الموسيقى والغناء أللغة الثقافية المشتركة للشعوب الغناء في كوردستان

 

الجزء الأول

 

 

د. توفيق رفيق آلتونچي

 

 

 

 

 

 

الموسيقى سمة حضارية ورمز ثقافي نكاد اليوم عند سماعنا للحن ان نتعرف على  منشئها. الألحان الموسيقىة  الهندية خير مثال على ذلك. ويتميز الألحان الصينية واليابانية برقتها في حين يمكننا التعرف على موسيقى الجاز الامريكي بمجرد سماعنا لحنا غربيا يحمل طابع الزنوج الأمريكان ونكاد ان نجزم بان اللحن يعزف في احدى نواد الليل في نيويورك.

يمكن للمرء ان يكتشف وببساطة الموسيقى الشرقية حال سماعة نغمة شرقية. فالنغمة الشرقية يعتمد على الربع تون وهي مختلفة تماما عن الأنغام التعددية الأوربية. كذلك الحال بالنسبة للمقامات الشرقية فهي صعبة على الغربي ويعتقد الغربيون عموما عند سماعهم نغمة شرقية بان قراءها يتلون آيات من الذكر الحكيم. مادة اليوم سأبدأ به بالحديث بصورة عامة عن تلك اللغة البشرية المفهومة للجميع اينما حلوا وكانوا واعني بها “الموسيقى” ثم كنموذج اعرض شيئا عن الموسيقى وروادها وبصورة خاصة في  اقليم كوردستان. مادتي هذه مبحث لهذه الهوية الثقافية. سأتناول الحديث فقط عن الغناء باللغة الكوردية والتوركمانية منحصرة تاركا الغناء  بالعربية وبالسريانية للاخرين ليدلوا بدلوهم في الموضوع.

 

كوردستان متحف الشعوب والاقوام والعقائد الدينية كانت ولا تزال تعكس تلك الخاصية التعددية في كافة جوانب الحياة. الغناء باللغتين الاساسيتين في كوردستان كان طابعا نادرا بين الموسيقى الشرقية وخاصة في العاصمة هولير ومدينة كركوك و خانقين وضواحيها. لان المطرب عادة كان يغني بكلتا اللغتين حتى اواخر الستينات.

لذا سيكون محور المادة والاسماء الواردة من شخصيات منحصرة بالعراق و بكوردستان مع اعتزازي لجميع موسيقيي الشرق والعالم. سأتطرق كذلك الى التراث الثقافي الموسيقي للكرد والتوركمان في العراق كنموذجين متداخلين واحيانا متكاملين في العراق كما نجد الحانا عربية ، فارسية، ، تركية، هندية، وسريانية بكلمات اشورية وتركمانية و كوردية تغنى بتلك اللغات كنتيجة للحوار الحضاري المشترك بين الامم في فترة زمنية تتعدى الدهور. يجب ان لا ننسى بان اسحاق الموصلي و زرياب واخرون ياتون من تلك البيئة كذلك. الروح الثقافية المرحة للشعوب تعتبر كذلك الهوية ثقافية لتلك الشعوب.

 

 

 

  1. موسيقى الشعوب:

 

الموسيقى بدا بمحاكاة الإنسان لشدو البلابل ثم تحول الى رمز ثقافي للامم ولغة موحدة للبشرية جمعاء. حيث نستمع اليوم الى الموسيقى او الى اي أغنية لا نسال عن هوية المغني او العازفين او حتى عن الملحن وكاتب الكلمات.

كان ولا يزال الإنسان يحاكي ما يراه ويسمعه في الطبيعة والبيئة المحيطة به. وربما ليس من الإجحاف الادعاء بان معظم المخترعات والاكتشافات والفنون جاءت نتيجة محاكاة البشر للكائنات والبيئة المحيطة به. الخيال الإنساني وجد في الطبيعة مادة خصبة في اغناء روح الخيال والرحيل بمخيلته الى عوالم المجهول. لو تمعنا جيدا خيال كاتب وبالأحرى كتاب مجموعة قصص “الف ليلة وليلة” لنرى ان خيالهم هي في الواقع محاكاة للكائنات على الأرض مع النظر اليها بمنظار تلسكوبي كبير فالصغير كبير ضخم والكبير ربما صغير نمنمي. اما التجوال بين الازقة في “بغداد” مخفيا او الدخول الى قصر الخليفة فتلك كانت خيالا يراود العامة من الناس ليس لان باب ديوان الخليفة لم يكن مشرعا للعامة لا بل ان الحياة بعد غياب الشمس  داخل الأسوار كانت الملهمة الأساسية للخيال الشعبي. قد يكون للشعراء دورا مهما في إضافة السحر الى كل ذلك … فهنا نستمع الى صدى صوت العود والناي من بعيد وراء الأسوار.

 

 

 

اما ملوك العود الكبار فيرجع تاريخهم الى ايام الدولة الاسلامية الاولى وربما قبلها بكثير ولكن ما جائنا من اسماء كالفارابي واسحق الموصلي وتلميذه زرياب يعودان الى تلك الفترة وقد جاء في اخبار ذلك الزمان اسماء العديد ممن كانوا يجيدون (نساء او رجال) العزف على العود حيث يطربون الندامى او يكدرون الجو بعزفهم فيبكي الحاضرون وقد كان للعراقيين حضور في الماضي وفي الوقت الحاضر كالاستاذ شكر سلمان ومنبير بشير ورزكار خوشناو واخرون التمس العذر منهم لعدم ذكري اسمائهم.

