لعبة بغداد مع أربيل … لعبة لا تنتهي

صبحي ساله يي

الألعاب أنواع، وأكثرها شيوعاً بعد الرياضية، هي السياسية. ولا شك أن لكل لعبة سياسية لاعبين وجمهور وملعب وقواعد تستخدم فيها الأوراق المتاحة لتغيير المعطيات وتحقيق الفوز ونيل رضا وتصفيق المتابعين دون تجاوز لغة العقل والمنطق، ولكن عندما تكون بجرأة ممزوجة بخبث وصلافة إنتقامية تكسر التقاليد، وعندما يكون لاعبوها ساسة لا يسمعون ولا يفهمون، ويجدون صعوبة في التمييز بين الحق والباطل، ويغذون في طروحاتهم وتحليلاتهم وتفسيراتهم الميول المذهبية والعنصرية، ولم يصلوا مرحلة النضج التي تؤهلهم لفهم الحاضر وقراءة المستقبل لا أحد ينتصر فيها وتخلف ورائها الغدر والقذارة والخيانة والكراهية العمياء وسلسلة طويلة من الأخطاء والمصائب والكوارث والمآسي والتجارب القاسية التي تهدم وتسهم في تضييع المكاسب وإشاعة العبثية. وتدفع الفريق المقابل نحو التفكير بمواقفهم متغيرة والبحث عن صيغة أخرى للعب قبل إعلان نهاية اللعبة.

اللاعب الذكي، بعد أن يلمس الحقيقة، يتجاوز الصمت دون أن يبالغ في مواقفه، ولايتردد ولايقع في حيرة، ويبدأ بإعادة ترتيب أولوياته ويبحث عن مخرج ليجعله نقطة انطلاقة جديدة ليخرج من اللعبة مرفوع الرأس ودون أن يتنازل عن أي شىء.

وغير الذكي، يلعب على الحبال، ويجازف ويرهق نفسه قبل الآخرين، ويزيد الضغوط والمناورات ويمعن بالإساءة لتحريف الرؤية نحو صورة مختلفة عن الواقع ويحاول توجيه كل شيء لدعم قراءته، وفي النهاية لاينجح في مساعيه ولا يصح إلّا الصحيح.

سقت بهذه المقدمة لأتحدث عن لعبة منع تصدير نفط كوردستان خلال الأشهر الثمانية السابقة، وشروط بغداد التي لم تنته ولا تنتهي، وعن تكرارخلط الأوراق وكثرة المشاغبات والبدع والتحايل والمزاجات الشخصية وهدرالوقت، والرغبات المميتة لتسجيل نقاط الفوز على الإقليم بأدوات ناقصة وأعذار هشة ومكشوفة وبخيارات عقيمة قادت إلى نتائج خاطئة والى تأخير إعلان النهاية وتبلورالنتيجة، وإرتفاع الأصوات المحذرة للسقوط في الفخ، والإعتداء على اللاعبين في إحدى الفريقين من قبل طرف ثالث منحاز دخل الى دهاليز اللعبة دون أن يحسب أي حساب لأي شيء في سبيل تغييرموازين القوى والدفع لتأجيج التوترات وإرغام طرف على الرضوخ للطرف الاخروالقبول بالأمرالواقع والتوقيع على صفقات مليئة بالخلل. أو الإستمرار في هذه اللعبة أو أي لعبة أخرى من شأنها تغيير الوضع الميداني على الأرض.

جرى تبادل العشرات من الزيارات بين اربيل وبغداد وعقد خلالها الكثير من الاجتماعات التي وصفت بالمهمة، وسمعنا بعدها تصريحات واعدة تحمل في ثناياها التفاؤل، وتتحدث عن قرب التوصل الى إتفاق واضح المعالم على تصدير نفط إقليم كوردستان، يقوم على مراعاة القانون والدستور، ولكن اللعبة التي لا مثيل لها لم تنته، وبالتأكيد ستستأنف في العام الجديد، وطبعاً سيعود معها اللاعبون السلبيون الى مواقعهم القديمة لإدارة الأزمات وممارسة الاستفزازات، ويعود الخطاب السابق، المنساق خلف الأوهام والإدعاءات المضللة، لعباقرة الفضائيات للتعاطي مع الأكاذيب التي تسوق الى إثبات الفشل في عقد التسويات، كما ستعود صراعات ما قبل تشكيل حكومة السوداني إلى الواجهة، والدوران فوق خرائب تراجع الثقة بين اللاعبين، ويظهر على أرض الواقع ما يشير الى أن مرحلة ما قبل التصدير ستكون طويلة من خلال تكرار اإدعاءات الفارغة غير القابلة للحياة والترويج للحاجة الى بعض التعديلات الطفيفة ضمن ما يتلاءم مع مصالح الجانبين، أو من خلال المراهنة على تكريس الانقسام الكوردي وخوض مغامرة اللجوء الى الوعيد والتهديد وعدم القبول بمجمل الشروط الكوردستانية.

كما يتأكد للجميع تحويل حلم التغيير في العراق إلى خيبة أمل، خصوصاً أن المتحكم بما يدور فيه يريد الإستفادة من كل شىء، ولا يهمه مستقبل العراقيين عموماً أوخوض مغامرة تكلفهم خسائر كبيرة وتأخذهم نحو الكارثة والمأزق.

قد يعجبك ايضا