم عليها بنيان، وصرح القانون الدولي، والعلاقات الدولية المعاصرة، فالسيادة مفهوم قانوني سياسي يتعلق بالدولة لكونها تشكل أحد أهم خصائصها، وشروطها الأساسية كما أنها تُعدُّ من المُحدِّدات السياسية، والقانونية المركزية لمفهوم الدولة الوطنية، ومن خلالها يتجسَّد واقعيًا الوجود القانوني، والسياسي للدولة كعضو في المجتمع الدولي كما يتجسَّد أيضًا بموجبها الاستقلال الوطني للدولة، ومساواتها مع الوحدات، والكيانات السياسية الأخرى المشكّلة للنظام الدولي.

فالسيادة الوطنية تُعدُّ العنصر الأهم الذي يُميِّز الدولة كالحفاظ على النظام العام، والاستقرار في الداخل، وحماية سيادة الدولة من التهديدات، والأطماع الخارجية.
درجت الدراسات السياسية، والقانونية على تحديد، وإعطاء خمسة خصائص للسيادة:

– السيادة المطلقة: أي أنه لا توجد أية سلطة، أو هيئة أعلى منها في الدولة، وتكون بذلك للدولة السلطة على المواطنين جميعًا.

– السيادة الشاملة: بمعنى أن تطبق على المواطنين جميعًا في الدولة، ومن يُقيم داخل إقليمها باستثناء ما ورد في الاتفاقيات، والمعاهدات الدولية مثل الدبلوماسيين، وموظفي المنظمات الدولية، ودور السفارات.

– السيادة غير قابلة للتنازل: بمعنى أن الدولة لا تستطيع التنازل عن سيادتها، وإلا فقدت ذاتيتها، وعلى هذا فالدولة، والسيادة هما في درجة كبيرة من التكامل، والتلازم.

– السيادة الدائمة: أي أنها تدوم بدوام الدولة، فتغيير الحكومات لا يؤدي بالضرورة إلى فقدان، أو زوال السيادة، وعليه فالحكومات تتغيّر، ولكن سيادة الدولة تبقى، وتدوم.

– السيادة غير قابلة للتجزئة: لأنه لا يوجد في الدولة سوى سيادة واحدة غير قابلة للتجزئة.

وهذه الخصائص الخمسة شُبه مفقودة في العراق، فقد أصبحت السيادة في العراق مخترقة من قبل دول إقليمية، ولم تستطع الحكومات العراقية الحفاظ على سيادة العراق من دول الجوار لاسيما الجمهورية التركية، وجمهورية إيران الإسلامية، والجمهورية العربية السورية من حيث التدخلات في الشأن العراقي، والقصف المتكرِّر من قبل الحرس الثوري الإيراني، بحُجّة وجود المعارضة الإيرانية، وتارة قصف مقرات الموساد الإسرائيلي في إقليم كوردستان حسب مزاعمهم الباطلة التي لا أساس لها من الصحة، والقصف التركي المتكرّر على مسلّحي حزب العمال الكوردستاني المتمركز على الشريط الحدودي الإيراني، والتركي، وشمال إقليم كوردستان، لقد تسبّب القصف التركي بهجرة مئات القرى الكوردية الحدودية في إقليم كوردستان، فضلًا عن دخول آلاف الإرهابيين عن طريق الحدود السورية إلى العراق.

إنَّ الهدف من عمليات القصف المتكرِّر للحرس الثوري الإيراني على إقليم كوردستان يكمن فيما يأتي:

1- محاولة إخضاع إقليم كوردستان تحت السيطرة الإيرانية بالكامل.

2- ضرب الأمن القومي الكوردستاني، وزعزعة استقراره.

3- استهداف حركة الازدهار، والتقدّم الحضاري، والعمراني، والنجاحات التي حققتها حكومة إقليم كوردستان.

4- محاولة إلغاء النظام الفيدرالي لخوفهم من مطالبة الكورد في شرق كوردستان – إيران المطالبة بحقوقهم، والاعتماد على النظام الفيدرالي لضمان حقوقهم.

5- تعطيل الدستور العراقي، وبنوده، وعدم تشريع القوانين المهمة لاسيما قانون النفط والغاز لاستحواذ الإيرانيين على الحقول النفط الحدودية العراقية – الإيرانية.

6- الضغط على الأحزاب الولائية بعدم تطبيق المادة (140) من الدستور العراقي، ومحاولة عرقلة تطبيق تلك المادة!

7- إبرام العقود الاستثمارية من قبل رجال أعمال كوردستانيين في منتدى داڤـوس بسويسرا لتوصيل رسالة إلى الشركات الأجنبية بأنّ كوردستان غير آمنة، وبيئة غير صالحة للاستثمار الأجنبي!

