د. توفيق رفيق آلتونجي
فرهاد شاكلي شاعر، أديب وباحث. ولد في قرية شا كه ل، قضاء كفري، التابعة لمدينة كركوك عام 1951 .
درس المرحلة الابتدائیة في قریتە والمتوسطة والثانویة في مدینة کفري. بدأ دراستە الجامعیة في قسـم اللغة والأدب الکوردیین، بکلیة الآداب، جامعة بغداد في بدایة السبعینات. عمل في جریدة (برایە تی) الکوردیة الی جانب دراستە الجامعیة. نشر العدید من قصائدە وترجماتە الادبیة ومقالاتە في الصحف الکوردیة والعربیة. نشر دیوانە الشعري الأول (پرۆژەی کوودەتایەکی نهێنی: مشروع انقلاب سري) في ربیع ١٩٧٣ واستقبل بحرارة في الوسط الادبي الکوردي و کتبت عنە العدید من الدراسات. التحق بالثورة الکوردیة في آذار ١٩٧٤ ک پیشمرگە و عقب نکسة الثورة الکوردیة في آذار ١٩٧٥ عاد الی بغداد و عاود نشاطە السیاسی. بعد اعتقال عدد من رفاقە إضطر الی الأختفاء في العاصمة بغداد، لکنە استمر في نشاطە السیاسي السري. في بدایة ایلول ١٩٧٥ترک مع اثنین من رفاقە العراق و ذهبوا مشیا علی الاقدام الی سوریا. عاش في سوریا و لبنان حوالي العامین و مارس نشاطە السیاسي و نشر ترجمة قصائدە و عددا من المقالات في الصحف السوریة واللبنانیة. في صیف ١٩٧٧ ترک العمل السیاسي نهائیا و قرر تکریس کل طاقاتە للکتابة والدراسة و هاجر الی ألمانیا (الغربیة آنذاک) و لکنە ترکها بعد عشرة اشهر لیستقر في السوید منذ نهایة ١٩٧٨.
” بدایة القصة الکوردیة تعود الی العقد الثاني من القرن الماضي، وقد تزامن هذا مع تطور الصحافة الکوردیة التي کان مرکزها اسطنبول آنذاک. کذلک لعبت الادارة الکوردیة في جنوب کوردستان بقیادة الملک الشیخ محمود الحفید في اعوام ١٩١٩-١٩٢٣ دورا جوهریا في تطور القصة الکوردیة. البدايات الاخری لكتابة القصة تعود الى حقبة الاتحاد السوفيتي في منتصف الثلاثينات”
درس الادب الانگلیزي واللغات الشمالیة الأسکندنافیة في جامعة ستوکهولم، ثم درس اللغات الایرانیة القدیمة والحدیثة في جامعة اوپسالا و تخصص في تأریخ الادب الکوردي و تأریخ التصوف و تأثیرە في الآداب الکوردیة والایرانیة والعربیة. عام ١٩٨٨ عین کمدرس للغة الکوردیة بجامعة اوپسالا و بقي في عملە هذا حتی أحیل علی التقاعد عام ٢٠١٧، لکنە لا یزال یمارس نشاطە کباحث أکادیمي في الادب الکوردي والتصوف في الجامعة نفسها. نشر الی جانب کتاباتە الادبیة، کتابین باللغة الانگلیزیة هما (الفکر القومي الکوردي في مم و زین احمدی خاني) والقصة القصیرة الکوردیة الحدیثة الذي هو موضوع هذە المقالة.
نشر في منتصف الثمانینات مجلتین، واحدة باللغة الکوردیة (مامۆستای کورد: المعلم الکردي) والاخری باللغة السویدیة [المجلة السویدیة – الکوردیة: Svensk-Kurdisk Journal] و کان رئیس التحریر للأثنتین.
ترجمت قصائدە الی اثني عشر لغة اجنبیة، بینها الفارسیة والانگلیزیة والسویدیة والدانمارکیة والعربیة والایطالیة والفرنسیة…الخ. نشر دیوانین باللغة السویدیة تضمنا ترجمة عدد کبیر من قصائدە، هما [أوتار التنائي: Avlägsenhetens Strängar] و [لؤلؤة في برکة الحلم العکرة: En Pärla i Drömmens Grumliga Damm].
