ماهين شيخاني
اخضوضرت الدرباسية وأطرافها ببساط ربيعي، وبدأ الناس يخرجون لرعي ماشيتهم.كنت أنا وزميل لي بالقرب من صوامع الحبوب المتاخمة للحدود .(لولا المفرزة العسكرية القريبة منها لأستطاع الإنسان أن يقفز من سورها ويدخل الى تركيا).
يسألني زميلي عن الدراسة وعن المدة التي بقيت خارج البلدة لإكمال الدراسة وهل أستطيع التوظيف في صوامع الحبوب، باعتبار دراستي في مجـال الزراعة. أثناء الحديث التفتَ نظري الى ديك رومي يأتي باتجاهنا من الشمال.
انتابني شعور خفي وكأن هذا الديك هو قدري ، وتذكرت وعل سيامند تيبستُ في مكـاني وأنا انظر إليه .كيف نُتف ريشه وهو يريد ان يخرج نفسـه من بين الأسلاك الشـائكة الواقعة بيننا وبين تُركيـا وبعد محــاولات متكررة تخلص الديك أخيراً من أسـلاك ونزل إلينا فأمسكنا به.
ابتسم صديقي وقال:يا لطعامنا الشهي لهذا اليوم!!
وبعد فترة قصـيرة خرجت فتاة من الدار، تنظر هنا وهناك وكأنها فقدت شيئاً ما انتبهت إ لينا ونحن ننظر أليها
فاتجهت نحونا دون أن تبالي بالمفرزة العسكرية أو الحرس، نعم اتجهت إلينا وأنا مندهشٌ لجرأتها.
أنها فتاة عصرية لباسها يدل على أنـها من خارج البلدة الصغيرة.
اقتربت .واقتربت حتى أصبحت على بعد بضع خطوات على مقربة
منا.سلمت علينا بالتركية . فقلت : ؟ tu kurdmanje
فَرِحَتْ كثيراً لدى سماعها بذلك ورددت بلغتي:نعم إذاً أنتم كورد أهلا وسهلاً.
فقلت لها : ألا تخافين من العسـاكر .إذا رآك أحدهم سيطلق النار عليك ابتعدي رجاءً ألست من هنا؟
ردّت قائلة: من هنا ولكنني ادرسُ في مكان آخـر.
أوه، يا للصدفة وأنا ادرس في مكان آخـر غـير الدرباسية.ولكن ماذا تدرسين.
قالت :ادرس لكي أتخرج معلمة مدرسة(خوجة).
حسناً فعلتِ ، معلمـة ، ستُخرجينَ جيلاً يستطيعون التقرب من السياج وحتى قطعها أليس كذلك؟.
ضحكت وقالت:هل تعلم أنك جعلتني أنسى ما جئت ابحث عنه.فقد نسـيت الديك حيث خرجت لأفتش عنه لنذبحه .
– إذاً هذا الديك لكم ورفعته.
– نعم .نعم !إنه هو. ياله من إبليس ، كيف عبر الحدود ؟ .
– سأرده لكم ولكن بشرط ؟
– قالت : قبل ان أتكلم: عرفت شرطك أن لا اذبـحه وهذا وعد مني أن لا أذبحه مهما حصل.ولكن قل لي ماذا تدرس أنت .
– قلت: دراستي في مجال الزراعة ولكن..
– ولكن ماذا…؟ ألم تنتهِ منها…؟
– نحن يا آنسة مواطنون من الدرجةالأخيرة،توظيفنا صعب وحياتنا اصعب، ندرس ونتعلم،نغترب ونأتي إلى هنا – ثم أشرت إلى صوامع الحبوب – لنشتغل عتالين بدلاً عن التوظيف وقفتْ هنيهة دون حراك وكأنها تألمت لمأساتي.
وقالت : أريد منك ان تكتب عنوانك حتى أراسـلك وأعرف منك كل شيء فهل هذا ممكن؟.
أخرجتُ القلم وكتبتُ اسمي وعنواني على ورقـة صغيرة ووضعت بينها حجرة و قذفت بها إلى الجهة الأخرى ، رفعت يديها لي شاكرة.
فقلت:الباب التي خرجت منها لكم إذاً.
قالت : نعم لنا .
