عمالقة مطربي الأغاني الفلكلورية الكوردية في شمال كوردستان

 

الجزء الثاني

د. قاسم المندلاوي

هذه الحلقة نبذة مختصرة لجانبين من حياة عمالقة الكورد الموسيقيين والمغنين، شمال كوردستان، جانب معتم ومحزن يعكس ما حدث ويحدث من ظلم واضطهاد وملاحقات واعتقالات وسجون وزنزانات التعذيب والمرض والموت وكمؤشر لعمق الحقد والكراهية والعنصرية والشوفينية التركية المستمرة ضد شعب كوردستان ورموزه ونجومه. وجانب آخر مشرق مضيء يرمز الى الانفراج والانفتاح والشهرة الدولية والعالمية للمغنين الكورد الذين لاذوا بالفرار من جحيم تركيا وقدموا اللجوء الى دول اوربية وعاشوا فيها حياة حرة – كريمة ملئ بالأفراح والسعادة، ومثلوا في المهجر شعبهم الكوردي تمثيلا صادقا وشجاعا ومخلصا واصيلا، وقدموا الوانا منوعا من الموسيقى واغاني فلكلور يبعث في القلب السرور والفرح والبهجة والامل، وينير الدرب امام الاجيال القادمة.

الفنان العالمي الراحل احمد كايا: ولد بتاريخ 28 / 10 / 1957 في مدينة ملاطية (ارضروم) لعائلة كوردية فقيرة، كان المرحوم اسطورة الغناء الثوري وكان ملحن وعازف على الة البزق، دافع عن حقوق شعبه الكوردي بلا تردد وبلا خوف، واوصل القضية الكوردية باسلوب سلمي وانساني وحضاري الى اعماق الشعب التركي والعالم.

في العام 1972 انتقل مع والده الى استنبول ودرس في معهد الفنون، قسم الموسيقى وفي عام 1973 اعتقل وسجن وهو بعمر 16 سنة بسبب اغانيه القومية والثورية، وبعد 6 أشهر خرج من السجن وأدى الخدمة العسكرية. عام 1984 أصدر اول البوم بعنوان (لا تبكي يا صغيري) وبعد سنة أصدر البوم اخر بعنوان (التمسك بالألم) وغنى النشيد الديني الشهير (كي لا تحترق انت).

الفنان احمد كايا ذاق عذاب السجن مرات عديدة خلال فترة الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي بسبب اشعاره وغنائه الذي كان يدعو فيه الى حقوق شعبه الكوردي المظلوم ، كما انه دافع ايضا عن حقوق المراة التركية  حقوق المحجبات  وكان السجن مصيره دائما حين الغناء باللغة لكوردية، لذا عانى من العنصرية في تركيا طوال حياته، علما كان معظم اغانيه باللغة التركية، وفي حفلة توزيع الجوائزعلى الفنانين والممثلين عام 1999 وحين اعلن الفنان  احمد كايا  بعد استلامه جائزة انه يغني باللغة الكوردية، تعرض الى هجوم من قبل الفنانين والممثلين وبعد هذه الحادثة الشوفينية والعنصرية المؤلمة والمدهشة هاجرالى فرنسا وهنالك في تركيا صدر حكم ضده بالسجن لمدة 3 سنوات بسبب قراره الغناء باللغة الكوردية، الا انه بقي في العاصمة الفرنسية  باريس  حتى وفاته، وخلال مسيرته الفنية ولغاية عام 2000 اصدرما يقارب 20 البوما، ومن اقواله المشهورة  انا كوردي ويجب ان اغني كورديا  تميزاشعاره والبوماته بطابع قومي وثوري وعن العدالة الاجتماعية. وغنى ايضا للحب وللام والامل والتضحية والمنفى، وبعد وفاته نشرة له 7 البومات، ومن أشهر اغانيه (وداعا عيوني، وابك قليلا، وسأبقى على حالي، وألف عام عمر عيوني، ووداعا يا حبيبة القلب، ولا تبحث عني اليوم يا امي، ولا تسئلي عن اسمي عند الباب) حصل الراحل احمد كايا على الكثير من الجوائزالتقديرية مثل جائزة مؤسسة الصحافة التركية، عام 1999 وكذلك جائزة موسيقار العام من تلفيزيون شو التركية وغيرها. توفي قهرا، بأزمة قلبية في 16 / 11 / 2000 عن عمر ناهز 43 عاما، ودفن في مقبرة العظماء في باريس، وبعد سنوات من وفاته تم رد الاعتبار له في تركيا وسميت على اسمه بعض الشوارع والمدارس وخاصة في مالاطيا مسقط راسه.

 

 

 

الفنان العالمي شفان برور الملقب رائد الاغاني الكوردية الوطنية والثورية عازف وشاعر وكاتب وملحن، ولد 23 / 9 / 1955 في قرية سويرك التابعة لمدينة اورفه الكوردية، أكمل دراسته الابتدائية في سويرك، وتابع تعليمه الثانوي في اورفه، وكان موهوبا في الموسيقى والغناء وهو في عمر 13 ومن اقواله المشهورة: ((اريد لاغنياتي ان تحمل رسالة عن شعبي وحقيقتهم ووضعهم ومعاناتهم وماساتهم الاجتماعية، اريد ان اعطي الموسيقى الكوردية وجها وهوية)).