شارک في العدید من المؤتمرات العلمیة في مختلف الجامعات في العالم، کندا، الولایات المتحدة، بریطانیا، فرنسا، سویسرا، ایطالیا، الیابان، بلجیکا، ترکیا…الخ، و قدم ابحاثا و دراسات عن الادب والتصوف في کوردستان.
هاتفني العزيز فرهاد شاكلي بعد مرور اكثر من عقدين على اخر لقاء لنا في العاصمة السويدية ستوكهولم. قال اخيرا وجدتك عن طريق صديقنا المشترك الشاعر المجدد صلاح فائق. تحدثنا طويلا حول ذكرياتنا حول حبيبتنا كركوك طبعا. ارسل لي نص كتابه القيم البحثي حول القصة المعاصرة الكوردية وهي باللغة الانكليزية ومن إصدارات جامعة اوبسالا العريقة في السويد. أحاول هنا ومع الباحث عرض هذا البحث الثري والذي كان يفتقده المكتبة في العالم وخاصة ان البحث كتب باللغة الانكليزية.
البحث يمثل محاولة من قبل الباحث لدراسة القصة الكوردية القصيرة والمعاصرة وتطورها التاريخي منذ نشر كتاب “مولود نامته” للشيخ حسين قاضي* (1791-1870) الذي كان يمثل نموذجا للنثر الکوردي في مراحلە الأولية.
“إن الأمر الأكثر إثارة للقلق بشأن الوضع الثقافي واللغوي في كوردستان هو عدم وجود سياسة ثقافية ولغوية قادرة على إصلاح كلما حدث للثقافة من ويلات قرون من القمع والاحتلال، وفتح آفاق جديدة حتى يتسنى وتشارك في إثراء الحضارة الإنسانية. وقد يكون ذلك أيضاً جزءا من حالة عدم الاستقرار التي يعاني منها إقليم كوردستان كجسم سياسي جديد”
يعرض الباحث تطور القصة القصيرة منذ بد
اية ظهورها وحتى بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.الجدير بالذكر إن المسار السياسي للأحداث في عموم كوردستان، والظروف السياسية والاجتماعية والحروب التي توالت على المنطقة، أثرت بلا شك بقوة على تطور هذا النوع من الأدب من حيث المحتوى والأسلوب واللغة وكذلك على مجمل الإنتاج الأدبي الإبداعي للأديب الكوردي.
يقول الباحث:
” نادراً ما يجد الباحث في تاريخ آداب الشعوب المختلفة أدباً يعكس الوضع السياسي السائد ويشكل جزء من بنيته كما هو الحال مع الأدب الكوردي. إن ظهورها الأدب وتطوره والانتكاسات التي عانى منها، يشكل صورة موازية تماما للوضع السياسي في كوردستان في القرون الستة الماضية”. ثم يضيف قائلا:
بالرغم من انني شاعر و نشرت الی الآن ثمان مجموعات بالکوردیة، الا ان اهتمامي و حبي للنثر و للقصة والروایة الکوردیة لا تقل عن اهتمامي بالشعر. نتیجة عملي في جو علمي واکادیمي لم اجد ایة دراسة جادة عن القصة الکوردیة القصیرة باللغة الانگلیزیة، التي تلعب دورا عالمیا کبیرا في التعریف بآداب الامم المختلفة. لذلک صممت علی خوض هذە التجربة التي لم تکن سهلة، نتیجة صعوبة الحصول علی المصادر الکوردیة في العهد الصدامي، حیث کان ارسال المطبوعات الکوردیة عن طریق البرید العراقي مخاطرة بالنسبة للمرسل. استغرق العمل في هذە الدراسة أکثر من عامین. و کان نشرها ضمن مطبوعات جامعة اوپسالا دعما معنویا کبیرا، حیث ترسل نسخ من الکتاب الی عشرات الجامعات في العالم.