قلت: في أيام الربيـع نخرج عادة إلى هنا نتمشى ونريد ان نكـون قريبـين من الجبـل أكثر بإمكانك أن تخرجي يوم الجمعة حوالي السـاعة الخامسة على ذاك التل وأنا سأخرج و سأكون هناك قرب ال… – وأشرت بإصبعي إلى الاتجاه المطلوب – فبيتنا قريب من هناك.
أمسـكت بالديك ورميته وكأنني ارمي قطعة من قلبي لها وقلت:حافظي عليه.نَظرتْ إلي.لوحت بيدها وابتعدت شيئاً فشيئاً حتى دخلت الباب والتفتت إلينا ورفعت يدها مرة أخرى.
رجعتُ إلى البيت وصورتها لا تفارق ذهني وكلامها لا يفارق من مسمعي إنهـا نغمٌ لحنٌ موسيقي في أُذُنَي وبقيتُ كالتائه لأيام. وانتظرت وعشت لحظات أعدفيها الساعات والثواني وقد استعرت من صديق لي منظاراً.
وأخيراً جاء يوم الجمعـة واقتربت الساعة من الخامسة وقلبي يدق وتراودني أفكار شتى هل يا ترى ستأتي الى موعدها ، أم انها كانت مجاملة لا اكثر ولا اقل و نسيتني؟.
مازال المنظـار أمامي. وعيني لا تترك العـدسة وإذ يزداد خفقان قلبي وخانني اللاشعور وصحتُ بأعلـى صوتي إنها هي ..!…إنها هي انظروا…! انظروا جيداً إنها تخرج من الدار نفسها وتتجه نحو التلة المقصودة بالذات لوحتُ لها بيدي وقلبي يرقص فرحاً ، وكأنه يريد ان يخرج من صدري.
لوحتْ أيضا بيديها وبقينا هكذا نلوح بأيدينا حتى غابت الشمس و منذ ذلك الوقت،أراسلها وتراسلني ، حتى خصصت ألبوما لصورها وصور أهلها أنها تكتب كل شيء…كل …ما يجول في خاطرها.. وحبنا يكبر وشـوقنا يزداد يوماً بعد يوم…ومـع ذلك لا أستطيع رؤيتها ولو مرة واحدة.
رؤيتنا للبعض فقط من خلال الصور والرسـائل ، ومناسـبات الأعياد من بعيد فقد كتبت لي ذات مرة تقول: لماذا لا تستطيع زيارتنا.فأبناء بلدكم يأتون إلى تُركيـا ألا تُحبني بالله عليك إذا كنت تحبني فاحصل لك على جواز سفر وتعالى اليَّ أنني بانتظارك، مشتاقةٌ لرؤيتك ، أنتَ قدري، فهل كتُبَ علي ألا أراك.
فقلت : يا حبيبتي ألم أقـل لك نحن مواطـنون من الدرجة الأخيرة. فأنا محروم من هويتي كإنسان ، محروم من أبسط الحقوق الإنسانية محروم من حق المواطنة فأين لي بجواز سفر كي آتي إليك. آه…أيتها الحدود اللعينة إنك لست من حديد،لأن الحديد يذوب،يتأثر بالبرد والحرارة وحرارة قلوبنا تذوب أقسى أنواع الحديد والسياج.
(( و بعد خمس وعشرون سنة كتبت الجزء الثاني “قصةالحدود” ))
استبشرت الناس خيراً بعد التحول الذي طرأ على البلدان التي كانت تطالب بالحرية ، لكن بعد ستة أشهر على المظاهرات دخل البلد في مرحلة غير متوقعة و غير محمودة حيث نحت باتجاه آخر ﻻ تحمد عقباه ، وعندما اقترب أتون الحرب والدمار من منطقتنا , تسللت من تركيا مجموعات مسلحة واستولت على مدينة رأس العين القريبة من الدرباسية وبثت الرعب في قلوب الناس فلاذت بالفرار وهجرت شعبها وتأثرت درباسية بتلك اللعبة السياسية المقيتة بين أطراف النزاع ففروا الناس وهجروا منها أيضاً ، فاضطر ” صابر” مع أسرته الصغيرة الخروج من المدينة كغيره والتوجه إلى الشمال “سرخت” للحصول على الأمن وفرصة عمل لتأمين لقمة العيش لأسرته.
