الجزء الأول
حاوره : د. توفيق رفيق آلتونچي
خارطة الطريق للعراق الاتحادي وآفاق المستقبل
العراق الاتحادي كدولة ذو نظام اتحادي طوعي لشعب ذا خاصية تعددية قومية وعقائدية وفكرية. لم تتجذر الفكرة كمفهوم عند الشعب العراقي وهذا طبيعي لان معظم الحكومات ما بعد إعلان ن دولة العراق الحديثة عرفت نظاما مركزيا قويا تدار السلطة فيها من العاصمة بغداد وعلى الأكثر من قبل العسكر والقوات الأمنية. ناهيك عند المواطن العادي نرى حتى السياسيين ومن يمثلون الشعب العراقي في البرلمان معلوماتهم شحيحة حول النظام الاتحادي من ناحية ومن ناحية اخرى حتى عن نصوص الدستور الاتحادي. هذا يؤدي الى غياب وعدم وجود أرضية حوارية بين الأحزاب السياسية والجماعات المسلحة. ما عدا الهم الطائفي والقومي اما الهم الوطني فينظر اليه من منظورهم الفكري والعقائدي. كل هذا يؤدي في النتيجة الى التخاصم وعدم التفاهم حتى على سقف وقاسم مشترك كما هو عليه الوطن.. وقد يصل الى الحرب.
“السلطة المركزية تعمل بشكل منفصل كليا عن مصالح الإقليم ٬ والاقليم الذي يعاني من انقسام وتشتت يعاني من مشاكل لم تتم معالجتها خصوصا عملية التصنيع والتطوير وفق أسس اقتصادية حديثة والتخلي عن الاعتماد على الناتج النفطي وتقلبات أسعار السوق ٬ ويمكن استثمار كامل الموارد وتنويع المصادر وتشجيع القطاع الخاص”
في حواري مع الأستاذ الجليل القاضي المتقاعد زهيركاظم عبود الذي يعد خزينا معرفيا قانونيا وذو تجربة حياتية غنية قضاها في العراق وفي خارجه سنحاول معا السير على خطى الفكر القانوني لتكوين الدولة الحديثة.
س:- استاذ, مند عقود ونحن نعمل معا من اجل عراق ديمقراطي وننادي بالمجتمع المدني كقاسم مشترك لنظام تعددي ديمقراطي. اليوم بعد مرور زهاء عقدين على احتلال العراق وسقوط النظام الدكتاتوري كيف تحللون من وجهة النظر القانونية التطورات في النظام العراقي؟
ليس المطالبات والتمنيات وحدها من يجعل النظام ديمقراطيا وتعدديا ٬ وبالرغم من النظام الجديد في العراق وبحكم نصوص الدستور العراقي وهو اقوى وثيقة قانونية تعمل وفق نصوصها جميع السلطات ٬ رغم انه نص على ان جمهورية العراق دولة اتحادية مستقلة ذات سيادة كاملة ٬ والحكم فيها جمهوري نيابي ( برلماني ) ديمقراطي ٬ الا ان الواقع الملموس يمكن ان يتناقض مع هذا التوصيف ٬ فالسلطات يتم تقسيمها وفقا للتوافق القومي او المذهبي ٬ وبالرغم من ان التعددية المذهبية او القومية عناصر إيجابية في التلوين الوطني الا استغلالها بهذا الشكل يلغي العمل بمبدأ الديمقراطية التي تتطلب ان يكون صوت الشعب هو الأساس ٬ والركون الى الطائفية او التمسك بقومية دون أخرى يجعل من تلك المبادئ مجرد كلمات على الورق ٬ نحن بحاجة الى تطويع ذاتي لممارسة الفعل الديمقراطي ومنح الاخر الفرصة والاستماع الى الراي المخالف ٬ وعدم وضع حواجز ترهب الراي او تحاول تقييده والنيل منه ٬ وعلينا ان نستوعب ان جميع الأفكار والآراء التي تعمل من اجل بناء العراق الجديد لها مكانة في عملية الترميم والبناء ولايمكن ان يتم استثناء احد مهما كانت التبريرات ٬ ومادام العراقيون متساوون في الحقوق والواجبات ٬ ومادام ان لكل مواطن حقه في الحياة والحرية والامن وان تتم كفالة حرية التعبير وحرية التظاهر وان تتم محاسبة من يقدم على أي عمل يتناقض مع تلك الحريات ٬ الشهداء والضحايا الذين قاربوا ٨٠٠ عراقي في تشرين تم إخفاء قضية محاسبة من تسبب بذلك بالرغم من ان الجريمة لا تتقادم في العراق.
