الموسيقى والغناء أللغة الثقافية المشتركة للشعوب الغناء في كوردستان

 

 

الجزء الثالث

 

1- الغناء الكوردي:

 

 

“كوردي كه عاشقي كوردستان نه بي

خزمه تكوزاري نيشتمان نه بي

باكى به ناله ى هه زاران نه بي

دل ته نكي جه ورى دوزمنان نه بي

خوايه ئه و هه ر كه سادى بي”

 

دلزار

 

عميد الطرب الكوردي علي مردان

ان روح الوطنية في االشعر الغنائي الكوردي ترجع الى عصور قديمة حيث ان الهم الوطني وكل ما يتعلق بالوطن “كوردستان” ( وولاتي من كوردستانه …) لازم وتواجد في وعي الشاعر والمطرب معا ومنذ الازل. في نفس الوقت يجوز الادعاء بان الفنان الكوردي كان على وعي متقدم زمنيا بالمقارنة مع جميع الطبقات الاجتماعية الاخرى في المجتمع وفي كافة اجزاءه . ذلك الوعي الذي قاده الى الإيمان بأهمية المناداة بحب الوطن والتغني بجمال رباها وجبالها وابراز العلاقة بين الانسان – تراب الوطن – الحبيب في كافة ميدان الإبداع الادبي.

 

 

اذ كان وهو يغني للوطن وطبيعتها الخلابة يجمع بين الحب الازلي ل ادم ل حواء مع حب تراب الوطن والجدير بالذكر ان الشعر الغنائي الكوردي متجرد تماما من تاثير الانغلاق والتقوقع الاجتماعي. نرى معان الكلمات واستخداماتها الواسعة ولا نرى تاثير انعكاسي قوي للدين والأعراف على النصوص الشعرية الا في الانشاد الديني عند المتصوفة والدراويش والعديد من الطرق الدينية الاخرى المنتشرة في كوردستان حيث يسموا النص المقدس وكلماته في مديح الخالق البارئ عز وجل.

لذا نجد مساحات واسعة ومواضيع شتى يتطرق اليه الشاعر ويتجاسر في طروحاته الى الممنوع والغير مباح ، ضاربا احيانا حتى الاعراف عرض الحائط في تصويره لمحبوبته او حتى لوصفه اياها فليس هناك من محرم او ممنوع وحتى هناك العديد من الإشارات الرمزية للعلاقة بين الذكر والأنثى لا يجد المرء اثر لها حتى في الاشعار الغنائية الحديثة.

 

 

 

من يتجرأ من الشعوب الاخرى على ذكرها او حتى كتابتها يا ترى؟

فالشعر الغنائي الشعبي الكوردي حر وينطلق في سماء الخيال بلا حدود وقد كان الشاعر الكوردي منفتحا وقادرا دوما شق جدران التقاليد البالية في المجتمع والكتابة بحرية رغم ان هناك خاصية لدن السيدة الكوردية لا توجد ربما في سواها الا وهي:

انها كانت دوما تدخل المنتديات الرجالية وتجالسهم وحتى هناك سيدات قادت عشائرهن وكن رئيسة قبيلة وشاركن في الحروب والمعارك كذلك. بينما نرى بان السيدة الكوردية  محتشمة في ملبسها الشعبي ولكن لا نرى اي مظاهر للتحجب اي لبس العباءة عبر تاريخها وقد يكون من الغريب ان نرى احدى النساء تلبس العبائة في الريف بينما تكون العباءة احد مظاهر التمدن في الحواضر الكوردستانية الكبيرة ك اربيل وكركوك والسليمانية في حين جاءت العباءة السوداء الى مدينة الدهوك في وقت متاخر بالمقارنة مع المدن الكوردستانية الاخرى وربما كان اثر وجود اخواننا من الطائفة المسيحية في المنطقة ومنذ التاريخ ايجابيا على التطور والنظرة المنفتحة لابناء تلك المنطقة .

 

 

كوكبه من الفنانين الكورد

 

كذلك لا نرى اي اثر للعبائة في كوردستان في ايران وتركيا وكان الشعراء الكورد الاوائل ممن دعوا الى السفور حتى هؤلاء اللذين كتبوا بالعربية من امثال الزهاوي والرصافي وبلند الحيدري رغم ان الشعر الكوردي في تركيا اكثر محافظا واقل تحررا وبقى تحت تاثير الخالد احمد خاني ولحد يومنا هذا كما جاء ذكره سابقا.

 

 

 

لذا اتجرء ان ادعي باني لم اقرء شعرا بهذه الجراءة والانفتاح كما هو عليه الشعر الشعبي الغنائي الكوردي وعلى الأخص في ايران والعراق. انظر مثلا الى اشعار “شيخ رضا الطالباني” ومدى تجرؤه في تسمية الأشياء بأسمائها وعرض العلاقات الانسانية بشفافية ومعالجته مواضيع عديدة كانت ولا تزال ” تابو” اي محرمة تداولها في المجتمع الشرقي حتى وان كانت تلميحات جنسية عابرة واعتبار “العيب” كلمة دخلت الاعراف الكوردية بشكلها الحالي ربما بعد دخول الإسلام الى المنطقة .