يذكرنا الباحث بان الصحافة الكوردية لعبت دورا محوريا في تطور القصة القصيرة والأدب بصورة عامة. ومع نهاية القرن التاسع عشر حوالي سنة 1898 تم إصدار أول صحيفة باللغة الكوردية، سميت “كوردستان.” وتعتبر قفزة نوعية في نشوء و تطور النثر الكوردي المعاصر على الرغم من انها كانت تنقطع اصدارها نظرا للظروف السياسية في كوردستان والتي بدورها قد تطورت خاصة الفكر السياسي والوعي الوطني وفي جميع اجزائها. كما يشير الباحث الى التجارب الأولية والتي كانت على شكل حكايات شعبية وهو ما كان عليه سمة الأدب في معظم دول الشرق من حيث احتلال الشعر المكانة الاولى في ادب شعوبها.
بدایة القصة الکوردیة تعود الی العقد الثاني من القرن الماضي، وقد تزامن هذا مع تطور الصحافة الکوردیة التي کان مرکزها اسطنبول آنذاک. کذلک لعبت الادارة الکوردیة في جنوب کوردستان بقیادة الملک الشیخ محمود الحفید في اعوام ١٩١٩-١٩٢٣ دورا جوهریا في تطور القصة الکوردیة. البدايات الاخری لكتابة القصة حسب الباحث تعود الى حقبة الاتحاد السوفيتي وفي منتصف الثلاثينات رغم انه يستبعد دراسة تلك الفترة في بحثه مع بعض الاستثناءات (كما في رواية الراعي الكوردي للكاتب عرب شمو ) معولا ذلك لعدد من ألأسباب : أهمها أن النظام السياسي في الاتحاد السوفييتي سعى إلى منع الاتصالات بين الكورد السوفييت والكورد القاطنين في الدول الأخرى والسبب الآخر هو أن الإدخال الإلزامي للأحرف (الكتابة السيريلية ) في كوردستان السوفييتية كان عائقًا عمليًا أدى، إلى جانب العقبات السياسية، إلى توقف التبادل الثقافي بين الكورد.
تساءلت عن الفترة التي بدا الطباعة والمطابع تستورد في نهايات الغهد العثماني واثره على عدم حصولنا على اي مخطوطات توثق سنوات ما قبل 1898 وان كان ذلك هو السبب لعدم توثيق الحكايات التي كانت تروى شفاهيا؟
یبدو ان المثقفین الکورد لم یولوا اهتماما کبیرا بالمسودات التي کادت موجودة في تلک الحقبة. ومع توطید الحکم الکمالي (نسبة الی مصطفی کمال) في ترکیا، اصبح من العسیر الحصول علی ای شيء في المکتبات و مراکز التوثیق والأرشیف. الآن بات الوضع احسن من السابق، حیث ان هناک الکثیر من الباحثین الکورد الذین یعملون في هذا المجال و بدأت أعداد هائلة من المسودات الادبیة تظهر الی النور وتنشر في کوردستان و یعمل الأکادیمیون الکورد في دراستها.
يرى الباحث كذلك انه لا يمكن عزل تطور القصة الكوردية القصيرة بمعزل عن كل تلك المحاولات الواعية للغاية لترجمات القصص القصيرة إلى اللغة الكوردية من لغات أخرى وعلى وجه الخصوص اللغات الأوروبية. كما يشير الباحث الى تاثير لغات الشعوب المجاورة للكورد في لغة ومصطلحات الأدب الكوردي وخاصة العربية، الفارسية و التركية كما في كلمة “حكاية” وتكتب بالكوردية (چيروك). يشير الباحث كذلك الى أسماء لامعة في الأدب الكوردي ممن كتبوا الرواية ومن كافة اجزاء كوردستان كما لا ينسى تقديم النقد الأدبي البناء لإعمالهم الأدبية. التفاؤل بالمستقبل فيما يخص اي إبداع يحتاج الى دعم من الكيان السياسي سالت الباحث:
هل تعتقد بان هذا الدعم متوفر في الظروف الحالية في الإقليم؟
رغم ان الوضع الثقافي في جنوب کوردستان متطور الی حد کبیر و ثمة حریة لا بأس بها في الکتابة والتعبیر، مقارنة بالوضع في ظل الحکومات العراقیة، الا ان ما یقلقني و یقلق الکثیرین من الکتاب والباحثین والمثقفین الکورد، هو انە لا نجد اثرا لما یسمی بالسیاسة الثقافیة واللغویة في کوردستان. لیس من الممکن بناء و تطویر الثقافة دون مشروع و مخطط جدي في هذا المجال. و یجب التأکید ان مشروعا کهذا لا یمکن فهمە و رسمە من قبل بعض الموظفین في الوزارات والادارات التي تعمل في المجال الثقافي والاکادیمي والتربوي. یجب اسناد الفکرة و تنظیمها و صیاغتها الی المثقفین والادباء والکوادر الذین لهم إلمام بالمسألة و لهم معرفة وثیقة بتجربة الدول المتطورة ثقافیا. ثمة الآن عشرات، بل مئات، من المثقفین الکورد الذین یعیشون في اوروپا و امیرکا والبلدان الأخری و لهم تجارب جیدة و معرفة جادة في هذا المجال. یجب الاعتماد علی هؤلاء.