س:-إقليم كوردستان يزدهر عمرانيا رغم هشاشة السقف في البيت الكوردستاني والتدخلات الخارجية في امور الإقليم والمعوقات من قبل الحكومة المركزية كيف ترون مستقبل العلاقة بين الإقليم والمركز؟
. 2- التطبيق الخاطئ لمفهوم الدولة الاتحادية في العراق ينعكس سلبيا على مصلحة المواطن ٬ التعددية والاقرار بحقوق الاخر تحول الى مصالح وتناحر ٬ السلطة المركزية تعمل بشكل منفصل كليا عن مصالح الإقليم ٬ والاقليم الذي يعاني من انقسام وتشتت يعاني من مشاكل لم تتم معالجتها خصوصا عملية التصنيع والتطوير وفق أسس اقتصادية حديثة والتخلي عن الاعتماد على الناتج النفطي وتقلبات أسعار السوق ٬ ويمكن استثمار كامل الموارد وتنويع المصادر وتشجيع القطاع الخاص ٬ عملية البناء تتطلب الانسجام في تطبيق عملي وعلمي لخطط اقتصادية ممنهجة ٬ وعلى الدولة ان تستقر على مبدا اقتصادي شامل لترميم الخراب الحاصل في الاقتصاد ومعالجة هذا الخلل ومن ثم السير بخطى ثابتة لبناء عراق اتحادي فيدرالي يضمن المستقبل للأجيال القادمة.
س:-النظام الاتحادي يدعمه قضاء ومحكمة اتحادية ما مدى نجاح هذه التجربة في العراق وهل ترون تسيس القضاء سببا مباشرا على تعثر اداء المحكمة الاتحادية وعملها بعيدا عن استقلالية القضاء؟
بحكم الاستقرار السياسي وقوة الملاحقة الجادة لقوى الإرهاب في كوردستان العراق ورصانة عمل الأجهزة الأمنية وصيانة الامن الداخلي يجعل من عملية الاستثمار جادة وناجحة ٬ وهو ما تفتقده الحكومات العراقية السابقة ٬ وللإنصاف بدا تحول فعلي في عملية تحجيم دور الإرهاب الا ان وجود ميلشيات مسلحة مهما كان اسمها او صفتها يتناقض مع نص الفقرة ( ب ) من المادة ( ٩ ) من الدستور ٬ الميليشيات العسكرية المسلحة صورة من صور التجاوز على الدستور وإضعاف للمؤسسة العسكرية وأجهزة الأمن الداخلي ٬ ولهذا تجد ان الاستثمار في الإقليم واضح وملموس ٬ والعلاقة بين المركز والإقليم لا تسير على خطى ثابتة او صحيحة وهناك اختلافات وإشكالات عديدة لم تأخذ الحل الجذري ووضع مصالح الناس قبل مصالح قيادات الإقليم او العملية السياسية في العراق ٬ وهذا الامر يضعف الثقة بين الأقاليم والمركز ولايخلق رصانة في عملية البناء وتعزيز الثقة والتي تؤثر عليها مواقف بعض السياسيين والقوى والشخصيات بحكم المصالح والحسابات للأسف ٬ واذا نظرنا الى مستقبل العلاقة بين المركز والاقليم يجب ان نزيل الغموض والارباك في نصوص الدستور ٬ وان يتم تعديل الدستور ٬ وان نضع نصوص دستورية تحكم تلك العلاقة بشكل واضح لا لبس فيه بعيدا عن التأويل والتفسير المتعدد ٬ اذا كنا جادين في نظام اتحادي يمنح الأقاليم حقوقه القانونية كاملة ويعزز علاقته بالحكومة المركزية ٬ اننا اليوم نشهد تناحر مصالح بين قوى سياسية تضر بمصلحة الشعب في كل العراق ٬ وان تكون النية والدافع الحقيقي لتجسيد مفهوم الدولة الاتحادية والاستفادة من تجارب الدول التي تجاوزت هذه المرحلة في التطبيق قبلنا.
