الباحث:سردار علي سنجاري
الجزء الثالث
العودة الآمنة وشروطها
لا يخفي على احد ان غالبية أهالي سنجار الذين نزحوا من مدينتهم وقراهم لديهم الرغبة في العودة الى ديارهم وبالأخص هؤلاء الذين يعيشون في المخيمات منذ سنوات حيث لا حر الصيف الشديد يرحم ولا برد الشتاء القارص ، ناهيك عن الأزمات الاجتماعية التي تواجه العديد من العوائل في المخيمات ، وكذلك تفشي الأمراض الناقلة بسبب الأعداد الهائلة التي تعيش في موقع واحد . وهناك حالات وقعت وتسببت في وفيات كالحرائق و الفياضانات والعواصف .
عندما نتحدث عن العودة وجميع السنجاريين يتسألون عن الأسباب التي تمنعهم من العودة الى ديارهم رغم تحرير المدينة من داعش ..لابد لنا ان نبحث عن العوائق التي تمنع الأهالي من العودة وبرايي تكمن تلك الأسباب بما يلي :
١- التدمير الكبير والشامل للمدينة اثر احتلالها من قبل داعش وتحريرها منهم والتي تسبب بتدمير ما يعادل ٨٠٪ من المدينة والقرى وال ٢٠٪ الباقية غير صالحة للسكن .
٢- وجود قوى ومليشيات متعددة غير نظامية تدخلت في الشؤون الإدارية والحياة اليومية للمواطنين وتسببت في مضايقات كبيرة وحوادث قتل واختطاف وابتزازات مالية ، مما حد من تفكير العديد من الأهالي بالعودة الى المدينة.
٣- الأزمة خلقت تجار حرب تتعامل بكافة أنواع الممنوعات ( تجارة الأسلحة – المخدرات – الاتجار بالبشر ) وهولاء اصبحوا قوة لا يستهان بها خارج القانون من كافة المكونات وقد تسببوا بمضايقات مؤكدة للأهالي وبالأخص القرى الحدودية التي يستغلها هؤلاء لتمكين تجاراتهم القذرة .
٤- فقدان البنى التحتية للعيش الآمن والكريم .
٥- التدخلات الإقليمية والدولية في شؤون المدينة ولاسيما تركيا التي تحاول بذريعة محاربة حزب العمال الكوردستاني تضيق الخناق على النظام السوري حيث تعتبر سنجار احد اهم المنافذ الحدودية التي من شانها ربط سوريا بالعراق وإقليم كوردستان وبالتالي ايران.وهذا لن يصل في المصلحة التركية مستقبلًا وعليه العمل على عزل كورد العراق عن كورد سوريا.
،، ماتزال الظروف الأمنية في منطقة سنجار لا تبشر بالخير والاطمئنان بعودة الأهالي وذلك لوجود حزب العمال الكوردستاني الذي مازال على صراع عسكري مع تركيا في المنطقة وكذلك تواجد قوات الحشد الشعبي العراقي الذي بدا يسيطر على مفاصل الحياة في مدينة الموصل والتي تعتبر العمق الأهم لمدينة سنجار وهذا التدخل ربما يحول المنطقة الى منطقة صراع على النفوذ على أسس طائفية ويكون أهالي سنجار هم الضحية الأكبر في هذا الصراع،،
٦- التحركات الدولية وبالأخص الأوروبية للعمل على تحديد هوية المدينة وتحويلها الى مناطق نفوذ يحكمها الايزيديين بأنفسهم مع توفير الحماية الدولية لتلك المنطقة . وان اختلفنا في تسمية المنطقة عن إمارة ايزيدخان او لواء ايزيدخان او اقليم ايزيدخان فان العمل عليه يتم وهذا ان تاخر فان المشروع قائم وبرايي الشخصي ومن خلال دراساتي المتواصلة للأوضاع السياسية في المنطقة والتحولات السياسية فان المنطقة وبالأخص الشرق سوف يشهد قيام دويلات صغيرة متعددة في المستقبل القريب حيث تنتهي سلطة الهيمنة الشاملة لجهة ما على زمام الامور في البلدان الشرق الاوسطية بالتحديد وهنا سوف تحصل الاقليات العرقية والدينية على كامل حقوقها ضمن قانون مدني يوفر لهم الحماية كما هو قائم في البلدان الغربية .