انتقل الى انقرة وأكمل تعليمه الجامعي في علوم الرياضيات والجيولوجيا، وعلى الرغم انه لم يدرس الموسيقى أكاديميا، الا انه اتقن العزف على الة البزق – الطنبور عام 1970. قدم اول اغانيه امام حشد من سكان المنطقة وبعد الاغنية اصدرت الحكومة التركية الاوامر باعتقاله، ومنعت اغانيه في تركيا والعراق وسوريا لانها كانت باللغة الكوردية – واشعارها وكلماتها ثورية وقومية عن القمع والماسي والظلم الذي يتعرض لشعبة في كوردستان. عام 1972 ارتفع نجمه وشهرته اثناء الانتفاضة الكوردية في جنوب كوردستان. عام 1975 أصدر اول كاسيت وبسببها صدرت الاوامر باعتقله، ولكنه لاذا بالفرار الى السويد كلاجىء سياسي وبعد حصوله على الجنسية السويدية، هاجر الى المانيا عام 1976 لكثافة الجالية الكوردية هنالك واستقر فيها واستمر في مشواره الفني معتمدة على اشعار ودواوين الشاعر الكوردي الراحل جكرخوين المعروف بأشعاره حول النضال وكفاح وتاريخ وثقافة الكورد.

عام 1991 قدم اغاني في حفل اقيم في المانيا من اجل مساعدات خيرية للاجئين في كوردستان الفارين من حرب الخليج. عام 2004 أنشأ مجمع في مدينة فرانكفورت باسم مجمع شفان برور الثقافي الدولي واصدرحوالي 25 كاسيتا منوعا فضلا عن احياء العشرات من الحفلات في العواصم الاوربية وفي الولايات المتحدة الامريكية وجنوب كوردستان وفي بعض الدول العربية مثل لبنان والامارات العربية. حازعلى كثير من شهادات دكتوراه فخرية في الموسيقى والغناء وكثير من جوائزموسيقية عالمية وتقديرية من امريكا عام 2000، ومن فرنسا عام 2004، وتعتبر أغنيته (كي نيم، وغزل غزال) من أجمل ما غنى والاكثر شهرة بين اغانيه، واشتهر ايضا في العزف على الة الطنبور. كرس حياته في الدفاع عن قضية شعبه الكوردي من اجل الاستقلال ودافع ايضا عن حقوق الكادحين والفقراء وحارب الاقطاع والرأسمالية والرجعية من خلال اغانيه داعيا الاستفادة من تجارب الشعوب المضطهدة التي استطاعت تحقيق النصر، دافع ايضا عن حقوق المرأة داعيا الى تحريرها من القيود التي فرضها عليها مجتمعها وضرورة مساواتها مع الرجل.

عاش الفنان العالمي  شفان برور  في الغربة 37 سنة – واخيرا  لا يصح الا الصحيح  بعد منعه دخول تركيا للفترة المذكورة اعلاه، ظهر لأول مرة في ديار بكر معززا مكرما، ومرفوع الراس، شارك مع الفنان العالمي العملاق ابراهيم تاتلس الذي هو الاخر ظهر لاول مرة منذ اصابته بطلقة في راسه خلال محاولة اغتياله عام 2011، والقى كل واحد كلمة تاريخية ومؤثرة، واغاني كوردية وتركية في الحفل الذي اقيم بتاريخ 16/ 11 / 2013 في امد – دباربكر بمناسبة الزيارة التاريخية لرئيس اقليم كوردستان  مسعود البارزاني لتركيا ولقائه بالرئيس التركي رجب طيب اوردغان،  ويعتبر الفنان العالمي  شفان برور من اشهر مغنين الكورد وهو  شعلة مضيئة في سماء كوردستان ورمزا قوميا وثوريا للفن الموسيقي والغناء الفلكلور الكوردي،  ولايزال هذا الفنان العالمي العملاق في اوج نشاطه وعطائه الموسيقي والغنائي.

 

 

الفنان العالمي، ابراهيم تاتليس الملقب امبراطور الغناء التركي وهو ملحن وكاتب ومخرج وممثل سينمائي ورجل اعمال في مجال التجارة والسياحة.

ولد بتاريخ 1 / 1 / 1952 في سيفاريك – مدينة اورفه، من اب عربي وام كوردية مصدر آخر يذكر انه من اصول كوردية ومن محافظة كركوك. عاش حياة صعبه في طفولته ولاسيما بعد اعتقال وسجن والده الذي توفي عام 1956 وقد تاثر بهذا الحدث المؤلم فترك التعليم واضطران يعمل من اجل المعيشة، وقامت امه بتربيته، وفي بداية الستينات اخذ يغني في الاعراس والاحتفالات.

