سردار علي سنجاري
الشعب الكوردي الذي يعد احد اكبر شعوب الشرق الذي لا يتمتع بدولة مستقلة له رغم توافر الشروط التي تمكنه من قيام دولته والتمتع مثل بقية الشعوب بالاستقلالية كاللغة والتاريخ والأرض والثقافة. ومنذ ان تم تقسيم كوردستان بين الأجزاء الأربع لكل دولة لها خصوصيتها السياسية والثقافية عانى الكورد الكثير من الآلام وتحمل الشعب الكوردي الأعباء الناتجة عن تقسيمهم بين دول لا تتمتع بالديمقراطية و لا الحرية ولا تعترف بحقوق ابناء شعبها فكيف لها ان تعترف بمن تدعي انهم انفصاليون وتقف في وجه تحقيق حلمهم المنشود في إقامة دولتهم المستقلة . وعليه كان لابد للكورد من ان يجدوا السبل الممكنة للوصول الى حلمهم وتحقيقه عبر الوسائل التي تطلبها المرحلة الخاصة لكل دولة .
اسس الكورد خلال مائة سنة من عمر معاهدة سايكس بيكو العديد من الأحزاب السياسية في الدول الأربع وكانت كافة الأحزاب تدعوا الى تحقيق العدالة والمطالبة بتوفير الشروط الانسانية لابناء الشعب الكوردي . ولعل من ابرز الأحزاب حزب هيوا والحزب الديمقراطي الكوردستاني في العراق وحزب الكومله في ايران بجانب الحزب الديمقراطي الكوردستاني الإيراني وكذلك حزب العمال الكوردستاني في كوردستان تركيا .
تعد هذه الأحزاب نواة الأحزاب الكوردية التي وجدت خلال فترات زمنية متباينة ومراحل زمنية وظروف سياسية مختلفة . واذا ما تعمقنا في الفكر السياسي لتلك الأحزاب نجدها تختلف عن بعضها البعض ، منها من يدعوا الى المصالحة مع الدول التي شاءت الظروف ان تكون ضمن حدودها و على جزء من ارض كوردستان والمطالبة بتحقيق الفيدرالية او الحكم الذاتي ضمن الحدود المرسومة لها ، ومنها من يطالب بالاستقلال التام عن الدول وإقامة الدولة الكوردية ضمن حدود الدولة الكوردية التي يصعب تحقيقها في الظروف الحالية . ايًنُ كانت التوجهات السياسية للأحزاب الكوردستانية وطموحها الا انه علينا ان نبحث عن اهم تلك الأفكار والرؤى السياسية التي هي الأقرب للواقع وعدم الانجرار خلف الشعارات العاطفية التي قد تقودنا الى أزمات يستعصي حلها بالطرق السلمية.
يعد الحزب الديمقراطي الكوردستاني في العراق الذي أسسه الزعيم الكوردي الخالد الملا مصطفى البارزاني من اهم الأحزاب السياسية التي تناضل بعقلانية وواقعية من اجل تحقيق الحلم الكوردي في كوردستان العراق . وقد مر الحزب الديمقراطي الكوردستاني خلال مسيرته النضالية بالعديد من المراحل التي مكنته من ان يكون الحزب الرائد في كوردستان سواء محليًا او اقليما ودوليا . ولعل اهم تلك المراحل هي مرحلة مابعد النضال العسكري والثوري الذي تبناه الحزب خلال فترة الستينيات حتى مطلع التسعينيات من القرن الماضي والذي أهله للدخول الى معترك الحياة السياسية بشكل مميز وافرز خلال تلك الفترة العديد من الكوادر الحزبية المتمكنة في ادارة المواقع السياسية والعسكرية.
لعل مرحلة البناء السياسي الحقيقي جاء بعد انتفاضة اذار المجيدة سنة ١٩٩١ حيث أعقبها مرحلة بناء المؤسسات الإدارية الذاتية جراء انسحاب مؤسسات الدولة العراقية آنذاك وترك الفراغ الإداري والسياسي والاقتصادي كعبء تحمله الحزب الديمقراطي الكوردستاني والأحزاب الكوردستانية المشاركة ضمن الجبهة الكوردستانية انذاك . لقد انتهج الحزب الديمقراطي الكوردستاني في العراق منذ تاسيسه سياسة التوافق والتقرب من المركز وعليه كانت نشاطات الحزب رسمية في الكثير من مراحلها وعلنية في بغداد وتحت اعين الانظمة السياسية العراقية ، منذ فترة حكم عبد الكريم قاسم حتى سنة ١٩٧٤ حيث انهارت اتفاقية ١١ اذار .