٧- النزاعات العشائرية في تسمية الموالين الذين وقفوا مع تنظيم داعش وكيفية محاسبتهم وطرق التواصل الى اتفاق فيما يخص تواجدهم مع اهاليهم في المنطقة . وهذه من الأسباب التي وضعت حكومة الإقليم في موقف صعب حيث ان بجانب عدد كبير من العشائر العربية المحيطة ب سنجار انتموا للتنظيم الارهابي ومارسوا القتل والحرق والتدمير بحق العديد من ابناء وأهالي المدينة .مما صعب على حكومة الإقليم اتخاذ قرار بعودة السكان الى مناطقهم خشية الانتقام.
٨- النزاع بين الإقليم والمركز حول تطبيق المادة ١٤٠ من الدستور العراقي مما جعل المدينة تقف بين الأرض والسماء لا تعلم هل هي تابعة اداريا للمركز أم الاقليم وكلا الجهتين تنصلًا من المسؤولية بحجة ضعف الإمكانيات المادية التي تحتاجها المدينة لإعادة إعمارها . ولم يعمل اي من الجهتين بشكل جاد لتنظيم مؤتمرات جادة لإعادة إعمار المدينة وجذب المستثمرين او العمل على وضع خطة مستقبلية لإعادة الاعمار تتناسب مع مستلزمات المدينة وأهاليها . وكل المؤامرات التي أقيمت كانت مجرد مؤتمرات لتعريف معاناة أهالي سنجار لا غير ..
٩- ماتزال قرار تعويضات السنجاريين المتضررين تحت قيد الدراسة ولم تتقدم اي خطوة الى الأمام وهذه من الأسباب التي تطرح في جلسات السنجاريين عن كيفية العودة وهم لا يملكون ما يمكنهم العودة به وتعمير منازلهم المتضررة والعودة الى الحياة الطبيعية ..
١٠- الانتقال من الحياة البسيطة الى حياة المدنية المتطورة التي جعلت نسبة كبيرة من شباب سنجار يفكرون بالاستقرار النهائي في المدن التي نزحوا اليها والبعض منهم التحق بالجامعات واكمل دراساته والبعض الآخر افتتح مشروعا تجاريا يسترزق من خلاله . ناهيك عن التمدن الثقافي والفكري الذي جعل العديد من الشباب في ان لا مستقبل لديهم في منطقة لا تملك ابسط وسائل التطور الذاتي والتقدم العلمي . بالإضافة الى الصراعات المستقبلية التي يمكن ان تواجهها المدينة والمنطقة وتفقدهم كل احلامهم وطموحاتهم .
العودة وشروطها
مما لاشك فيه ان كل مجموعة بشرية التي تنتمي الى بقعة جغرافية تتمسك بها وتعمل من اجل البقاء فيها ونموها وازدهارها . وإذا ما فرضت ظروف على مكون ما او شعب ما لترك دياره وموطنه او مدينته فان حنين العودة يلازمه وان تغيرت ظروفه ايجابا فما بال أهالي سنجار الذين تغير ظرف غالبيتهم سلبا وأصبحوا يفترشون الخيام ويعيشون على مساعدات المنظمات المدنية والرسمية الحكومية بعدما كانت أراضيهم وقراهم مصدر رزق للعديد من المناطق المحيطة بهم . ولكن هل من الممكن عودة الأهالي الى مناطقهم وكيفية وشروط العودة .. اعتقد ان مسالة العودة هي من اكثر ما تطرقنا اليه في بحثنا صعوبة وذلك للأسباب التالية :
١- العودة الآمنة : ماتزال الظروف الأمنية في منطقة سنجار لا تبشر بالخير والاطمئنان بعودة الأهالي وذلك لتواجد العديد من القوى العسكرية الخارجة عن القوى النظامية للدولة العراقية وإقليم كوردستان في المنطقة . وبعض هذه القوى مثل حزب العمال الكوردستاني الذي مازال على صراع عسكري مع تركيا مازال متواجدا في المنطقة مما قد يسبب تواجده حملات عسكرية تركية عليه بالوسائل العسكرية المتطورة ويدفع ثمن ذلك التدخل ابناء وأهالي المنطقة كما هو حاصل في القرى الكوردية لإقليم كوردستان المتاخمة مع جبال قنديل .
كذلك تواجد قوات الحشد الشعبي العراقي الذي بدا يسيطر على مفاصل الحياة في مدينة الموصل والتي تعتبر العمق الأهم لمدينة سنجار وهذا التدخل ربما يحول المنطقة الى منطقة صراع على النفوذ على أسس طائفية ويكون أهالي سنجار هم الضحية الأكبر في هذا الصراع .
وعلينا ان نتحدث بواقعية انه مازال الصراع بين الإقليم والمركز قائما على تنفيذ الدستور العراقي وتطبيق المادة ١٤٠ منه وإذا لم تطبق المادة ربما تنزلق كل الأطراف في صراعات لا يحمد عقباها مما قد يؤثر سلبًا وكارثة على أهالي سنجار والأقضية والنواحي التي تحيط بها .