عام 1975 انتقل مع والدته الى اسطنبول وبدأ يعمل في التجارة ويقدم اغاني شعبية تقليدية ورقصات فلكلورية. عام 1978 اصدر اول البوم كان مصدر نجاحه الكبير، ثم اصدر مجموعة البومات اغاني فلكلورية باللغة التركية؛ مما حققت له النجاح والشهره خلال فترة الثمانينات من القرن الماضي، و قدم ايضا اغاني ودبكات فلكلورية مع مغنيات مشهورات مثل المغنية الكوردية هوليا افشار ومع الموسيقار الكوردي  عبدالله عليجاني اردشير – من شرق كوردستان  وغيرهم، وعلى الرغم من الحضر التركي الشديد على الغناء باللغة الكوردية، الا انه غنى اغاني كوردية شعبية وفلكلورية، ففي السويد غنى في احدى الحفلات التي اقيمت في كانون الاول من عام 1986 وحكم عليه بتهمة الدعاية الانفصالية، لكنه اثبت عام 1987 بانه غير مذنب، وفي عام 1988 اصدر بحقه لائحة اتهام، وبسبب القساوة الشديدة والظلم والعنصرية من قبل حكام تركيا ضد الكورد حتى شملت نجومهم المغنين ومنعهم من الغناء باللغة الكوردية. توقف الفنان العالمي  ابراهيم تاتلس  عن تقديم اغاني كوردية، ففي مهرجان ثقافي في اوشاك عندما طلب منه ان يغني اغنية كوردية لكنه رفض وقال كلمته المشهورة  انا كوردي لكن القوانين تمنعني من الغناء باللغة الكوردي ويعتبرالفنان العملاق ابراهيم تاتلس رمزا للسلام والمحبة في تركيا، ففي عام 1998 قدم عرض ان يكون وسيطا بين الحكومة وحزب العمال الكوردستاني اثناء النزاع المسلح، لاحلال السلام الدائم في ربوع تركيا وكوردستان، وأبرم عقود البناء والاستثمارات العقارية مع اقليم كوردستان، وفي المانيا غنى بالكوردية وللبيشمركة، في وقت كان فيه التحدث بالكوردية جريمة يعاقب عليها القانون التركي العنصري البغيض اشد العقاب.

دافع بشجاعة عن حقوق شعبه الكوردي المظلوم في تركيا، وأصبح رمزا وطنيا وقوميا لامعا للامة الكوردية. وبسبب ما ذكرناه؛ لم ترتاح النفوس المريضة والعقول الشوفينية والعنصرية العفنة والحاقدة على الكورد وكوردستان في تركيا لشخصية هذا الفنان الكوردي العالمي ولاعماله الانسانية والوطنية، حيث قامت تلك النفوس الارهابية الفاشية التركية بعدة محاولات اغتياله.

 

 

ففي عام 1990 اصيب برصاص في قدمه، وفي عام 1998 نجا من محاولة اغتيال ثانية، وتعرض عام 2011 لمحاولة اغتيال ثالثة، اصيب برصاص في راسه نجا باعجوبة، ولكن تعرض لشلل. وعلى الرغم من تلك الظروف الصحية الصعبة انذاك قدم مجددا اغاني كوردية وللبيشمركة واغاني بالتركية بالاشتراك مع الفنان العالمي شفان برور في حفل اقيم في المانيا حضره الاف من الجاليتين الكوردية والتركية.

الفنان العالمي ابراهيم تاتلس وخلال مسيرته الفنية اصدار أكثر من 42 البوما وهو صاحب عدة قنوات تلفيزيونية خاصة بالاغاني والرقصات الفلكلورية المشهورة محليا وعالميا. شارك باكثر من 20 فلما سينمائيا فضلا عن تقديمه برنامج غنائي تركي شهير تميز اعماله الفنية بطابع انساني وتراثي وحضاري. دافع ايضا عن حقوق المراة في تركيا، ومن أشهر أقوله: ((لا داعي للدفاع عن حقوق المراة، فالمراة دائما على حق)) غنى للحب وللام وللحرية ومن أشهر اغانيه (امي، وحياتي انا، وانا يتيم، وشمامة، وانانية، وأخ كشكم، ولو يديك في يدي، وليلم ليل، والفراق، واحببت واحدا من من عبادك كثيرا، وغيرها)

حصل على عدد من الجوائز التقديرية خلال 1996 – 1997 وبعد انقطاع لمدة 11 سنة بسبب ما جاء اعلاه تعرضه لمحاولة اغتيال عام 2011، ظهر على المسرح في 11 / 5 / 2022 وبرفقة ابنته المغنية ديلان وقدم اغنية حزينة ومؤثرة بعنوان (ارام لن اتصل) وامام جمهور غفير من محبيه ومشجعيه فبكى واخذ يذرف الدموع من شدة احساسه بالظلم والغدر الذي وقع عليه من قبل عصابات ارهابية فاشية تركية. ولا يزال الفنان العالمي ابراهيم تاتلس في قمة عطائه الفني والموسيقي، ونتمنى له العمر المديد.

قد يعجبك ايضا