تراكمات الأخطاءً والظلم والاستبداد تؤدي الى السقوط

سالم اسماعيل نوركه

في الحياة نتعلم من خلال تجاربنا وتجارب الآخرين و على مستوى الدولة من تجاربها ومن تجارب الدول الاخرى فقط يتطلب ويتعلق الأمر بالتاريخ ونقصد به دراسة تاريخ الجنس البشري وليس الدولة ولفترة محددة وكل عصر وثقافة مستمدة من سابقتها والانسان ايضاً ليس أبن اليوم أذ هو أبن تكوين السنيين والمحيط والعلاقات والصداقات والتأثير والتأثر واهم شيء في دراسة التاريخ هو الموضوعية وهي أحد صفات المؤرخ الجيد اضافة الى صفات اخرى يجب ان يتصف به منها التجرد من العواطف والأهواء والميول الذاتية، ويتميز باستقلال شخصيته وعدم تسليمه الكامل بكل ما يقرأ بل يخضع ما يطلع عليه من وثائق وأوراق؛ للنقد ولا يُسلم تسليما مطلقا بالآراء التي بين يديه والتي أقرها غيره، فقد تقوده دراسته وبحثه إلى نتائج تخالف ما ذهب إليه السابقون.

ويتصف المؤرخ الجيد باتساع الأفق العقلي وتفتح البصيرة، والتجرد من الخرافات والأساطير التي تنتج أفكارا خاطئة وأنماطا غير سليمة من التفكير، كما أنه يتسم بتقبل النقد والاستعداد لتغيير أو تعديل الفكرة أو الرأي إذا ثبت خطأها في ضوء ما يستجد من حقائق وأدلة مقنعة وصحيحة، وأن الحقائق التي توصل إليها في البحث التاريخي ليست مطلقة أو نهائية، ويكون هدفه الأساسي إظهار الوقائع والحقائق بغرض الوصول إلى جوهر الحقيقة التاريخية وحدها وأن يكون واسع الاطلاع ومحباً له في مختلف المجالات عامة وفي مجال اختصاصه خاصة، كما أنه يملك القدرة على التعبير الجيد والقدرة على استنتاج معلومات صحيحة من غيرها الخاطئة أو المشوشة، كما أن لديه ملكة نقدية لتحري الوقائع والأحداث، وعليه ألا يتأثر في كتاباته بالمؤثرات الحزبية والسياسية أو بما يعتنق من نظريات وقيم جمالية وأخلاقية وسياسية أو بالظروف الاجتماعية بقدر المستطاع والكلام عن كل شيء الازدهار والانتصار والعيوب والهزائم والانكسارات والصدق وطرح الحقائق كما هي ، عليه أن يبين بأن أشخاص كانوا في موقع المسؤولية في فترة زمنية ما أخطأوا في الوقوف الى الجهة الصح وقف مع العثمانيين ضد الانكليز وأضروا بأمتهم نتيجة لتلك الوقفة واليوم رغم مرور زمن طويل على رحيله يمجد رغم ذلك الخطأ التاريخي الذي كلف الامة الشيء الكثير ولليوم الجماهير تدفع ثمن تلك الوقفة الخاطئة ونحن نتحدث عن أحداث وقعت في الحرب العالمية الاولى في العراق كان من الممكن أن ينصب ملكاً على العراق ! وللآن يستمر ذلك الاستنتاج الذي مرره شخص ما والمشكلة انه حدث في العصر الحديث والمعاصر وكيف الحال ونحن نبحث في أعماق التاريخ فكم من المغالطات قد مررت لغاية في نفس ( يعقوب ) وفي موضع آخر نرى إن سين من القادة يظهر مرّة زعيماً فارساً ومرة اخرى قائداً شعوبياً ودكتاتور وزعيم أوحد ! مع انه ذات الشخص في تاريخ العراق الحديث وكأنما نتحدث عن عدد من الأشخاص لأن النظرة تختلف عليه من زمن لآخر ، المؤرخين بعضهم شغلهم الشاغل تغير التاريخ لغايات مغرضة أو محاولة ترضية السلطان وما يريد والبعض ينطلق من فكرة مسبقة والاخر ينقصه الإحاطة بالتاريخ بل ويتقصد التلاعب به والبعض ارتضى على نفسه أن يكون محامي شيطان الزمن الماضي ولأنَّ السلطة لاتقبل الاساءة لخلفاء بني عباس مثلاً فلا يجوز ذكرهم بسوء وإن كانوا كذلك لغاية في نفس سلطان اليوم وهكذا ربما أشياء شبيهة كالتي ذكرناها دفع صموئيل بتلر (1835-1902 الروائي والرسام النيوزلندي على القول : ( إن الله لا يستطيع تغير الماضي ولكن المؤرخين يغيرونه) 1 والمطلوب تربوياً وانسانياً تعليم التاريخ بلغة صحيحة للجيل الجديد دون تعصب طائفي او قومي وكل انواع التعصب لذا مثلاً لايجوز القول بأن أي الحضارتين أقدم هل الحضارة المصرية ( وادي النيل ) أم الحضارة العراقية( وادي الرافدين ) مع إن الأمر محسوم لصالح الأخيرة بشكل عام ويسّر فلا يخفى على أحد بأنَّ مهد الحضارة كان في بلاد الرافدين (الحضارة السومرية) من حوالي 4000 قبل الميلاد ، نشأت المرحلة الأولى من الحضارة السومرية كأقدم حضارة في منطقة بلاد ما بين النهرين، في ما يعرف الآن بالعراق، سمي السومريون على اسم مدينة سومر القديمة التي كانت على بعد أميال قليلة جنوب مدينة الكوت الحديثة شرقي العراق، يسمي علماء الآثار المرحلة السومرية الأولى بفترة أوروك .