8- زعزعة الأمن الاقتصادي بعد فتح آلاف المشاريع الاستثمارية في التشكيلة الحكومية التاسعة برئاسة مسرور بارزاني لتقوية الاقتصاد الكوردستاني، وعدم الاعتماد على مورد النفط، وتنويع مصادر الدخل القومي.

9- الضغط على حكومة إقليم كوردستان، ولاسيما قيادة (الحزب الديمقراطي الكوردستاني) بالموافقة على انسحاب قوات التحالف الدولي من العراق، وإقليم كوردستان.

10- توصيل رسالة إلى الأمريكان بأن توقّف هجماتها ضد ميليشيا الحوثي في اليمن إحدى أذرع إيران في منطقة الخليج العربي!

11- السماح بنشر فصائل من الحشد الشعبي في إقليم كوردستان!

12- إحدى وسائل الضغط السياسية على كوردستان من حيث تشكيل الحكومة الاتحادية، أو المحلية المقبلة لاسيما في كركوك، ونينوى.

إن ما يقوم به الحرس الثوري الإيراني من عمليات القصف بالصواريخ الباليستية على إقليم كوردستان هو خرق للسيادة العراقية لكون إقليم كوردستان جزء من العراقي الاتحادي (الفيدرالي)، وخرق للدستور العراق والقانون الدولي العام، وتهديد للأمن القومي الكوردستاني.

وقد ورد في (الباب الأول) ضمن (المبادئ الأساسية) في المادة (١) جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي، وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق.

وهذا الدستور قد شاركت فيه الأحزاب الحاكمة في العراق بكتابته، وصوّتوا عليه لكنهم اليوم ضربوا الدستور العراقي عرض الحائط مستغلين المحكمة الاتحادية التي تُصدّر قرارات سياسية لصالح أحزاب السلطة الحاكمة، ولاسيما الإطار التنسيقي (الشيعي) بتصفية الخصوم، والأحزاب السياسية.

ومن الجدير بالذكر أن الحرس الثوري تأسّس بمرسوم أصدره (الخميني) في سنة (1979م) بعد الإطاحة بالنظام البهلوي واضعًا إياه تحت إمرته مباشرة، وقد تكوّنت نواة الحرس الثوري من المجموعات، أو الخلايا الثورية التي تأسّست للقيام بـحرب الشوارع، والمدن ضد النظام البهلوي (الشاهنشاهي) السابق إذ لم يكن (الخميني) يتصوّر، وهو في منفاه بپـاريس أن تنتصر الثورة في إيران بهذه السرعة.

وكان أهم دوافع الخميني من تأسيس الحرس الثوري آنذاك هو عدم ثقته بالجيش النظامي بسبب ولاء بعض جنرالاته، وضبّاطه للنظام (الشاهنشاهي)، وخوفه من قيامهم بانقلاب عسكري على الثورة، وإجهاضها في بداياتها.

وكان هناك هدفان رئيسان من تأسيس الحرس الثوري الإيراني:

الأول: تسليح مجموعات واسعة من الشعب، وتدريبها على حرب العصابات تحسبًا لأي هجوم خارجي ما يجعل النظام يمتلك جيشًا شعبيًا قوامه الملايين!

الثاني: أن يكون هناك جيشان في البلاد، وهذا يُقْصي نظرية القيام بانقلاب عسكري على النظام، ففي حال قيام أحدهما بانقلاب عسكري سيقف الثاني في مواجهته.

ومن المؤسف جدًا أن نرى الحرس الثوري الإيراني يُهدِّد الأمن القومي الكوردستاني من خلال القصف المتكرِّر على إقليم كوردستان أمام مرأى الحكومة العراقية بحجج واهية، وذرائع فارغة، واختلاق قصص خيالية لا صحة لها بتأييد من نُوّاب (الإطار الشيعي)، ومرتزقة الحرس الثوري من المحللين السياسيين، والإعلاميين الذين يُصفِّقون، ويُهلهلون لقصف كوردستان، ولم يستنكر قادة الإطار التنسيقي القصف الإرهابي الإجرامي على إقليم كوردستان، وآثروا السكوت خوفًا على مكاسبهم!

في فجر يوم الأحد (13 آذار 2022) تعرّضت مدينة أربيل لقصف بـ (12) صاروخًا باليستيًا (بعيدة المدى)، انطلقت من خارج الحدود العراقية، وسقطت في محيط القنصلية الأمريكية، ومؤسسة كوردستان 24 بمصيف صلاح الدين ممّا أسفر عن أضرار مادية في المباني، والمنازل.

وقد سقطت (8) صواريخ على منزل الشيخ باز برزنچـي، وألحقت به أضرارًا كبيرة، في حين أعلن الحرس الثوري الإيراني تبنيه لهذا القصف بحجة وجود مقر تابع للموساد الإسرائيلي!