وأخيراً حط الرحال في العاصمة ” أنقرة ” بعد معاناة قاسية للبحث عن العمل في ورشة بناء , سكنوا مع العمال في منطقة قريبة من العاصمة حيث مكان عملهم , وبعد شهر ونصف قرر هو وصديقه أن ينزلا إلى العاصمة كونه لم يرى هذه المدينة من قبل وان يغير جو العمل ويستفيد من هذه الفرصة التي ربما لن تعوض و لم تسنح لهم ذلك بعد اليوم . تجولا في شوارعها وأسواقها وبعد أن هدهما التعب توجها إلى الحديقة العامة ليأخدا قسطا من الراحة.
كان قبالة مقعدهما ” كشك صغير ” تقف الناس ارتالا لشراء البوظة والأطفال يمرحون ويلعبون وهما يصيخان السمع لقهقهات و ضحكات الأطفال فيتذكرا حرمان أطفالهما من هذه المتعة والتسلية , في تلك اللحظة لفت انتباهه إلى امرأة وابنتها الشابة وهن واقفات على الدور أمام الكشك، انتابه شعور خفي ، اربكته ، فقال لصديقه :
ما رأيك بقرنين من الدوندرمة ( البوظة )..؟.
رد ضاحكاً : وهل المليحة بدها سؤال ..؟!!!.
حسناً انتظرني لحظات وتكون الدوندرمة أمامك.
توجه نحو الكشك ، مرافقاً بإحساس غريب يشوبه الحزن حيناً وبالغبطة والسعادة حيناً ، لا يعلم هل الإحساس هو من نسيم الحديقة ام عطور النساء الفواحات . انتظر الدور كغيره حتى دنا من طاقة الكشك . لمح لتلك المرأة ثانية , شعر بقشعريرة تنتابه بقوة وألم يعتصر قلبه , يحدق في عينيها تذكر “آينور” حبيبته التي تركها على حدود الدرباسية . وكأن التي أمامه تفاحة انشطرت لقسمين , تشبهها تماما , ملامحها . نظاراتها الطبية ، والشامة التي على خدها الأيمن وأصبح يسال ذاته :
معقول … تكون هذه “آينور” التي لم أراها إلا مرة واحد منذ عشرون عاما ومن خلال الصور ..ربما يخلق من الشبه أربعين وهذه “الانقراوية” من بينهن .لاحظت نظراته المريبة نحوها ,زاورته وحدقت نحوه ولم ترفع نظرها , دنت منه ثم صرخت :
ما بك تنظر إلي هكذا , ألم ترى النساء بحياتك .. ماهذه الأخلاق يا أخي ..احترموا الناس .
تجمد في مكانه لم يعد رجلاه يحملانه ،اندهش وريقه تراجع للوراء و خرس اللسان عن النطق.
قالت : سبحان الله .سبحان الله . همج , همج هكذا بشر .
مهلا .مهلا يا بنت الناس . كفاك إهانة وإذلال ، فقط سؤال لو سمحت ، هل تجدين الكوردية أم لا.
قالت : نعم . أعرف الكوردية وما ادراك انت ثم ما شانك بذلك ..ّ؟ .
تنفس الصعداء وقال: الله اكبر …معقول / تذكر عندما رآها أول مرة وهو يحمل الديك الرومي وسألها أتجدين الكوردية /.ابتسم وقال: سيدتي , عرفت النساء الكثيرات الكثيرات بعدد شعرات رأسك , ولكن مثل هذا الوجه لم أره طيلة عشرون عاماً
أنت كوردي – تبسمت – أتعرفني …؟.
نعم . عزًّ المعرفة , أعرفك – ورفع رأسه نحو السماء – مثلما أرى هذا القرص بالسماء هي الشمس , أعرفك أكثر من كل الناس . صورتك لم تبارح خيالي منذ عشرون سنة . أنتي “آينور” و شمر عن ساعده وقال :
تمعني جيداً , اسمك مرسوم على ساعدي . أليس هذا اسمك . ما ذنبي وخطيئتي إذا لم تتذكرينني وربما طويت صفحة الماضي ورميتها في طي النسيان.
التفتت خلفها لجهة بنتها واخت زوجها على مقربة منهن وقالت له : اسمعني جيداً ، انا لا اعرفك ولم أراك بتاتاً ، لم التبلي على عرض الناس ،هل مسك الجنان يا فتى .