لذا فان عودة الأمان وتطبيق الاتفاقيات التي تبرم بين الأطراف المختلفة والمتصارعة شرط أساسي ورئيسي في التفكير بعودة النازحين الى مناطقهم .
٢- ترتيب البيت السنجاري : لنضع العاطفة وأقوال مجالس العشائر المحترمة من مختلف الشرائح والتي تتحدث على الترابط والتماسك بين كافة مكونات المجتمع السنجاري جانبًا. ان الواقع الذي فرضته دولة الإرهاب والإجرام داعش على المنطقة والتي تسبب في شرخ كبير بين المسلمين والايزيديين منذ احداث سنجار والتي لعب عليها التنظيم الكافر بكل أساليبه القذرة من اجل تشويه الصورة الجميلة والتلاحم بين الجانبين عبر عقود طويلة اساسها المحبة والاحترام كانت قاسية في تقبل الكثير من ابناء المكون الديني الايزيدي وبالأخص الشباب الذين بدأو يتسألون عن ذنب قتلهم باسم الدين بدم بارد وسبب سبي نسائهم وفتياتهم وما تعرضوا اليه من أزمات نفسية واجتماعية وحالات الانتحار العديدة التي قام بها القديسات من الفتيات المختطفات الايزيديات . وكل تلك وبسبب الحماس الشبابي لدى البعض جوبه بحماس وردة فعل الشباب السنجاري المسلم الذي دعى الا عدم استخدام الدين الإسلامي وزجه في الصراع وبين فئة ضالة تستخدم الدين كوسيلة لتحقيق أهدافها القذرة . وان اعترفنا بان هذه الأزمات تسببت الى يومنا هذا بالعديد من المشاكل والاصطدامات راح ضحيتها العديد من الشباب الخيريين من الجانبين وتم استخدام أساليب الانتقام الفردي او الجماعي بعد تحرير المدينة وبتشجيع من بعض ضعفاء النفوس الذين اصبحوا تجار حرب ومستفيدون من الانشقاقات والصراعات القائمة بين أهالي سنجار . وعليه ان نبدأ في ايجاد الحلول التي تمكننا من الوصول الى عقد اجتماعي يؤهلنا ان نكون بقدر المسؤولية التاريخية وان نرجع الى الوراء وما تربطنا من جسور المحبة والاحترام ولا ننسى ان لكل مسلم سنجاري كريڤ من الايزيديين ( اي أب روحي لتعميق اواصر الأخوة بين المسلمين والايزيديين ) وهذه الرابطة يجب ان تعود وان كنا خارج المدينة وان نبدأ في اعادة تطبيقها لتشعر الأجيال القادمة ان ما جرى ليس سوى فتنة وعملية ارهابية لفئة خارجة عن الإسلام احرقت وقتلت وشردت الآلاف المسلمين مثلما فعلت بالايزيديين .
على روؤساء العشائرية السنجارية بكافة الشرائح والمكونات دور تاريخي وان لا ينحصر هذا الدور على الملامة والحديث عن أسباب انهيار المدينة وإنما على العمل الجاد لترتيب البيت السنجاري وكيفية صياغته من جديد على أسس السلام والمحبة وصلة القربي . وعلى مثقفي كافة المكونات ان يكونوا بقدر المسؤولية في تعزيز ثقافة السلام والمحبة والتعايش السلمي وان لا يكون دورهم سلبيًا لكسب بعض ضعفاء الأنفس في استخدامهم أساليب الانتماء والحماس لمكون او شريحة على حساب باقي المكونات او التفكير لكسب مؤيدي لنواياهم الشخصية الضيقة .
وكذلك على القوى السياسية وبالأخص الكوردية ان تحاول جاهدة إقامة ندوات تثقيفية تعبر من خلالها عن الترابط المتين بين المكونات السنجارية وتدعوا الى احتفاليات وفعاليات مشتركة ليشعر شباب سنجار من كافة المكونات انهم جسد واحد وان الجميع عانوا وما يزالون يعانون مما جرى وان ينظروا للمستقبل بتفاؤل ولا يلتفتوا للإشاعات المغرضة التي تريد استمرارية الفكر الداعشي التكفيري وتواجده بطرق أخرى ومختلفة ..
العودة وشروطها
تحدثنا في الجزء الثالث عن شرطين هامين من شروط العودة وهم ( العودة الآمنة – ترتيب البيت السنجاري ) وفي هذا الجزء نكمل الشروط الأخرى التي نجدها هامة وأساسية لعودة النازحين الى ديارهم .
