الشاعرة الكويتية سعاد الصباح، و ” يوميات يهودي من دمشق”

 

                                                                               

اعداد: عدنان رحمن

اصدار: 23- 1- 2024

 

 

 

عن دار سعاد الصباح للنشر والتوزيع صدرت الطبعة الثانية في العام 2017 بعد ان صدرت الطبعة الثانية عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في العام 1993، كتاباً اختصت بدراسة في الشعر بعنوان ( عزف على أوتار مشدودة- دراسة في شِعر سعاد الصباح) للـ ( د. نبيل راغب)، وفي جزء منها:

– ” في قصيدة حق ( الحياة) التي تجسد نغمة أثيرة عند سعاد الصباح، نغمة المرأة الثائرة على سجون عصر الحريم، نجد هذا الصراع بين وامل اليأس والاحباط والاذلال والضياع وبين الإصرار والإرادة والعزيمة الحفاظ على كبرياء المرأة وكيانها الإنساني الحق، تقول الشاعرة:

ويل النساء من الرجال إذا استبدوا بالنساء

يبغونهن أداة تسلية، ومسألة اشتهاء

ومراوحا في صيفهم… ومدافئا عبر الشتاء

وسوائما تلد البنين. ليشبعوا حب البقاء

ودمى تحركها أنانية الرجال كما تشاء

وتذل للرجل الإله كأنه رب السماء

ما دام يمنحها المؤونة، والقلادة، والكساء

لا.. لن نذل، ولن نهون، ولن نفرط فى الإباء.

لقد انتهى عصر الحريم وجاء عصر الكبرياء.

وجلا لنا حق الحياة، فكلنا فيه سواء.

 فبرغم كل عوامل الاحباط المحيطة بالمرأة والمتربصة بها كما تجسدها الشاعرة، فإنها لا تزال، وستظل، مُصرّة على مقاومة الذل والهوان، وعدم التفريط في الإباء، فهى تؤمن ايمانا جازما بأن عصر الحريم قد رحل ليحل محله عصر الكبرياء وحق المساواة بين المرأة والرجل. ولن يحارب للمرأة معركتها سواها. ولذلك ترفض سعاد الصباح صورة المرأة الرومانسية السلبية القديمة التي تستجدى الحب والوجود والكينونة من الرجل الذي يتصرف نحوها كأنه رب السماء. فلم تعد الدموع والآهات والتوسـلات والابتهالات هي الغذاء اليومى للمرأة فى هذا العصر المحموم، حتى يطل عليها الرجل بطلعته البهية ويتنازل ويتعطف عليها بابتسامة تنم عن رضاه. ولذلك فإن آهات المرأة الآن هي زمجرة البركان قبل الانفجار، تقول سعاد الصباح في قصيدة ( آهة):

قلبى تميمة حزن

مقرونة بالسواد

ونظرتى بنت يأس

وبسمتى من حداد

و ناظرای ضفاف

يرسو عليها سهادى

وزورقى ليس يرسو

فكل يوم بوادى

أواه لو ذقت مثلى

عذاب كأس البعاد

اذن لهالك أنى

أعيش والدمع زادى

بحرقة في عيوني

وخنجر في فؤادي

فإن رأيت ابتسامى

فالنار تحت الرماد

وكل أهة ليل

تذيب قلب الجماد

 

 

 

 