مسني الجنون عندما رأيتك . أتذكرك ولم أنساك وبدا الدمع يسيل من عينه . هل أنتي متأكدة من إحساسك . راجعي بذاكرتك بضع سنوات .
الله . الله . فعلاً انت رجل غريب الأطوار . أنا لا أفهم ماذا يدور بمخيتلك وعن ماذا تتحدث..؟ .
ستفهمينني …وهز رأسه…؟. إذا سمحتي لي بالجلوس لبضع دقائق لوحدنا ، بضع دقائق فقط . وهذا وعد . سأشرح لك ، إن كان هذا وهم او التباس .
لا باس بضع دقائق فقط . فابنتي وعمتها برفقتي .
كما تشائين . لن أطيل كثيراً.
جلسا على إحدى المقاعد القريبة التي لا تبعد عن أهلها . وصديقه يسترق النظر ويبتسم.ويقول : ماذا يفعل هذا المعتوه , سيسبب لنا مشكلة وسيطرنا الأتراك من بلدهم.
أنا صابر..؟…هل تتذكري صابر…؟!!!.
صابر . من شينورت .
ابتسم وقال : لا من الدرباسية .
صابر الذي أعطاني الديك و ….؟.
وماذا …انطقيها ..؟.
طرقت رأسها ودمعت عينها وقالت :
لا أصدق , بعد كل هذه السنوات وبعد ان غزا الشيب رؤوسنا , سامحني أرجوك . فقد جرحتك بالكلام . لكن الحمد لله الذي جمعنا دوم ميعاد.
الحمد لله على كل شيء ..وانا ايضا لا اكاد اصدق , هل هو حلم ام علم , نلتقي هنا دون ان يعلم احدنا بالثاني ,لقد أسميت ابنتي باسمك ” آينور ” سبحان اسمه ..كانت المسافة بيننا بضعة أمتار تفصلها سكة القطار والسياج ولم نستطع التحدث معا وبعد عشرون سنة أراك أمامي و أحدثك ، أكاد لا اصدق ..لكن يبدوا ان الحب والموت لا ياتيان بموعد ولا يستاذنان من احد
فقدت الأمل بحضورك إلينا , بسبب عدم إمكانية حصولك لجواز السفر كونكم من الأجانب حسب الإحصاء الجائر بحق الكثير من الكورد . تزوجت من ضابط في الجيش ولدي ابنة هذه التي ترافقني وعمرها عشرون عاما وابن وعمره ثمانية عشر عاما وهما يعملان في مشفى العاصمة , وأنا اعمل في قسم المحاسبة في إحدى الشركات ، فتحت حقيبتها لتخرج هاتفها واستأنفت قائلة :
اكتب في دفتر ملاحظتك رقم هاتفي وعنوان سكني وسأكون سعيدة لو تشرفت بزيارتنا .
آينور غاليتي لا استطيع المجيء إليكم , ماذا ستقولين لأهلك …؟ّ. هو صديق قديم ام مشرد من دياره ليس له احد فقمت بمساعدته ’ أشكرك ولكن اعتذر لعدم إمكاني زيارتكم حرصاً على سمعتك وسمعة عائلتك أيضاً. لنكن أصدقاء على الفيسبوك وأوفياء لقدرنا ، ابنتي آينور تعلمت التركية وستحدثك دائما وستترجم رسائلك لنا , كما اتمنى ان تقولي لابنتك وعمتها بانه شبهني بإحدى قريباته ، وبعد هنيهة استودعها وصافحها وحرارة يديها أشعلت جمرة متقدة في قلبه , ورجع إلى صديقه وهو يتابع خطواتها بنظراته حتى وصلت إلى أهلها المذهولين.
بعد انتهائهم مدة العمل قررا العودة إلى مكان إقامتهم في تركيا أي سيودع العاصمة وبعد أن حجزوا الرحلة, اتصل بها ليودعها , فتوسلت أن لا يذهب دون يجتمعا معا مرة ثانية , فأخذا موعداً بعد صلاة الظهر في نفس الحديقة.
اقترب الموعد ، ركبت سيارتها وعينيها تراقبان دقائق الساعة وقلبها يخفق بشدة كأنها ستقابل حبيبها خلسة لأول مرة .. ركنت سيارتها وأسرعت وهي تنزل السلالم باتجاه حبيبها الواقف تحت ظلال شجرة وارفة , أرادت أن تضمه بقوة لكنها سيطرت على مشاعرها أمام الخلق , تصافحا وجلسا على المقعد قريبين من بعضهما .
