ارهاصات بيئية .. بيئة الاهوار

صادق الازرقي

منذ ان أبصرنا النور ووعينا على الدنيا، كنا نسمع دائما عبارة “بيئة الاهوار” وظل ذلك المصطلح لصيقا بأذهاننا منذ وقت مبكر ولم يزل، اذ ان كلمة البيئة التي ارتبطت بالهور كانت متداولة لدينا حتى قبل ان يظهر مفهوم البيئة وينتشر بصيغته الحالية في أيامنا هذه.

السبب طبعا، لأن تلك البيئة كانت حية وفاعلة وتمتلك جميع مقومات الحياة اللائقة، ومن ذلك وفرة المياه ومصادر الثروة الحيوانية المتنوعة لاسيما الأسماك والطيور المستوطنة والمهاجرة، والجاموس وما يرتبط به من انتاج الحليب والقيمر المتميزين؛ وتلك أمور بدأنا نخشى من فقدانها طيلة السنوات الماضية، والمخاطر فعلية حقا.

يقول مسؤول برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق إن التغير المناخي يعد حاليا “الأكثر حدة في الأهوار العراقية”، موضحا أن ارتفاع درجات الحرارة وارتفاع ملوحة المياه أثرا على معيشة سكان المنطقة، ودفعهم إلى النزوح إلى المدن.

ويعد العراق من بين الدول الأكثر عرضة لتغير المناخ، بما في ذلك انعدام الأمن المائي والغذائي، وفقا للأمم المتحدة؛ وتواجه البلاد نقصا حادا في المياه بسبب انخفاض هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة والهدر وسوء الإدارة، وتتفاقم الأزمة بسبب سدود المنبع في تركيا وإيران، التي أدت إلى انخفاض كبير في كمية المياه التي تدخل البلاد.

ويلقي الناس بمن فيهم سكان الاهوار اللوم على الحكومة والجهات المعنية، ويتساءلون، لماذا لا تجري الاستفادة من تدفقات المياه في أيام وفرتها مثلما يحدث في أشهر الشتاء وينتج عن ذلك تدفقات مائية كبيرة تذهب هدرا في الاراضي الشاسعة، ولا يجري توجيهها الى منخفضات الاهوار لإعادة احيائها من جديد وتوفير الامل للسكان بالبقاء في مناطقهم.

ابتداء من اهوار الناصرية: هور الحمار واهوار الݘبايش وهور السناف وهور العدل وهور أبو زرك وهور غموگة، وغيرها، مرورا بأهوار الكوت؛ هور الشويجة هور الدلمج وليس انتهاء بأهوار العمارة، هور الميمونة، هور أم البقر، هور السعدية، هور الحويزة، و هور أم نعاج، هور المالح، هور الصحين، وغيرها الكثير، وكذلك الاهوار في الديوانية والحلة وكربلاء والنجف والبصرة؛ يتأسى الناس على البيئة بل البيئات الجميلة تلك التي ارتبطت بأذهان سكانها وجميع العراقيين بمعالم البهاء والرواء والحياة الهادئة المسالمة،  وخيراتها التي تكفي السكان وتزيد عن حاجتهم فيلجؤون الى تسويق منتجاتهم الى الأسواق والمدن المجاورة وحتى العاصمة بغداد.

تلك البيئة يجب ان تصان وان تدرس سبل انعاشها وإعادة احيائها من جديد، واهم رافد لذلك هو توفير مصدر مائي دائم يضخ المياه للأهوار في جميع الفصول، ومن ذلك بحسب اعتقادنا، انشاء سدود ملائمة في طريق تدفقات المياه لخزنها في مواسم زيادة المياه والفيضانات وهي واضحة المعالم في الشتاءات الماضية، وذلك الامر يؤدي الى ضمان الحصة المائية لتلك المناطق الخلابة وضخ المياه اليها مع كل موسم شحيح وبخاصة في اشهر الصيف؛ كي تبقى تلك البيئة غنية بمائها مصدر انعاشها، وكي تظل محافظة على ثرواتها الطبيعية والحياتية ومن ذلك ثروتها السمكية والحيوانية؛ وقطعا فان توفير مصادر الحياة لتلك المساحات الجميلة يؤدي بالضرورة الى بقاء سكانها وعدم تفكيرهم بهجرها، بل يدفع آخرين الى التفكير بالاستيطان والعيش فيها.

قد يعجبك ايضا