وشُكلّت لجنة تحقيقية عراقية لكشف المكان، وخلصت اللجنة بعد عمليات المسح الميدانية تبيّن بعدم وجود أي دليل على وجود الموساد في ذلك المكان.

وفي فجر يوم الثلاثاء (16 كانون الثاني 2024م) أعلن مجلس أمن إقليم كوردستان في بيان له أن الحرس الثوري الإيراني شنّ هجومًا بــ (11) صاروخًا باليستيًا على مناطق مدنية في أربيل عند الساعة (11:30) من مساء يوم الإثنين مما أسفر عن استشهاد (4) مدنيين، وإصابة (6) آخرين، ومنهم رجل الأعمال الكوردي (پـيشرو دزيي).

وقد شُكّلت لجنة تحقيقية عراقية برئاسة مستشار الأمن الوطني العراقي (قاسم الأعرجي) متفقدًا المكان، ومكذّبًا الرواية الإيرانية التي زعمت بأنها مقرًا للموساد الإسرائيلي، وشكّلت لجنتان پـرلمانية وهما (الأمن والدفاع، والخارجية) وتوصّلتا إلى نتيجة بأن المنزل مدني، وليس قاعدة للموساد الإسرائيلي!

إن ما تقوم به ميليشيا حرس الثوري الإيراني هو إرهاب حقيقي، وإزهاق للمدنيين الأبرياء في كوردستان، وهذا مُحرّم في الشريعة الإسلامية، قال تعالى:{مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا}[المائدة:32] كم أن القتال حرام في شهر رجب، فقال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة:36].

وروى البخاري (3197)، ومسلم (1679) عن أبي بكرة -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ خطب الناس يوم النحر في حجة الوداع، فكان مما قال:” إِنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبٌ، شَهْرُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ) .

ولم يعد إرهاب الحرس الثوري مقصورًا على استخدام العنف، فقد أصبح هناك أنواع أخرى من الإرهاب يمارسه الحرس الثوري، مثل الإرهاب الإلكتروني، والفكري، والعقائدي، والإعلامي باستخدام القنوات الإعلامية الولائية التي تقوم بالتحريض على استخدام العنف من خلال استضافتهم لمرتزقة الحرس الثوري الذين يخرجون بعناوين مختلفة باسم المحلِّلين السياسيين، أو مديري مراكز الدراسات، وهي مراكز وهمية لا وجود لها على أرض الواقع، وهؤلاء المرتزقة يُسوِّقون تحليلاتهم لخدمة الحرس الثوري الإيراني، وأغراضهم، وغاياتهم من أجل السيطرة على الرأي العام، وتضليل الشارع العراقي، لكن الشارع العراقي واعٍ لتلك الأكاذيب المختلقة.

تسعى الدول المتقدمة في الأصعدة كافة إلى ضمان أمنها اجتماعيًا، واقتصاديًا، وسياسيًا، وصحيًا؛ لأن انعدام الأمن سيعرقل عجلة التطور، والتقدّم لديها، ويمنع نهوضها نحو مستقبل مشرق لمواطنيها، ومن ثم سيكون الخوف عامل مهيمن على إستراتيجية تلك الدول.

والأمن القومي هو تأمين كيان الدولة، والمجتمع ضد الأخطار التي تهدّدها داخليًا، وخارجيًا، وتأمين مصالحها، وتهيئة الظروف المناسبة اقتصاديًا، واجتماعيًا لتحقيق التنمية الشاملة لطبقات المجتمع كله.

ومنذ أن أصبح مسرور بارزاني رئيسًا لحكومة إقليم كوردستان واجه تحديات كبيرة من أجل الحفاظ على الأمن الداخلي، وتبنّى سياسات، وإستراتيجيات داعمة لمرتكزات الأمن القومي الكوردستاني.

ونقترح على حكومة إقليم كوردستان جملة من المقترحات للتعامل مع هذا القصف الإرهابي:

1-طرد القنصل الإيراني من إقليم كوردستان كما فعلت باكستان بطرد السفير الإيراني من بلادها بعد قصف الحرس الثوري الإيراني على باكستان.

2- مقاطعة المنتجات الإيرانية وقطع العلاقات الاقتصادية معها.

3- إعادة الحماية الدولية لإقليم كوردستان على غرار قرار مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة المرقم (668) في (20 أيلول 1990م) بتشكيل الملاذ الآمن في إقليم كوردستان.

4- تقديم شكاوى على المحللين السياسيين الذين يظهرون في القنوات الفضائية، ويُبرِّرون قصف إقليم كوردستان من قبل الحرس الثوري الإيراني!

5- تدويل القضية الكوردستانية في المحافل الدولية لوجود تهديدات على إقليم كوردستان، وشعبه وحقوقه.

قد يعجبك ايضا