يقول الباحث في ختام دراسته :
إن الأمر الأكثر إثارة للقلق بشأن الوضع الثقافي واللغوي في كوردستان هو عدم وجود سياسة ثقافية ولغوية قادرة على إصلاح كلما حدث للثقافة من ويلات قرون من القمع والاحتلال، وفتح آفاق جديدة حتى يتسنى وتشارك في إثراء الحضارة الإنسانية. وقد يكون ذلك أيضاً جزءا من حالة عدم الاستقرار التي يعاني منها إقليم كوردستان كجسم سياسي جديد،سيتولى الزمن تثبيته وتعزيزه. إلا أنا لإبداع الأدبي لا يحتاج إلى التكيف مع القوانين والقرارات الشكلية. كما انه يرى النور في المستقبل بناء على التطورات الهائلة في عالم المعلوماتية والاتصالات والانترنت كما يشير الى اهمية الجيل الجديد من شباب الكورد المتعلم في المنافي ودورهم في نشر الثقافة والأدب الكوردي كما يعرج على التطورات المتسارعة في اقليم كوردستان الواعد. هذا الكتاب يملأ حيزا مهما في تاريخ الأدب الكوردي المعاصر ويقدم للباحث مراجع مهمة حول الأدب والأدباء الكورد. وكون لغة الكتاب الانكليزية ولغتها الأكاديمية سيكون مرجعا أكاديميا مهما للباحثين في المستقبل.
الأندلس ٢٠٢٣
إشارات:
لوحة غلاف الكتاب الانكليزي من أعمال الرسام: فريدون صادق أيوبي.
*قاضي،شێخ حسين: مە ولوود نامه بە زمانی کوردی (المولد النبوي باللغة الکردیة)،بغداد ، 1935
صدر للأديب فرهاد شاكلي إلی الآن ٤٨ کتابا، فیما یلي عناوین البعض منها:
مشروع انقلاب سري – شعر، بغداد ١٩٧٣ وأربيل 2000،
نهر شعاع من شمس حمراء – شعر، بيروت 1977،
طلعة – شعر، اوبسالا، السويد 1981،
الوتر – شعر، ستوكهولم 1985 وأربيل 2000،
احفر صورتك على جدران زنزانتي – شعر، ستوكهولم 1994 وأربيل 2002.
رائحة العتمة – قصص، ستوكهولم 1997 وأربيل 2000 .
القومية الكردية في مم وزين لأحمدي خاني – دراسة منشورة باللغات: الإنكليزية 1983 و1992 والسويدية 1985 والعربية 1995 والتركية 1996 .
الوخز بالأبر، دراسات عن العلاقات الثقافیة والسیاسیة بین الکرد والعالم الغربي، الطبعة الثانیة، آراس، هولیر، ٢٠١١.
النثر الفني الكردي (دراسة) – ترجمها الى التركية (روهاتآلاكوم) إسطنبول 1988 .
نوختەی نوونەکەی ژیان [نقطة حرف النون في کلمة ژیان]، دار نشر اندیشە، کردستان، ٢٠١٦.
لغة العاصفة، حلم النسیم، الطبعة الثالثة، مقابلات ادبیة و فکریة، دار نشر سردم، السلیمانیة، کردستان، ٢٠٢٢.
رفیق حلمي، صفحة من تجربة المثقفین الکرد، دار نشر سردم، السلیمانیة، کردستان، ٢٠٢٢.