عقدة الخوف في رواية (القمصلة الحمراء) للروائي العراقي عبد علي اليوسفي

 

الناقد حسن الموسوي

هذه هي الرواية الأولى للروائي عبد علي اليوسفي، وهي المهمة الأصعب لأي كاتب، فالبدايات دائما ما تكون صعبة خصوصا في عالم الكتابة.

يقوم الروائي بسرد أحداث روايته القمصلة الحمراء بطريقة مرمزة بحيث ان جميع الشخصيات لهم أسماء أجنبية على الرغم من أن احداث هذه الرواية جرت وما زالت تجري في كل بقعة من بقاع العالم.

فحيثما وجد القيصر كان هناك شعبا مقهورا ومغلوب على أمره. هذه الأحداث هي حقيقية وهي موجودة في كل المجتمعات وهذا ما يبرر استخدامه للأسماء الوهمية. في أحيانا كثيرة يلجأ أغلب الكتاب للشفرة أو الترميز في كتاباتهم لتكون أكثر عمومية.

العنوان هو محور أحداث هذه الرواية، وهو العتبة النصية الأولى، والعنوان هو عتبة نصية نلج من خلالها إلى المتن السردي.

يعرف العنوان على أنه مجموع العلامات اللسانية، كلمات مفردة، جمل، نص، التي يمكن أن تدرج على رأس نص لتحده وتدل على محتواه العام وتعرف الجمهور بقراءته.

يقول الروائي العراقي شوقي كريم حسن أن العنوان هو حيلة جاذبة، ومن خلال العنوان نقوم بإغراء القارئ من أجل قراءة الرواية والغوص في متنها السردي.

وهنا أتذكر موقف حصل في إحدى دورات معرض بغداد الدولي للكتاب حينما اختارت سيدة إحدى رواياتي من بين مئات الكتب المعروضة وعندما سألتها عن السبب قالت لقد أغراني العنوان.

العتبة النصية الثانية هو الغلاف حيث نشاهد صورة فتاة جالسة ولكن بحركات جسد مختلفة وفي ذلك اشارة الى الاستمرارية والحركة وعدم الرضوخ الى السكون.

 

 

كتبت هذه الرواية بتسعة فصول، والفصول هي العتبة النصية الثالثة، وقد كتبت هذه الفصول بطريقة زمنية متسلسلة، تدور احداث هذه الرواية عن قمصلة ابن القيصر المعطوبة، حيث قام وفد من الرئاسة بالطلب من مدير مصنع الجلود بإصلاح هذه القمصلة.

العقدة في هذه الرواية هي حالة الخوف التي تنتاب العاملين في المصنع خشية أن تتلف القمصلة بأيديهم اثناء قيامهم بإصلاحها لأن النتيجة سوف تكون الاعدام.

تحدث الكاتب عن الدولة البوليسية التي كان يحكمها ونجد ذلك منذ الفصل الأول حينما طلب مدير المصنع من اندريه جون بأن يكون عينه في المخزن حيث يقول الكاتب ((ثم أخذ يوصي اندريه جون بما يتوجب عليه القيام به، وان يكون عينه هناك واذا نجح بهذه المهمة سيكون له معه شأن آخر)) ص 7 .

تطرق الكاتب الى أساليب الدول الاستعمارية في فرض الحصار الغاشم على الشعوب التي تتضرر أكثر من الحاكم أو القيصر.

هذا الحصار الذي ألقى بظلاله على الشعب الفقير و تداعيات هذا الحصار على سلوك العاملين حيث يقول ((يدرك اندريه جون أن رواتب العمال لا تسد حاجاتهم بالرغم من العمل المستمر من الصباح إلى المساء)) ص 15 .

وقد شهدت العراق في فترة التسعينيات من القرن الماضي حصارا خانقا عصف بالطبقة الفقيرة وجعلت البعض يقوم ببيع أغراض بيته من أجل شراء الطحين المغشوش، وفي إشارة أخرى يقول ((حتى الأشجار لم تسلم من هذا الحصار الذي يحكم طوقه على المدينة)) ص 17 .

تعتبر هذه الرواية من الروايات المتخيلة فهي تتطابق مع دول كثيرة، شهدت وما زالت تشهد سياسة التجويع وفرض هيمنة الدول الاستعمارية من أجل سرقة خيرات الشعوب.

الرواية واقعية، وتعرف الرواية الواقعية على انها سرد لقصص وأشخاص واقعيين وأحداث حقيقية من خلال الأساليب الدرامية للرواية.

وتسير الرواية الواقعية بمسار الواقع المعاش لكنها لا تتأثر ولا تتحدد به كون أن الروائي له خيال خصب ويحاول دائما المزاوجة بين الواقع والمتخيل من أجل إضفاء المتعة لدى المتلقي.

ان إعادة كتابة التاريخ بصورة واقعية هي ضرورة ملحة لدى الكاتب الذي غالبا ما يحرص على أن تكون روايته أقرب إلى الواقع المعاش الذي لا يمكن القفز عليه.

يسلط الكاتب الضوء على مشاكل اجتماعية حدثت وما زالت تحدث في المكان الذي تدور فيه الأحداث وأعني مصنع الدباغة، حيث استغلال العاملات من قبل الدكتور فكتور حيث يقول الكاتب ((أن دكتور فكتور دنيء وسافل ولا يوجد عنده ذوق تماما وانه يغرم كثيرا بالنساء القبيحات والفقيرات والمتعففات وانه مريض نفسيا)) ص 86

تتسارع الأحداث ويكون العالم على موعد مع حدث جلل فيما يتابع اندريه جون تحضيرات الدول عبر البحار لإسقاط القيصر وحالة الهلع التي أصابت الناس ((كان يشاهد اختفاء الطحين والرز والبقوليات والحلويات والنساتل ولعب الأطفال والسكر والشاي وقناتي العصير وحتى محل المشروبات الكحولية الذي يشتري منه مشروبه على وشك الفراغ)) ص 96

يتحدث الكاتب عن هروب القيصر وحاشيته بعد أن قامت الدول المتحالفة بإسقاط القيصر وحالة السلب والنهب والفوضى التي اعقبت تلك الحملة، حيث قام قاسملو المعتوه بالاستيلاء على قمصلة ابن القيصر، حيث يقول الكاتب ((بعد أن عاد الناس إلى المدينة في الوقت ذاته الذي اختفى فيه القيصر وحاشيته وابنه الألثغ إلى جهات مجهولة)) ص 105 .

 

 

 

كل أحداث هذه الرواية تدور في فلك قمصلة ابن القيصر ذلك الابن الماجن الذي مارس كل الرذائل، ولفرط حبه لهذه القمصلة فإنه أمر بإصلاحها في أحد المصانع الحكومية، لكن الدول المتحالفة لم تمهله وأصبحت القمصلة الحمراء من نصيب أحد المعتوهين.

بقي ان أشير إلى أن هذه الرواية هي من إصدارات دار الصحيفة العربية في بغداد ودار العراب في دمشق وتتكون من 109 صفحة ومن القطع المتوسط.

قد يعجبك ايضا