التأخي / كوثر السليم
حمل قرار المجلس الأعلى للإعلام في مصر، والذي يقضي بمنح التراخيص المطلوبة لنحو ثمانين موقعا إخباريا جديدا، مؤشرا على وجود توجه رسمي نحو تطبيق التعددية والتنوع والتقنين، لكن الخطوة قد تصطدم بممنوعات سياسية تمثل عائقا أمام الصحف الإلكترونية الجديدة في سعيها للانتشار وتحقيق المنافسة .
وتريد الحكومة أن تظهر أمام الداخل والخارج بأنها منفتحة على الإعلام ولا تهدف إلى تقييد حرية حركته، وتعمل على شرعنة الصحف التي كانت تعمل بطريقة غير قانونية وتواجه مصير الغلق لكونها لم تحصل على التراخيص المطلوبة، في محاولة لإقناع خصومها بأنها ماضية في تهيئة المناخ العام وإطلاق الحريات الإعلامية .
وأتاحت الهيئات الإعلامية أمام أي موقع إخباري أن يتقدم للحصول على ترخيص رسمي بمزاولة المهنة، في خطوة تعبر عن وجود توجه نحو ترك الحرية أمام الإعلام للقيام بدوره الطبيعي بلا قيود صارمة أو إقصاء للأصوات المعارضة، غير أن المتابعة الدقيقة للكثير من الصحف الجديدة توحي بأنها نسخة من نظيرتها الحكومية .
ولم تقم الحكومة بتحركات جادة على الأرض لتهيئة المناخ العام أمام الإعلام، على مستوى المنابر المملوكة لها أو الصحف الإلكترونية الخاصة التي دخلت المنظومة مؤخرا، ولا يعرف الجمهور بالضبط هل المشكلة في الرقابة المفروضة على الإعلام أم في رؤساء تحرير وملاك المنابر الجديدة وخوفهم من الصدام مع دوائر النظام .
وتمثل خطوة منح التراخيص للعشرات من الصحف الإلكترونية بداية لتصحيح مسار مهنة الصحافة عموما، لأن الكثير من المواقع الرقمية غير القانونية أربكت المشهد الإعلامي بسبب عدم التزامها بالحد الأدنى من المعايير المهنية والأخلاقية وتجاوزها ميثاق الشرف الإعلامي والاعتماد على الإثارة أحيانا لتحقيق نسب مشاهدة مرتفعة .
ومع زيادة الخطوط الحمراء أو الممنوعات الحكومية استمرت القيود المفروضة على الإعلام لأنها تحد من دوره مقابل منح الفرصة لمنابر بعضها معاد للدولة، حيث يقوم بنشر وإذاعة معلومات مضرة بالدولة دون إدراك أن التجاهل الرسمي والإعلامي لأحداث بعينها لن يوقف آخرين عن تناولها بطريقة تتناسب مع أجنداتهم السياسية .
وقد يكون بعض المسؤولين عن إدارة الصحف والمواقع القديمة والجديدة مرتاحين لوجود قائمة ممنوعات تعفيهم من تحمل مسؤولية المعالجات الخاطئة التي يمكن أن تغضب السلطة، لكن ذلك يعزز مكاسب منصات التواصل الاجتماعي التي اكتسبت قوة وتأثيرا في مناقشة قضايا محظورة في الإعلام، ما أضر بالجميع
ولم تصنع الصحف الرقمية الجديدة بعد حالة إيجابية تجعل الجمهور يتفاءل بمستقبل الإعلام في مصر، وأكبر دليل على ذلك أن الكثير من المواقع الإخبارية التي حصلت على تراخيص لم يسمع بها الناس، وهو ما يفسر لأي درجة تتجنب النسبة الأكبر من هذه المنابر ملامسة احتياجات وطموحات الجمهور، على الرغم من أنها خاصة
ويفترض أن جميع المواقع الإخبارية التي حصلت على تراخيص بعد تقنين أوضاعها كانت تعمل بشكل فعلي منذ فترة، أيّ أنها موجودة في المشهد ولم تصنع الفارق الذي يجعل الناس يشعرون بتغير إيجابي في المنظومة، وسواء أصبحت هذه المواقع مشروعة أم لا، فهي في النهاية لن تقدم ما يطلبه الجمهور الناقم على إعلامه الرسمي .