ماذا بعد سياسة تجويع شعب كوردستان؟

صبحي ساله يي

الكثير من الوعود بلا تنفيذ
اعتاد البارعون في فضاء التشويش في العراق منذ عقود عديدة على تزييف الحقائق وتغيير الوقائع لصالح أجندات ومصالح حزبية وسياسية تارة، أو قومية وطائفية ومذهبية تارة أخرى، أو خدمة لأجندات إقليمية ودولية على حساب منع رؤية الصور الواضحة.

في عراق ما قبل 2003، عندما وصل النفاق إلى ذروته، حولوا الانقلاب والمؤامرة إلى ثورة، ونزوات الرئيس إلى أفكار البطل القومي، وقراراته ورغباته إلى ضرورات تاريخية، والمنهاج الحزبي وقرارات مجلس قيادة المؤامرة إلى دستور وقوانين.

وبعد 2003 ونتيجة لقراءات خاطئة غيروا التحرير إلى احتلال، والفساد المأساوي غير المنتظر إلى شطارة غير مسبوقة، ومن خلال وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي دمروا التفاهمات وأطلقوا على ممارسات خرق الدستور تسمية فرض القانون، وغيروا الهزائم والكوارث مكتملة الأركان إلى انتصارات وهمية، والتضليل المرفوض إلى صمود مقبول ومنظم يدفع ثمنه العراقيون من دمائهم وأرواحهم وأموالهم. كما شنوا الحروب الشعواء على كل الذين يطرحون الأسئلة الجادة، حول نواياهم وما يريدون تحقيقه، وما حققوه إلى الآن؟ واتهموهم بالتخوين والتهييج وبمحاولة إجهاض الجهود التي تراهن على الخروج من المخانق والطريق المجهول وإنهاء الأزمات والإخفاقات، ومشاهد التراجيديا الإنسانية التي تذل وتهين.

السوداني يحاول تفنيد ممارسة سياسة التجويع، وتحميل جماعة صغيرة عبء تنفيذ الهجمات التي تشن على كوردستان، دون الذهاب بعيدا معها ودون تحديدها علنا، لأنه على يقين بوجود مصاعب جدية
وكبيرة تواجهه بالنسبة إلى شعب كوردستان، وخلال عقدين من الزمن، كررت حكومات العراق المختلفة والعائشون في هوس وشهوة السلطة ومراكمة المال والثروات عبارات وبيانات وتصريحات على مسامع الكوردستانيين، كـ“نحرص على تنفيذ الدستور ونلتزم بالشراكة والمساواة والديمقراطية”، ولكن، على المستوى الميداني مارسوا بحقه كل السياسات المعيبة القاسية التي بدأت بالترهيب والإقصاء والتهميش والحصار الاقتصادي ووصلت إلى التجويع، وخلال الأيام الماضية تحولت إلى القصف بالدرونات المستوردة من الخارج والمدفوعة أثمانها من أموال العراقيين.

يفسر الكوردستانيون بكل مشاربهم ما نفذته جماعات مشبوهة ضدهم، بحجة متغيرات سياسية وعسكرية يواجهها حلفاؤها، ولهجة الآخرين في الإعلام التقليدي التي تعد قبولا بفكرة التجويع والقصف، بأنها إشارات واضحة إلى احتمالات التفكير بشن حرب واسعة على كيانهم، وإجابة لتساؤلات: ماذا بعد سياسة التجويع التي أسفرت عن أضرار جسيمة؟ وماذا بعد التهديدات المبطنة لكل من سبق أن ألب المشاعر الشوفينية والعنصرية البغيضة وبات يبحث عن أرض بديلة لاستمرار الصراع والابتزاز؟

أما الفاعل السياسي الكوردستاني الذي يتفهم دوافع القوى المعادية ويدرك تكتيكات تبادل وتوزيع الأدوار بين بعض أطراف الإطار التنسيقي، ويدرك أن ثقافة معاداة الكورد متأصلة في عقول الكثيرين ولا تموت، فإنه ما زال متحفظا، لاعتبارات سياسية وأمنية واقتصادية، في خطابه الدبلوماسي وحذرا في تعامله مع السلطات التنفيذية التي لا تمتلك سوى المناورة، ومع الأحزاب السياسية الشيعية التي لها مجموعات مسلحة موالية للخارج ولا تستطيع تغيير إستراتيجية ارتباطاتها، كما لا يريد أن يقطع الخيط الرفيع بينه وبينها، ولا يريد أن يتقاطع مع موقف محمد شياع السوداني الذي يواجه أزمة الدور المزدوج، إذ يدفعه طموحه لإنجاح حكومته إلى تنفيذ الدستور والاتفاقات السياسية والإيفاء بالالتزامات التي طالما أعلن عنها، وخلق الأجواء الهادئة والمستقرة ووقف سياسة التجويع والترهيب التي تصاعدت وتيرتها في العام الماضي ضد الكورد من جهة، والظهور بمظهر القوي المستقل غير المكبل بالضغوط الخارجية والنفوذ السياسي الذي أوصله إلى سدة الحكم من جهة أخرى. لذلك يحاول السوداني تفنيد ممارسة سياسة التجويع، وتحميل جماعة صغيرة عبء تنفيذ الهجمات التي تشن على كوردستان، دون الذهاب بعيدا معها ودون تحديدها علنا، لأنه على يقين بوجود مصاعب جدية وكبيرة تواجهه وتواجه فريقه الوزاري منذ تشكيل حكومته.

قد يعجبك ايضا