هذه الصورة الكابوسية لا تحمل أية ملامح لصورة المرأة الرومانسية القديمة وهى تعانى من كأس البعاد. فالكأس هنا لا تعنى بالضرورة البعاد عن الحبيب، وإنما البُعد عن تحقيق الأمل والكيان والوجود بصفة عامة. صحيح أن القصيدة تبلور كل المفردات الرومانسية التقليدية مثل سهاد الليل، والزورق التائه، والدمع الهتون، وحرقة العيون، لكن نغمة الاستسلام تتوارى في الخلفية. فقد أغرم الرومانسيون بأوهام الماضي ورماد السنين، أما سعاد الصباح فلا تزال تشعل النار تحت الرماد. ولذلك نجد معظم قصائدها ساخنة مشتعلة، مزمجرة فى رومانسية ايجابية خلاقّة وبعيدة عن برودة وقشعريرة الرومانسية السلبية التى تفضل اللون الرمادى على الأحمر. ومن خلال العلاقة الجدلية بين اليأس والأمل، بين الاستسلام والإصرار، بين الضياع والعزيمة، تجسد سعاد الصباح القيمة الحقيقية للإنسان التي لا تتبدى فى عنصر واحد فقط من هذين العنصرين، فالإنسان لا يصبح انسانا إذا طواه الاحباط تماما كما يصوره الرومانسيون السلبيون، أو إذا تحققت كل أمانيه كما يصوره الواقعيون الاشتراكيون. فإن هذا من شأنه أن يحيل وجوده إلى كيان استاتيكى جامد لا إرادة له لأنه لا يوجد هناك ما يرفضه أو يتمناه. أما مقاومة اليأس والسعى وراء الأمل فمن شأنه أن يجعل الحيوية الحقيقية تدب فى ارادته وأوصاله، هنا تتجلى حكمة الوجود فلولا اليأس لما ذقنا الأمل، ولولا الأمل لما عرفنا معنى اليأس، وبين هذا وذاك تكشف لنا سعاد الصباح الحياة في أروع مظاهرها وأصدقها. فمن الدموع تنبت الآمال، ولولا الموت ما عرفنا الحياة، ولولا الظلام ما رأينا الضياء. فالحياة لا يمكن فهمها إلا من خلال المقارنة بين الأضداد، وأى شيء فيها لايمكن ادراكه إلا من خلال تناقضه مع ضده هكذا. وقديما قال العرب: (( وبضدها تُعرف الأشياء)).

وهذا يعنى أن سعاد الصباح تملك نظرة محددّة إلى الكون والحياة، وما قصائدها سوى تنويعات على هذه النظرة، فهى مثل معظم الشعراء الرومانسيين تبحث عن زمن ضاع ومعه كل الأشواق والأحلام والأماني والآمال والنقاء والطهر والبراءة، ومع مأساوية هذا المضمون الفكرى فإن الشاعرة لا تزال تتشبث بالإرادة والاصرار على اعادة هذا الزمن حتى تكتسب الحياة معناها الحقيقى. فهى تجسد حيرة الإنسان في الكون بصفة عامة وفى المجتمع المعاصر بصفة خاصة. فالإنسان لايملك سوى التساؤل في مواجهة الغاز القدر. إنه يسعى جاهداً لفك هذه الطلاسم، ولكنه عندما يظن أنه توصل لفك أحدها، يجابه بمعضلة أقسى وأصعب. وهكذا يدخل فى دوائر مفرغة وطرق مسدودة لا نهاية لها، ومع ذلك لا يكل، لأن الكلل لا یعنی سوى الموت والعدم اللذين يشكلان احدى النغمات الأساسية في شِعر سعاد الصباح. ونحن لانستطيع أن نجبر الشاعرة على أن تكون متفائلة بالاكراه، ذلك ان ما يهمنا هو صدقها الفنى سواء فى تفاؤلها أو تشاؤمها. وتشاؤم صادق خير من تفاؤل مزيف”.  

 

 

 

وفي رواية ابراهيم الجبين التي كانت بعنوان ( يوميات يهودي من دمشق) الناشر لها دار خطوات للنشر والتوزيع- دمشق- سوريا، والتي صدر منها الطبعة الاولى عام 2007، وفي صفحتها الاولى ورد:

– ” هذه الرواية تستند الى احداث وشخصيات حقيقية.. بعض الاسماء تم تغييرها لضرورات تتعلق بسلامة اصحابها. ( كتبت هذه الصفحات في كل من دمشق وحلب وسياتل ونيويورك)”.

     وقد ورد في بعض صفحاتها:

– ” اسمع إخـاد… لطالما شدني سؤال حول يهود الشرق، وفكرت كثيراً بأناس مثل شحاتة هارون ولد شحاتة هارون.. لا تعرفه؟ ولد في القاهرة لأبوين مصريين يهوديين، أصوله سورية، وجاء أجداده لمصر في القرن التاسع عشر، وعمل والده الخواجة ( هارون- كما كان يطلق المصريون على اليهود في أوائل القرن العشرين) بائعاً في محل ( شيكوريل) للأزياء- الملابس بعد ذلك أرسله والده إلى مدرسة الفرير الكاثوليكية، ولما وجده لا يعرف أصول الديانة اليهودية أحضر له حاخاماً لتعليمه، ثم حين لاحظ ضعفه في اللغة العربية أحضر له شيخاً أزهرياً ليعلمه قواعد النحو والصرف، حتى أنه يقول عن نفسه:

– ( إن الديانات الثلاث قد أثرت- بشكل أو بآخر في تكوين فكري).