ومن الأسباب الهامة التي مكنت الحزب الديمقراطي الكوردستاني باتباع الواقعية هو الفكر و بعد النظر للاستراتيجية والحكمة التي كان يملكها مؤسس الحزب وقائده الخالد الملا مصطفى البارزاني وذلك من خلال اطلاعه على السياسة الدولية والقرارات السياسية التي تخص منطقة الشرق الاوسط والمصالح الدولية مع الأطماع التوسعية والسيطرة على منابع النفط والغاز في المنطقة وعدم السماح بقيام اَي كيان سياسي يعادي تلك الأطماع . وكذلك ادراك البارزاني الخالد ان القوى العالمية لن تتخلى عن شركائهم الاستراتيجيون في المنطقة ولعل تركيا العضو في حلف الناتو هي احد تلك الدول التي لا يمكن السماح للكورد في ان يقوموا بمحاولات لتقسيمها الى دويلات تكون ضعيفة ولا تملك مقومات الدولة القوية التي تطمح الدول الغربية في التعامل معها . لذا اتبع الحزب الديمقراطي الكوردستاني الوسطية في التعامل مع بغداد والمحاولة دوما في ان يكون الكورد شركاء حقيقيون في صناعة القرار السياسي العراقي والتعامل مع المعطيات السياسية وفق الدستور العراقي والدخول في العملية السياسية رغم العراقيل التي تواجهها القوى الكوردستانية من قبل العديد من الأحزاب العراقية العربية التي تخالف الكورد في تطلعاتهم المشروعة في حقوقهم ضمن مبدا الفيدرالية او الكونفدرالية.
. يتمتع الحزب الديمقراطي الكوردستاني بمصداقية الشارع العراقي باختلاف التوجهات السياسية والاثنية وحصل على التأييد الجماهيري الكبير من قبل المثقفين العرب داخل وخارج العراق وذلك باتباعه السياسة الهادئة في حلحلة الأزمات ولعل اخر تلك الأزمات التي اعقبت الاستفتاء الذي أجراه الشعب الكوردي في ٢٥/١٠/٢٠١٨ والذي تسبب في أزمة كبيرة بين اربيل وبغداد وصلت الى حد المواجهات العسكرية والاقتتال الذي فرض على الكورد ولكن بحكمة السياسة الواقعية والعقلانية للحزب الديمقراطي الكوردستاني وقيادته استطاع الكورد تجاوز المرحلة بهدوء والحفاظ على المكتسبات السياسية للشعب الكوردي .
بالمقابل فان الأحزاب الكوردية وبالاخص حزب العمال الكوردستاني PKK الذي تبنى النضال الثوري في تركيا ورفع شعار استقلال كوردستان الكبرى دون تحديد الأهداف والرؤية لتحقيق تلك الشعارات وكيفية العمل مع الدول المهيمنة على كوردستان وخصوصية كل دولة وخصوصية نوع الحكم في تلك الدول ، مما اضطره الى رفع السلاح والمقاومة العشوائية في الجبال الشاهقة واستخدام اسلوب ( حرب العصابات ) في مواجهة القوى العسكرية التركية التي تمتلك الأداة العسكرية المتطورة والعلاقات الدولية المميزة وبالاخص مع الدول التي يراهن عليهم الكورد في الوقوف مع قضاياهم السياسية العادلة . لقد اتبع العمال الكوردستاني منذ تاسيسه سياسة الترهيب لكل من يعاديه في الآراء والأفكار وحتى ألمقربين منه وكان هذا احد اسباب عزلته الدولية وتسميته ضمن الأحزاب الارهابية في الشرق الاوسط . ان الثورة التي تعتمد على المنظومة العسكرية دون السياسية حتمًا سوف تواجه تحديات سلبية كبيرة ، لان المسارين العسكري والسياسي هما متوازيان لأي قضية ثورية ولكن للاسف حزب العمال الكوردستاني لم ينتهج المسار السياسي بواقعية ووضوح وهذا ما جعله يتخبط في اَي عملية سياسية تخص حقوق الشعب الكوردي في تركيا . ولعل من اهم المحطات التي أضعفت الحزب محليًا ودوليًا هي العزلة الدولية عقب استخدامه اسلوب الاغتيالات الخارجية في الدول الغربية واستخدامه اسلوب الابتزاز للحصول على الدعم المادي من قبل الكورد المتواجدين في الدول الأوروبية .
ان الفارق بين الحركات السياسية الكوردية الواقعية والغير واقعية هو ان الواقعية جائت ضمن تجارب سياسية ومراحل تاريخية أعطت مفكريها النضوج في اتخاذ القرارات المصيرية المتعلقة في المطالبة بحقوق الشعب الكوردي بينما اللاواقعية جاءت عبر الصدفة السياسية والاعتماد على القوى السياسية المحلية للأحزاب الغير كوردستانية مما جعلها ان تكون اداة بيد تلك القوى السياسية والنتيجة كانت سلبية على طموح الشعب الكوردي في كوردستان تركيا التي تعتبر اهم جزء لكوردستان الكبرى .