٣- البنيى التحية والتعويضات : الجميع يعلم ان سنجار وضواحيها تعتبر اليوم منطقة منكوبة حسب الأعراف الدولية وأصبحت غير مؤهلة للسكن والعيش الكريم منذ احتلالها من قبل الفئة الضالة داعش والمعارك الشرسة التي شهدتها المدينة والمنطقة خلال تواجد داعش فيها وحتى تحريرها ، تسبب في الحاق أضرار كبيرة مادية قد تحتاج الى فترات زمنية وتظافر الجهود الدولية لأعادة اعمارها وتاهيلها للسكن . والتأخير في وضع برنامج للمدينة وتأهيلها اعتقد يعود بالدرجة الأولى الى التأخير في تنفيذ المادة ١٤٠ ، ناهيك عن الوضع الأمني الذي تحدثنا فيه في الجزء الثالث والذي يعد شرطا أساسيا للتأهيل والتعمير ومن دونه لا تستطيع اي شركات استثمارية المجازفة والدخول في مشاريع غير مضمونة امنيا .
اما ما يخص التعويضات فهذا حق مشروع لكل عائلة فقدت منزلها او احد أفرادها او ممتلكاتها ومشاريعها الصناعية او الزراعية او غيرها . وعلى ممثلي المدينة في البرلمان العراقي العمل الجاد لاثارة هذا الملف دون تلكأ او تاخير وعدم الأخذ بالظروف الحالية التي يمر بها العراق لان اي تاخير لهذه القضية قد يأخر عودة الاهالي فترات طويلة . والتعويض يجب ان يكون على مراحل وضمن آلية محددة تمنح المتضررين اما تعويضات مالية او أراضي حسب نوع الضرر الذي وقع بالمتضرر .
٤- تامين ما تطلبه المدينة من وسائل مدنية حديثة وتوفير فرص العمل للشباب ووضع خطة اقتصادية تنقل المدينة من وضعها البسيط الذي كانت عليه الى مدينة هامة وذلك بأخذ موقعها الجغرافي وتنوعها المكوناتي العرقي والديني بنظر الأعتبار وهذه المدينة التي عانت الكثير من التهميش خلال فترات الحكومات العراقية المتتالية والتي ساهمت في هجرة العديد من ابنائها لخارج العراق وكذلك انتقال غالبية سكانها خلال فترات زمنية الى مدينة الموصل ودهوك وبغداد واربيل.
ان عودة النازحين لديارهم يجب ان يؤخذ باحترام واهمية من قبل كافة المسؤولين والمعنيين بالأمر ، وهذا حق مشروع لأي مواطن تعرضت منطقته الى الكوارث سواء البيئية او اعمال العنف او الحملات العسكرية كالحروب والاحتلال . وعليه نطالب كل الجهات المعنية بأخذ كل تفاصيل أهالي المدينة بجدية وان يجدوا الحلول التي تمكنهم من العيش الكريم وتوفير فرص العمل وان يكونوا هم في افضلية العمال والكسبة للظروف القاسية التي يمرون فيها . وكذلك تامين وسائل التعليم المجاني للنازحين من المدينة والتعليم الجامعي من اجل بناء جيل واع ومدرك لواجباته باتجاه مدينته مستقبلًا . وكذلك على الحكومة العراقية أخذ ما يتوجب عليها من واجبات بخصوص تنفيذ المادة ١٤٠ دون تلكأ او تأخير وحل كافة الخلافات الداخلية مع اقليم كوردستان بروح وطنية وان الكورد هم مكون أساسي في هذا الوطن والوطن الذي بناه كل المكونات وقاتل من اجل كرامته واستقلاله وقدمت كل المكونات والشعوب العراقية باختلاف مسمياتها ودياناتها وطوائفها الآلاف من الشهداء لاجل ان ينعموا بالكرامة والعدالة والمساواة والعيش الكريم .
في نهاية بحثنا هذا الذي تطرق الى العديد من النقاط الهامة بما يخص سنجار ومكوناتها وكيفية معالجة الدمار الذي الحقته قوى الكفر والظلام داعش في المدينة و تمزيق الصف السنجاري . نتمنى ان تعود الكلمة الطيبة والتسامح والاخاء بين كافة المكونات كما كانت عليه والا ننظر الى حقبة زمنية سوداء في تاريخنا إنما علينا النظر الى الفضاء المنير الذي ربط تأريخنا معا عبر الآلاف السنين وكان تـأريخا مشرفا و مكان اعتزاز الدول المحيطة بنا ..