التأخي / سلمان شوكت
تترقب الصحافة المصرية فك قيودها التي تثار على فترات متباينة وتتعلق بزخم الأحداث السياسية في البلاد، وأصبح الكثير من أبناء المهنة ومعهم مجلس نقابة الصحافيين ينتظرون تحقيق أحلامهم في مساحة كبيرة من الحريات عقب انتهاء الانتخابات الرئاسية في الثاني عشر من ديسمبر الجاري، لبدء حقبة جديدة من المفترض أن تتأسس على مناخ عام إيجابي يكرس حرية الصحافة .
وأظهرت المطالب التي رفعها نقيب الصحافيين المصريين خالد البلشي إلى المرشحين الأربعة الذين يخوضون المنافسة في الانتخابات الرئاسية، وفي مقدمتهم الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، لأي درجة يعوّل الصحافيون على أن تكون الفترة الرئاسية المقبلة نقطة تحول في علاقة السلطة بالإعلام، بعيدا عن القيود والتضييق والتهميش .
وسلطت النقابة الضوء على هموم المهنة وأصحابها بجملة مطالب عاجلة، وأخرى يمكن التفاوض حولها لاحقا، ما شكّل إحراجا لسلطة تتقدم بخطوات بطيئة في ملف الحريات، وأخفقت في تبرير التضييق السابق على الصحافيين، وروجت إلى أنها حققت تقدما في رفع القيود على الإعلام وأتاحت أمامه حرية العمل .
وتضمنت قائمة المطالب إطلاق سراح جميع الصحافيين المحبوسين والإفراج عن سجناء الرأي الذين لم يتورطوا في عنف، وأرفقت النقابة قائمة كاملة بكل الصحافيين الأسماء، مع حتمية رفع الحظر عن المواقع الإخبارية التي حُجبت في السنوات الماضية، ومراجعة القوانين التي تفتح الباب على مصراعيه للحجب الحرية البناءة لن تجلب مخاطر سياسية، والخط الأحمر الوحيد أن تتحول إلى وسيلة للابتزاز والإضرار بالأمن القومي .
ودعت النقابة إلى إعادة الاعتبار للصحافة القومية كأحد روافد التنوع في المجتمع، وتجديد دمائها عبر إطلاق حرية مجالس التحرير في رسم السياسات التحريرية لكل مطبوعة، وتعيين مئات الصحافيين المؤقتين الذين أصبحوا عمادا للعمل داخلها، فهناك أعداد كبيرة منهم وصلت فترات عملهم إلى عشر سنوات دون تعيين .
وقال خالد البلشي للمرشحين الرئاسيين “إن الإفراج عن الصحافيين المحبوسين لا بد أن يأتي ضمن حزمة إجراءات تمنع ضم آخرين لقوائمهم، وتؤكد قدرة الصحافيين على أداء عملهم بأمان، وبلا خوف من النيل من حريتهم التي ينبغي أن تكون على رأس أية ضمانات لتحقيق انفتاح حقيقي، وأية مساعٍ تهدف إلى بناء دولة ديمقراطية .”
وظهرت ملامح تفاوض السلطة مع الصحافيين أثناء جلسات الحوار الوطني التي دعا إليها الرئيس السيسي للاستماع إلى رأي المؤيدين والمعارضين من مختلف الفئات والتيارات للوصول إلى صيغة توافق تستهدف تحسين الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكانت مطالب الصحافيين جزءا أصيلا من حوار قد يعاد انطلاقه عقب إجراء انتخابات الرئاسة .
وأكد محمد سعد عبدالحفيظ، عضو مجلس نقابة الصحافيين، أن “مطالب أبناء المهنة مشروعة ومنطقية وتتلاقى مع الإصلاحات التي يتم التسويق لها، وتحتاج فقط إلى إرادة فعالة للاستجابة لها، وطالما هناك اصطفاف يجب أن تتواجد أصوات مقابلة تحقق التوازن وتنقل نبض الشارع وإعادة الاعتبار للمهنة كصوت للحق والضمير .”
وما يُطمئن الصحافيين أن الحكومة التي ظلت متخوفة من الحريات الإعلامية بدت أكثر مرونة عقب تدشين الحوار الوطني ومشاركة المعارضة فيه، بعد أن وجدت أن الحرية البناءة والمنضبطة لن تجلب مخاطر سياسية، والخط الأحمر الوحيد أن تتحول إلى وسيلة للابتزاز والتحريض ورعاية وجهة نظر تضر بأمن الدولة .
وأوضح نقيب الصحافيين الأسبق يحيى قلاش أن أي حكومة رشيدة عليها التعامل مع مطالب مهنة الصحافة إذا أرادت تحسين الأجواء السياسية، وهناك حاجة ملحة إلى تغيير قناعات بعض الدوائر الرسمية تجاه النقد والرأي العام والكف عن تصنيفها كل معارضٍ متآمرا، والاستقرار الأمني والسياسي الراهن يكتمل بالحريات الإعلامية .
وقال إنه “لا يجب رهن المناخ الإعلامي الحر بالظروف السياسية، والاصطفاف الكامل خلف السلطة لا يصنع استقرارا دائما، بل إن وجود آراء مختلفة تتحدث بحرية وبلا خوف وسيلة هامة لتبصير صاحب القرار وتحذيره من الخطر، فالحريات تستهدف تثبيت أركان الاستقرار السياسي، لا ضربه أو محاولة هدمه .”
ولم تخل مطالب الصحافيين من حتمية اتخاذ الرئيس القادم إجراءات اقتصادية تدعم صناعة الصحافة عبر تدخل الدولة لتخفيف الأعباء عن المؤسسات الصحفية على مستوى الطباعة والضرائب، وإقرار تعديل تشريعي لإسقاط الفوائد عن مديونياتها والسعي لإقرار لائحة أجور عادلة وإلزام المؤسسات بتطبيق الحد الأدنى للأجور .
ويُدرك مجلس نقابة الصحافيين الحالي هذه الإشكالية جيدا، لذلك ينتهج سلوك التفاوض والحوار بشكل عقلاني مع أجهزة الدولة بعيدا عن التشنج الذي صاحب مجالس سابقة غلبت عليها المعارضة لاقتناعه بأن قضايا الصحافيين يجب حلها في إطار سياسي هادئ يُجنب المهنة الدخول في نفق مظلم مع الحصول على قدر من المكتسبات .
وبغض النظر عن مدى وجود إرادة سياسية لتحقيق طموحات الصحافيين، فالأهم أن تقتنع السلطة بضرورة وجود إعلام قوي يحقق المنفعة للجميع، الصحافيون والسلطة والمجتمع، وأن قوة الدولة لا تتأثر بقوة منابرها الإعلامية على مستوى الحريات، خاصة إذا كانت الدولة تعيش مرحلة تواجه فيها تحديات مصيرية .