(نحن جميعاً نجذف في القارب نفس )

سالم اسماعيل نوركه

قيل : ( إن الجليس الصالح خير من الوحدة، وهي خير من جليس السوء .. ) ١ وأيضاً جليس المرء مثله وهو ( على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)٢ فصحبة الكرام ترفع المقام ، ومجاورة جميل الروح تَصُبْكَ عدوى جماله وكذلك قيل قل لي من تعاشر أقول لك من أنت ..وشبيه الشيء ينجذب اليهِ.. صغتُ هذه المقدمة للتعريف بصديقي في الفكر والرؤيا الذي ما أن يجمعنا محفل اجتماعي ولقاء الاقارب والاحبة إلا وتتقارب أفكارنا ونحن نتجاذب أطراف الحديث ، لا أخفيكم سراً حين أقول إنني حريص أن اجالسَهُ واسمع طروحاته القيمة وأحياناً وكأنه يعطيني مفتاح الغوص في بعض المواضيع مثل هذا الذي بين أيديكم واتمنى أن ينال رضاكم .

قال صاحبي : إن المرء حين يقدم على فعل معين عليه أن يعرضه على ضميره أولاً والمبادىء والقيم والصواب وعدم التسرع في الفعل ثانياً وعرضه على قيم الحق والاجتماعية النبيلة وحين يحصل على الموافقة وجواز الاقدام وحينه عليه أن لا يتردد أما إن لم يحصل على جواز الأقدام يجب أن يتوقف كي لا يندم على فعله وإياهُ أن يضع نفسه في موقف وما يعتذر منه ويحرج أهله وناسه أحياناً ( لا فائدة من الندم ما دام لا يمحي ما حدث . ) ٣ .

قلت له يا صاحبي : أسمح لي أن أحول ما دار بيني وبينك الى مقال وقد حصلت منه الموافقة وكان جل كلامنا عن المباديء والقيم التي تعد من أهم الركائز الأساسية التي تعتمد عليها المجتمعات من أجل البناء والتقدم وهي التي يجب أن تسود في المجتمع للنهوض به ، هي عبارة عن الصفات المحمودة التي يحبها الناس فالصدق والامانة ، التعاون ، الحياء كما إن الكرم ، الإيثار ، الرحمة والرفق والتكافل الاجتماعي ومساعدة الآخرين من ابرز الأمثلة على القيم الاجتماعية النبيلة إلا إن الأمر بدأ في الانحدار الى الوراء بدأت القيم الاجتماعية تتلاشى شيئاً فشيئاً والبعض يعيب الزمان ولو نطق الزمان هجانا أن من لم يستطع السير بشكل أمثل مع الزمن، فهو قادر على أن يسير من دونه .

لذا لهذا التراجع الخطير عن القيم الاجتماعية أسباب منها
١- عدم الوعي وقلة الثقافة .
٢-التأثير السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي .
٣- تفضيل المصلحة الشخصية على مصلحة المجتمع مما اوجد الانانية وحب الذات والتفاوت بين الناس .
٤- تفضيل المادة على الروح وعلى حساب المباديء واختلال العلاقة والميل المفرط نحو الماديات وبوسائل الغاية تبرر الوسيلة .
٥-كما إن التطور والانفتاح الشديد والمفرط جعل الانسان يتبع شهواته بدأ البحث عن انصاف الحلول .

والانسان بلا مباديء وكانه ساعة بلا عقارب والعقل والمصلحة بعيداً عن المباديء قد تنشأ عنهما الكثير من الكوارث ولا بقاء لحضارة من دون اخلاق وفي العلم قوة عظيمة إذا لم تحط بسياج من الاخلاق انقلبت الى قوة هدامة مدمرة .