س:-القوانين العراقية تحتاج الى اعادة نظر وتحديث خاصة تلك القوانين ذو المضامين القومية السلبية والعنصرية ما مدى نجاح التجربة العراقية في هذا المضمار؟
ان تكون لنا محكمة اتحادية عليا تأخذ على عاتقها ان تراقب دستورية القوانين وتفسر لنا النصوص ٬ وتفصل في القضايا التي تنشا عن تطبيق القوانين الاتحادية ومهمات أخرى حددتها المادة ( ٩٣ ) من الدستور العراقي ٬ مثل هذه المحكمة لم تكن موجودة في جميع الأنظمة التي مرت على العراق ٬ وما يجعل قرارات هذه المحكمة رصينة وجادة ان قراراتها نافذة ومكتسبة للدرجة القطعية وواجبة النفاذ والتطبيق وملزمة لكافة السلطات ٬ ولا يجوز تمييزها او الاعتراض عليها ٬ والإشكال يكمن في عدم تمكن السلطة التشريعية حتى اليوم من سن قانون يحدد شكل تكوين المحكمة وعدد أعضاؤها من القضاة او من عدد من خبراء الفقه الإسلامي او فقهاء القانون ٬ وانني أرى ان تتشكل المحكمة من عدد من القضاة ولهم ان يختاروا خبراء من الضالعين في العمل القانوني او الفقه ٬ واذا تغلغلت السياسة الى جسد القضاء اعتقد حينها ان النظام بدا يتراجع ٬ والخراب بدا يظهر ٬ فلا مجال لاي قاض الانتماء الى أي حزب او جهة سياسية او العمل في النشاط السياسي ٬ وهذا الامر من موجبات العمل القضائي في كل مكان ٬ مع اني لا انفي وجود قضاة ينحازون او يلتزمون مع قوى سياسية او حزبية ٬ ومع نسبتهم القليلة الا انهم يخرقون مبادئ وقيم العمل القضائي وعليهم الاستقالة والتنحي عن المركز القضائي والعمل مع تلك الجهات السياسية ٬ والقضاء عمود أساسي من أعمدة السلطات الثلاث وقوته باستقلاليته وحياديته ٬ ونحن اليوم ببداية عمل بناء أسس جديدة ورصينة لسلطة قضائية مستقلة.
“الإشكال يكمن في عدم تمكن السلطة التشريعية حتى اليوم من سن قانون يحدد شكل تكوين المحكمة وعدد أعضاؤها من القضاة او من عدد من خبراء الفقه الإسلامي او فقهاء القانون ٬ وانني أرى ان تتشكل المحكمة من عدد من القضاة ولهم ان يختاروا خبراء من الضالعين في العمل القانوني او الفقه ٬ واذا تغلغلت السياسة الى جسد القضاء اعتقد حينها ان النظام بدا يتراجع ٬ والخراب بدا يظهر”
س:-الاقليم لا يزال يتعامل بقوانين تعود لحقبة النظام البائد ربما لكون التجربة السياسية حديثة وتقترن معظم القوانين السارية اليوم في الاقليم بالمركز رغم وجود البرلمان الكوردستاني الذي يحق له اصدار قوانين تلائم تكوين المجتمع الكوردستاني، ما وجهة الخلل في التطليق؟
كثيرا ما دعونا الى إعادة تقييم ومراجعة النصوص القانونية في القوانين النافذة ٬ وان ذلك يكون من خلال مؤتمرات قانونية تقدم نتائج ابحاثها ومراجعاتها ٬ النصوص القانونية التي تحكم افعالنا او تعاملاتنا قديمة تتعارض مع تطلعنا لبناء نظام قانوني رصين ٬ قانون العقوبات يحتوى على العديد من النصوص التي لاتتلائم ولاتتفق مع الاتفاقيات والمعاهدات التي يوافق العراق عليها ٬ وبالرغم من المناشدات العديدة لأصوات قانونية وطنية الا ان الأصوات والمطالبات تخفت او تضيع امام التطاحن السياسي والتزاحم على المراكز والمناصب والمكاسب ٬ ومعيب ان تمضي فترة اكثر من عشرين سنة على التغيير وقيام النظام الجديد دون تعديل او تبديل النصوص البالية والمتعارضة من نصوص الاتفاقيات ولوائح حقوق الإنسان ٬ وهي دعوة نكررها ونضعها امام أنظار السيد رئيس مجلس القضاء الأعلى والسلطة التشريعية.
ليس الإقليم وحده من يتعامل بالقوانين القديمة ٬ ولا نغبن حق القيادة التشريعية في الإقليم والتي شرعت نصوص قانونية جديدة تتلائم مع حقوق الانسان والتطور الإنساني ٬ والتفات المجموعة القانونية في برلمان كوردستان الى هذه الجهة يشكل توجها إيجابيا راقيا ٬ والخلل ليس في تعديل النصوص القانونية انما يكمن في البحث عن حلول إنسانية للمشاكل الاجتماعية التي يعاني منها شعب كوردستان العراق ٬ مشاكل البطالة وتعيين الخريجين والعمل على تطوير قدرات الشباب ودعم القطاع الخاص وتطوير الزراعة والاهتمام بملف المياه والري وإيجاد أبواب ومصادر دخل إضافي داعم للحياة ومشكلة السكن ومجانية التعليم ومحو الامية وغيرها من السبل هي التي تشكل اهتمام السلطة التشريعية في الإقليم.