أنت ذاهب إذن..؟. كنت أود أن تبقى هنا للأبد ..؟.وبمقدورنا ان نؤمن لكم عمل هنا…؟.
شكراً لك ، لطفك غمرني بسعادة لن أنساه ما حييت ، سنرحل انه قدرنا ونصيبنا…!!!؟. وربما نترك تركيا نهائياً .
لماذا ..؟.
والدي مريض وساغامر بالذهاب إلى سوريا ..
وكيف تذهب , بالتهريب , لقد شددوا المراقبة على الحدود، و وبنوا جداراً عالياً تفصل بيننا ، فصلوا الروح عن الجسد.
علي الذهاب وحدي أولاً ومن ثم سيتبعني عائلتي فيما بعد.
لا عليك , لا تشغل بالك , باستطاعة أهلي تأمين خروجك من الحدود .
كيف , لهم معارف من الضباط وسيساعدوننا في ذلك ، فالمال يطوع اكبر الرتب .
انبسط أساريره وقال :
لقد أجهدتك معي وسببت لك متاعب جمة..
وهل الارواح المتآلفة تسبب متاعب ,ما اجمل الارواح حين تتالف مع ارواحنا وان بعدت , انه اقل واجب اتجاهك ولكن عدني أن ترجع إلى هنا ..
لا استطيع ان أعدك بذلك ، فمصيرنا كشعب مجهول ، ولا أعلم ماذا كتب على جبيني, قد لا آراك بعد عشرون سنة ثانية .
حسناً ، حين تقرر الذهاب أخبرني ، قلوبنا معكم, وأنا سأهتم بموضوع خروجك من تركيا، لن اقول الوداع بل بحمى الرحمن وحفظه والى اللقاء..
في قلب كل إنسان مكان ما، لا يستطيع إن يصل اليه أي كان ..
بعد عودتهم من العاصمة “أنقرة” تأهب صابر للسفر والنزول الى موطنه لرؤية والده ، فأخبر “آينور” بموعد السفر ، كي تتصل مع أهلها على الحدود…
كان فصل الشتاء و درجة الحرارة تشير إلى السادسة ومع حلول الليل نزل صابر من السيارة المستقلة واتجه إلى منزل والد “اينور” قرع الجرس ..
استقبله صاحب المنزل ولكن المفاجأة كانت حضور “اينور” ذاتها والتي كانت قد حضرت لتوديعه ، حين راته غرد بلبل قلبها في احدى الزوايا فرحاً ، مثلما غرد بلبله بذات اللحن.
بعد أن اخذ قسطاً من الراحة ، خرج والد”اينور”هاتفه واتصل ، ثم توجه بالسؤال الى صابر :
بعد ساعة من الآن سيكون هناك تبديل الدورية وحينها كما اتفقت مع الضابط ستحمل سلماً مع ابن أخي وتتجهون نحو الجدار القريب منا ومنها تتكل على الله وتقفز الى “بنخت”..
سارافقهم الى الحدود ، و بالتحديد من مكان خروج ذاك” الديك الرومي ” التي تعرفت من خلاله على صابر ، قالت “اينور” ..
لا…لا…مستحيل ، برد قارس و ظلام ، يكفي أنك تعذبت هذه المسافة وجئت ِ الى هنا.
كانت الساعة تقترب من الموعد ، تاهب لحمل السلم مع ابن عم “اينور” و ودع الحاضرين ، واقتربا من الجدار الفاصل ووضعا السلم على الجدار ، حينها كان المنظار الليلي لرئيس الدورية ترصد الجدار شرقاً و غرباً على طول المسافة التابعة لهم ، فلمح خيال شخص على الجدار ، فأمر بتسليط الضوء الباهر على الجهة المطلوبة وتوجيه الطلقات و دوى أزيز الطلقات حيث استنفرت المفارز القريبة ، وارتدعت أوصال الأهالي في البلدة رعباً..
تراجع الشاب المرافق بلمح البصر خفية تحت جنح الظلام باتجاه المنزل و سقط “صابر” من اعلى الجدار الى الطرف الثاني “بنخت” و دوى صراخ قوي منه وصلت لاذني “اينور” ذعر بلبلها الساكن في عشه ،فسقطت مغمى عليها ، فاقدة الوعي .