 

اذن فالشاعر الكوردي بصورة عامة كان ولا يزال قد شق شرنقة الاعرف والتقاليد البالية وبات شعره “المتحرر” كذلك يدور على الالسن يرددها العامة من الناس دون اي إحراج او مبالات لمعاني الكلمات الواردة فيها ” ده ستم برد بو مه ماني نا وه خت بو هيج نه مزاني………..” . استغل العديد من الشعراء وبفطنتهم هذا المجال فادخلوا العديد من الافكار السياسية كامناداة بالاستقلال او بالاشارة رمزيا الى امال الشعب واحلامه مرددين كلمة “كوردستان” التي كانت ولا تزال في العديد من اجزاء الوطن الكوردي ممنوعا. واني لارى بان الجراءة في التعبير وطرح الهموم الوطنية للشعب كان هما مقدسا حمله بصورة عامة كافة الشعراء وسجنوا من اجل افكارهم فهذا احد اكبر شعراء الكورد المعاصرين عبد الله كوران يفترش ارضية سجون العراق وينفى شاعر الكورد المجدد “شيركو بيكه س” ليدور في عواصم الدنيا زارعا الامل في قلوب المهجرين والمنفيين. نادرا ما تجد ان شاعرا لم يذكر كلمة “كودستان” في اشعاره وخاصة الشاعر الشعبي الغنائي الذي يجري الوطن في عروقه ويحملها معه كل مكان. هذا ناهيك عن الاغاني الوطنية الصرفة او ما يسمى بالنشيد الذي بطبيعته يحمل عناصر الوطنية وحب الوطن والتمجيد بماضيه وتاريخه وهذا احد المبدعيين المثقفين الواعين للهموم الانسان الكوردي واعني به الشاعر الخالد “ابراهيم احمد” ينقلنا بطفرة الى اعماق التاريخ ليجدد فينا الطموح والامال وليغني الشباب بكلمات جادتها قريحته الابداعية اليوم اجمل اشعار الكورد. ياخذ الكرد في سوريا على الاكثر هذا المنحى الاخير ويغلب طابع الحماسي على اغانيهم نتيجة مباشرة لسياسة الدولة السورية التهميشية تجاه الكورد وقد تاثر العيد من المطربين باشعار الخالد “جكر خيون” وطرحه الاممي للمواضيع بصورة عامة بينما نرى ان الغناء القادم من وراء ” ارارات” قليل ومعظمها باللهجة الكرمنجية.

 

 

نرى لو كان مثلا الحكومات العنصرية التي حكمت العراق فطنيين الى معاني العيد من الاغاني لمنعوها العديد ولكن الشاعر بقى ملما وخبيرا بادواته الشعرية من رموز واشارات وتلاميح كافية لمعرفة المستمع الكريم النبيه لمقاصده ومعانيه”شيرين به هاره به هاري شادي …” فلو ذكر الشاعر ان المطر بدا بالهطول مرة اخرى ” ديسان بارانه …” لربما كان يقصد بان الحركة والثورة الكوردية اندلعت وانطلقت شرارتها مرة اخرى فيرددها الملايين. وقد التقيت باحد عمالقة المطربين الكورد المرحوم “طاهر توفيق” وكان في زيارة لوالدي المرحوم في محله ب شارع الرشيد في بغداد ومعه رزمة من كتب دفع احد الكتب لي قائلا:

تفضل اقرء اجمل ما كتب من شعر غنائي في اللغة الكوردية. بالطبع ما كان قد غناه هو بحنجرته الذهبية وبصوته الرخيم.

هذا كان في السبعينات حيث كان العامة يرددون في كل مناسبة رائعة فنان الشعب “شيرين بهاره” واغاني ” احمد الخليل” وكان الجو العام ملائما لانطلاقة حركة فنية متميزة استمرت الى عم 1975 حيث قضى اتفاقية الجزائر المشؤمة على احلامنا ولو لبرهة. جاء الفنان طاهر توفيق باصدار اخر وفي عام 1983 وهي لمجموعة من الاشعار الغنائية للشعراء الكورد غناها كذلك في فترت مختلفة استمرت خلال اكثر خمسة واربعون سنة من حياته الفنية الغنية والمبدعة. عنوان مجموعته الجديدة التالية كان “وردة الحرية” والعنوان مقتبس من قطعة شعرية بديعة بنفس العنوان غناه مطربنا عام 1958 بعد ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة كتبه الشاعر “بختيار زيور”. الواقع عندما التقيته اول مرة كان يتحضر للسفر الى لندن للمعالجة واجراء الفحوصات الطبية والظاهر تلقفه هناك العديد من محبيه ومريدي ومستمعي فنه ودعوه الى حفلة عائلية غنى فيها كل ممنوع وخاف على نفسه حين عاد ان يشي به احدهم لدن جلاوزة رجال الامن عند عودته الى الوطن.

يعتبر الفنان والاذاعي والمسرحي والمطرب المرحوم “رفيق جالاك” فنان وبحق و بكل المقايس بل مدرسة فنية متميزة ومثقفا من الدرجة الاولى حمل في نبرة صوته الحزين وترجم امال الشعب الكوردي وكان من الرواد في عالم الفن حيث شارك في ارساء دعائم الحركة الفنية والمسرحية في مدينة السليمانية قبل ان ينتقل الى بغداد مع اعلان اذار 1970 ليعمل في وزارة الاعلام انذاك .

قد يعجبك ايضا