 

 

ميتر الموسيقى العسكرية التقليدية في تركيا والتي تعود الى العهد العثماني

 

الناي بقى محافظا على اللون الديني البحت فقد بقى والدفوف الكبيرة ملازمة للطقوس الدينية للدراويش والمتصوفة في معظم انحاء الدنيا ففي مصر والعراق وتركيا وايران لا تزال العديد من الطرق الصوفية تمارس العبادة على اصوات الدفوف والناي والبزق. قد تكون قراءة الادعية والتواشيح وترديدها حالة من حالات العلاج الروحي للانسان فقد كان ولا يزال يعتبر من اسس التقرب الى الله سبحانه وتعالى في جميع طرق التصوف في الشرق.

اما الرقص فقد جارى الغناء الشعبي كالتوئم على طول مسار الطريق ومنذ البدايات والرقص حالة انسانية بحته وقد نجد بعض الحيونات يقومون بحركات شبيهة بالرقص ولكن الريتم والايقاع اللذان يقوموم الموسيقى وخاصة الدفوف والطبل بضبطها مكونة لوحة حركية متكاملة انسانية والرقص كان ولا يزال حالة جمالية بالإضافة الى كونة حالة اضهار شعور معين مرتبط بالحالة الإنسانية الماساوية والطرب المفرحة وحالة الانسجام وبلوغ اعلى درجات العبادة عند المتصوفة.

لم تودي غياب الاسماء الامعة في عالم الموسيقى الى غياب مماثل لموسيقاهم فهم الحاضرون دوما في كافة الحفلات الموسيقية الاوركسترالية وقد نرى بين الحين والاخر العديد من الموسيقيين الشباب ممن يتاثرون بتلك الموسيقى فيطعمون الموسيقى الحديثة بقطع موسيقية ب المسماة بالكلاسيكية وهم كثيرون في الشرق وفي الغرب فليس من الغريب ان نجد موسيقارا كالمرحوم” فريد الاطرش” او” محمد عبد الوهاب” ياخذ من الموسيقى العالمية ويغني كلمات اغنيتة بالعربية وحتى الاخوين رحباني اخذا الكثير من الموسيقى العالمية مطورين الاداء الموسيقي العربي وخاصة بصوت ملكة الطرب” فيروز”  محققين بذلك قفزة تطورية جميلة في عالم الموسيقى الشرقية.

 

ان التطور في عالم تقنيات ايصال الصوت والصورة الى المستمع اينما وجد كان انقلابا في عصر الموسيقى الحديثة فاليوم نستمع الى موسيقى الدنيا بواسطة التلفزيون والاذاعة ووسائل الاتصالات المتعددة على شبكة الانترنت وقد كان لتطور الراديو بصورة خاصة الاثر الاكبر لانتشار الطرب في العالم ولا زلت اتذكر جدي رحمة الله عليه ورضوانة وهو يروي لنا كيف كان الناس يجتمعون في ديوان بيتة ليستمعوا الى الراديو الوحيد في القرية التي وضعت وبعناية في مشكاة وبالقرب منها بطارية كبيرة جدا في حين كان اخرون يمرون من امام الديوان يرمون الحجارة على جهة الراديو راجمين الشيطان وقد سعدت جدا حين زرت المتحف الاوربي الوحيد عن الراديو في مدينتا وشاهدت نماذج من ذلك الراديو الخشبي الكبير فاصبحت اقوم بزيارة المتحف مع كل من يحل ضيفا على داري.

 

الرقص والغناء عند الشعب الغجري اينما كانو وتواجدوا جزء اساسي لنوعية الحياة الاجتماعية الجماعية لهم بالاظافة الى الرقص وقد ظهر فيهم العديد من الموسيقيين الكبار وقد يعتبر الرقص الغجري اساسا لرقصة الفلامنكو الاسبانية في حين نرى في الغناء المرافق للرقصة مقاما شرقيا ترجع ربما الى ايام تواجد زرياب في الاندلس.

 

كوكبه من المطربين الكورد

كتابة النوتة الموسيقية (نوطه) حديثة بعض الشئ اذا قورن بالتأليف الموسيقي ألشفاهي واللحن اللذان يرجعان الى عصور الاولى لوجود البشري على الثرى فقد وجد في اثار العراق القديم ومصر والشام وتركيا والصين والهند وأماكن اخرى من العالم صور ونقوش تمثل فرق موسيقية يعزفون فيها على الآلات الموسيقية تشارك تلك الفرق الملوك في احتفالاتها او في جلسات طرب لمجرد طرد الضجر عن روحه الكئيبة. قد يتأسف المرء لعدم إمكانيته الاستماع الى تلك الألحان السومرية والبابلية والاشورية والفرعونية القديمة وحتى تلك التي كانت تطرب الندامى في قصور بغداد ودمشق والقاهرة والأندلس. وربما كل ما وصلنا من كتابات موسيقية يرجع الى ايام نهضة اوربا حيث انتشر القاعات الموسيقية في قصور وبلاط الملوك ونادرا ان لا تجد قاعة للاستماع الى الموسيقى وانت تجوب قصور ملوك اوربا في المملكة المتحدة وفرنسا والمانيا والنمسا وروسيا والدول الاخرى. لعل تلك الكتابات الموسيقية للنوتة هي التي تتردد لحد يومنا هذا من الآلات الموسيقية في الفرق السيمفونية الوطنية في كافة انحاء المعمورة. تلك الفرق التي قدمت للبشرية اسماء عازفين كبار امثال موزارت، شتراوس ، هايدن ، بتهوفن ، شوبان وجايكوفسكي واخرون وكان باخ من المشهورين في العزف على الة الاورغن الكبيرة التي  نادرا ما تخلو كنيسة منها.

 

 

 

قد يعجبك ايضا