وحتى على مستوى الدول والعلاقات الدولية الأمر انحرف كثيراً عن المسارات الصحيحة نتيجة الابتعاد عن القيم والمبادئ فهناك دول عديدة في العالم تناصر الباطل وانظروا الى خارطة العالم ومواقع التوتر والقتال سترون العجب من الظلم والعدوان ويكافأ المعتدي
اسمحو لي أن أعود لاروي لكم هذه القصة التي تتجلى فيها اروع القيم والمبادىء والمواقف النبيلة والعبر السامية وتسابق في السمو والتضحية والفداء والحفاظ على أسس لابد أن تدوم يقال أن فارس شق أرض الملك بفرسه التي تحرم الدنو منها والقيَّ القبض عليه واحضر لديوان الملك فسأله : ألا تعلم إن التجاوز على هذه الارض والسير فيها يعرض فاعله لأشد العقوبات قد تصل لحد الاعدام !
قال أعلم ! لِمَّ أقدمت إذن على هذا الفعل ؟!

لأني أردت أقتصر الطريق وأوصل العلاج لأبي المريض .
سينزل بك أشد عقوبة لعلمك بالأمر .
لكن يا سيدي أسمح لي أوصل العلاج وأعود ثم أمر بما تريد ..
ومن يضمن عودتك وانت محكوم بالاعدام . !قال ؛ مخاطباً الحضور في حضرة الملك
من يُكَفَلّ عودتي وانا غريب عن هذه الديرة ..
قال رجل طاعن في السن أيها الملك المبجل دعوه يذهب
بكفالي ولكن ان لم يعود تنال العقوبة نيابة عنه .
دعوه يذهب أنا الضامن
فأطلق الملك سراحه وسمح له بإيصال الدواء لأبيه وبعد غياب طال بعض الوقت عاد الفارس وأمر الملك بأطلاق سراح الرجل الضامن كبير السن فتعجب الملك بعودة
الفارس وهو محكوم بالاعدام .
لِم عدت وانت محكوم بالاعدام ؟! ايهاب الملك أسأل ذلك الشيخ لِمَّ كفلته وعقوبته شديدة وغير معروف
سيدي الملك عدت كي لا أغلق باب المعروف واحسان هذا الرجل لي ووضع رقبته ضماناً لعودتي سيادة الملك المعظم وانا أرجع له الآن حريته كاملة بعودتي وايضاً لأشكره على انقاذ أبي وقال الملك للشيخ لِمَّ كفلته وهو محكوم بأقسى عقوبة ؟!

كي لا يقول الغريب في الغربة ليس لي والي ،
كلاهما أبهرا الملك والحضور بنبل موقفهما لكنه سأل الفارس كيف تجازف بحياتك هكذا !؟قال سيدي الملك أن كان لابد أن يموت أحدنا أما انا أو أبي فأنا فاديهُ بروحي وهذا الرجل أيضاً بمقام أبي بإحسانه ملكني .
وامام هذا الموقف المشرف من كلاهما أمر الملك باكرامِ كلاهما والاحسان لهما .

والشيء بالشيء يذكر عندما سأل أحد الصحفيين كرستيانو
رونالدو لماذا لا تزال أمك تعيش معك ؟

فأجابه رونالدو بالقول : أمي رئتي وضحت بحياتها من أجلي كنا فقراء جداً كانت تذهب للنوم جائعة فقط تدعني أكل لم يكن لدينا المال على الإطلاق ، لقد عملت كامل ايام الأسبوع وفي الليل كانت تعمل ك (منظفة ) حتى تتمكن من شراء أول حذاء لي لأكون لاعب كرة قدم ويقال إن ( الأم تحب برقة، والاب يحب بحكمة )ولكي تكون الحياة حلوة علينا جميعاً بالقيم السامية وموازنة ايجابية بين المادة والروح وعدم الاخلال بالعلاقة بينهما بصلاحنا جميعاً تصلح الحياة.
وكلام مفيد: إذا كانت الحياة أشبه بقارب ف: ( نحن جميعاً نجذف في القارب نفسه ) .
———————
١-الصحابي ابو موسى الأشعري الكوفي .
٢-حديث شريف .
٣-جوزيه ساراماغو .

قد يعجبك ايضا