الحضارة هي النتاج الفكري والثقافي والمادي المتراكم لأمةٍ من الأمم والتي تمنحها خاصيةً مميزة عن الأمم الأخرى. ولا يمكن حصر الحضارة على الجانب المادي فقط كالمباني والقلاع والقصور أو اختزالها في أنماطٍ سياسية كالامبراطوريات والأسر الحاكمة والدول بل بما تنتجه أمةٌ ما من خصائص مميزة وفنون .

إنَّ مهمة تدريس التاريخ مهمة شاقة جداً وخطيرة ومهمة ولابد من ايضاح للطلبة والتلاميذ بأن التاريخ المدون غير مقدس وقابل للنقاش والتصحيح والتعديل ولايمكن أخذ كل شيء فيه وكأنه مسلمات وقد شهدت البشرية نشوء امبراطوريات عديدة عبر التاريخ الماضي أنها مسيرة البشرية جمعاء شهدت البشرية امبراطوريات آسيوية واسلامية واوربية ومنها تلك القديمة جداً وقسمت العالم بين الامبراطوريات مثلما قسمت في العصر الحديث بين الاتحاد السوفيتي السابق وامريكا وتزعمت الاخيرة العالم كقطب واحد لفترة من الزمن يبدوا أن الوقت حان لانتزاع تلك القطبية منها ونحن الآن في عصر خطير بكل معنى الكلمة عصر غير مستقر ولابد بطريقة ما أن يتمخض عن عالم جديد ويدار بطريقة جديدة كيف هذا ما تجيب عليه الايام ؟!
تمر الامبراطوريات بمراحل أو عصور منها :
عصر الرواد والازدهار والتقدم
عصر الفتوحات والتوسع
عصر التجارة
عصر الثروة
عصر الاضمحلال والسقوط وهذه المراحل والعصور مرت بها كل الامبراطوريات على اختلافها من حيث وسيلة النقل والتنقل وتكنولوجياتها وتكنولوجية الحرب والمعدات ونوع السلاح وسنأتي بهذا الخصوص على ذكر امبراطوريات باختلاف الزمن ووسيلة النقل وتكنولوجياتها وتكنولوجية السلاح وهما امبراطورية الاشورية ( هي إمبراطورية نشأت في ما بين النهرين وحكمت ( ما بين سنة 934 ق.م. وسنة 609 ق.م )والامبراطورية البريطانية شملت ( دول ذات سيادة خاضعة لتاجها ومستعمراتها و‌ محميات ودول تحت الانتداب وغيرها من الملحقات حكمتها أو أدارتها المملكة المتحدة أو الدول التي سبقتها. وقد برزت الإمبراطورية البريطانية مع ظهور ممتلكات ومحطات تجارية أسستها مملكة انكلترا بين أواخر القرن 16 وأوائل القرن 18. وعدت في ذروتها انها اضخم امبراطورية في تاريخ العالم ولكن قبل ذلك الذكر نود القول إنَّ للسقوط أسبابه منها الاستبداد.