– أعرفه يا صديقي دعني أتابع لك كيف سارت حياته درس الحقوق في جامعة فؤاد الأول، وانضم إلى التنظيمات الشيوعية التي ماجت بها القاهرة في الأربعينيات من القرن العشرين، وتم القبض عليه سنة 1946. وعندما بدأ ترحيل اليهود المصريين رفض شحاتة السفر، وتمسّك بجنسيته المصرية وكان قد اشترك مع القوى اليسارية في تكوين الرابطة الإسرائيلية للكفاح ضد الصهيونية في نيسان سنة 1947، ووقع بيانها خمسة من اليهود اليساريين وكان يقول:

– لن أترك مصر، ولو قطعوا رقبتي، إنها وطني.

عمل في المحاماة وتخصص في تسجيل ورعاية براءات الاختراع وتعرض مكتبه لفرض الحراسة من الدولة عام 1956 واعتقل عدة مرات لمعارضته عام 67 و 75، بسبب الشك في ولائه لمصر، وفي الـعام 1979 بسبب اتفاقية كامب ديفيد، وكان مطلوباً فى أحداث سبتمبر 1981 وفق قرارات التحفظ على القوى الوطنية في مصر.

– ولكن أنت لا تنصف الرجل… لم لا تكمل إخاد.. عن ما كان يفعله شحاته هارون؟… في العام 1967 فتحت نقابة المحامين المصرية باب التطوع لمساندة القوات المسلحة فكتب شحاتة إلى النقيب أحمد الخواجة يقول:

– عزيزي أحمد، تحية كفاح أبعثها إليك مع استمارة التطوع.. تاركاً لك اختيار المكان الذي أستطيع فيه أن أؤدي حقي وواجبي في المعركة إذ اعتبر مجلس النقابة قيادة لي.

أو رسالته إلى محمود درويش عندما خرج من حيفا التي قال فيها:

– تحيتي من القاهرة، صخرتي التي لن أبيعها باللآلئ. حبيبتي التي لن أهجرها.. أنت وأنا الأمل.. لو عدت أنت لحيفا، وصمدت أنا في القاهرة”.

وفي مكان آخر أورد:

– ” سأروي لك المزيد عن شحاتة… كان له ثلاث بنات منى ونادية وماجدة، ولم تعرف نادية وماجدة بحكاية أختهن الكبرى إلا بعد أن كانت صغراهما في الخامسة عشرة، لأن منى ماتت وهي صغيرة وكان شحاتة يمزق كل الصور الخاصة بها، لأنه لا يريد أن يتذكرها أبداً. أصيبت منى في الخمسينيات بمرض في الدم، وكان لا بد أن يتوجه إلى باريس لعلاجها.. فتقدم بطلب التأشيرة، ولكن السلطات أبلغته بأنه إذا سافر فلن يعود إلى مصر أبداً. وبعد جدال طويل قرر أن يبقى في مصر، حتى لو كان هذا يعني أن يفقد ابنته الكبرى، وهذا ما حدث في ظل الإمكانات الطبية المتاحة بمصر آنذاك، وقد حزن عليها كثيراً، وأحرق كل الصور الخاصة بها، لأنه يريد أن ينسى الأمر”.

وايضا اضاف:

– ” يُعبر عن رأيه ورأي حزبه اليساري التوجه ( حزب التجمع المصري) الذي كان عضواً مؤسساً فيه. تمكّن منه الزهايمر في آخر عمره، ولم يعد يستطيع التعايش والتواصل مع من حوله تزوجت ابنتاه ماجدة من طبيب كاثوليكي إيطالي الأصل، وتزوجت نادية من مصري مسلم، مما جعل بيته الذي كان يسميه أصدقاؤه ( محطة مصر) نظراً لكثرة زواره- أكثر البيوت في العالم احتفالاً بالمناسبات الدينية”.

وايضا:

– ” فنشروا كلمة تلخص فلسفته في الحياة كتبها قبل موته كان قد أوردها في كتـــابه الوحيد ( يهودي في القاهرة).. قال فيها:

– لكل إنسان أكثر من هوية، وأنا إنسان مصري حين يُضطهد مصريون أسود حين يُضطهد السود.. يهودي حين يُضطهد اليهود. فلسطيني حين يُضطهد الفلسطينيون. كما قلت… رومانسيات… مجرد رومانسيات”.

قد يعجبك ايضا