يوضح نموذج نيرون أنه أهم عامل من عوامل سقوط الإمبراطورية الرومانية وتدهورها .. عندما تم اختزال الدولة في شخص يتصرف برعونة وحمق طبقا لهواه.. لكن من المسؤول عن دمار المجتمع: الدكتاتور المستبد الذي لا يجد من يرده أو يردعه عن غيه أم الشعب الذي ارتضى الذل والهوان والخضوع والعبودية
مهما كان الاختلاف بين الامبراطوريات إلا إنها تمر بذات المراحل التي ذكرناها فالإمبراطورية الاشورية وكما غيرها توسعت بالسير على الاقدام والقوس والنبال والسهام وتوسعت على جيرانها من البابليين والميديين والمصريين والفرس وغيرهم من الجوار الجغرافي ممن استطاعوا الوصول اليهم سيراً على الاقدام اما الامبراطورية البريطانية التي قامت فهي وطن في اوربا ومستعمرات في قارات اخرى توسعوا بالسفن والسكك الحديد والمدفعية فقد توسعت في اميريكا الشمالية واستراليا وجنوب افريقيا والهند ونيوزلندا ولم تتوسع على جيرانها من الاسبان والفرنسيين والالمان .

الآن أود القول إنَّ الاخطاء التي ترتكب من قبل الاشخاص والدول قد تتراكم وتؤجل دفع الثمن لأسباب عديدة ولكن سيأتي اليوم التي تدفع فيه الثمن وكلما تراكمت الاخطاء كلما كان الثمن باهضاً مثلما حدث في العراق في 9-4-2003 ومرر القوم دخولهم الى البلد من بوابة وردية ( جلب الديمقراطية ) ولكن البوابة الاوسع للدخول كانت تراكمات الاخطاء عبر زمن امتد من 1968 الى 2003 وظنوا انها بلا ثمن لقد كان الثمن باهضاً جداً مع الاسف ..لقد سقطت امبراطوريات عديدة عبر التاريخ واليوم تسمى دولة عظمى وأسباب السقوط ذاتها وان اختلفت في التفاصيل فهي الظلم والاستبداد والتوسع وارتكاب الاخطاء وتراكمها وتبعاتها والفوضى والحروب العبثية وعدم الاستقرار وانهيار طرق كانت بالامس سالكة ومنها البحرية وظهور قوى واطراف تسعى لتغير معادلات قائمة بأخرى .

بالامس من كان يمتد مملكته في اطراف الارض زالت ذلك الذي كان بتكلم مع الغمامة بالقول : ( اذهبي الى حيث شئتي فأن خراجكَ عائد إلي ) 2 هناك في الماضي ارتكب أخطاء والذين مايعتبرون منها مكتوب عليهم تكرارها مرة اخرى .3 والقوة الغاشمة في طريقها الى الزوال في يوم ما إنَّ ذلك اليوم آتٍ لا محال
وكلام مفيد : ( اجعل التاريخ مستشارك الحكيم .)

_________
1- صموئيل بتلر (1835-1902م هو كاتب ورسام وروائي وفلاح من المملكة المتحدة ، نيوزلندا
2- هو هارُون الرَّشيد، خامِس خُلفاء بني العباس (766-809 م .
3-الفريد ويتني جريسولد .
4- الفرد ويتني جريسولد .

قد يعجبك ايضا