التآخي ـ وكالات
صدمة في أنحاء أوروبا آثارها الانتصار المفاجئ الذي حققه حزب “الحرية” اليميني المتطرف بزعامة غيرت فيلدرز السياسي الشعبوي المناهض للإسلام في الانتخابات التشريعية. فماذا يعني ذلك؟ لاسيما انه يرغب في أن يتولى رئاسة الوزراء عقب الانتصار الذي حققه حزبه الحرية اليميني المتطرف.
ويعد السياسي الهولندي الشعبوي، غيرت فيلدرز، وجها معروفا في أنحاء أوروبا وربما في العالم بسبب سياساته وتصريحاته المتطرفة المناهضة للهجرة والمعادية للإسلام، وتشكيكه المستمر في جدوى الاتحاد الأوروبي وبالطبع بطريقة تصفيف شعره، بحسب المراقبين.
بيد أنه عقب الانتصار المفاجئ الذي حققه حزبه “حزب الحرية” في الانتخابات التشريعية الأربعاء (22 تشرين الثاني)، سوف يتردد اسم فيلدرز كثيرا في أوروبا وأروقة الاتحاد الأوروبي مع تشكيل الحكومة الهولندية الجديدة.
فقد فاز حزب الحرية بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان بحصوله على 37 مقعدا من أصل 150، برغم أنه من غير المؤكد أن ينتهي الأمر بقيادة أو دخول الحزب الحكومة أو هيمنته عليها في ضوء أن هولندا تحكمها دائما حكومات ائتلافية متعددة الأحزاب.
وجاء تحالف اليسار الوسط في المركز الثاني بحصوله على 25 مقعدا، يليه حزب “الشعب من أجل الحرية والديموقراطية” الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء المنتهية ولايته مارك روته، بعد حصوله على 24 مقعدا، ثم حزب “العقد الاجتماعي الجديد” بـ 20 مقعدا.
وفي ظل حالة الغموض التي تكتنف المشهد السياسي الحالي في هولندا، فإن مسار تشكيل الحكومة الجديدة لا زال ضبابيا.
لكن يمكن تشكيل ائتلاف يميني يضم أحزاب “الحرية” و”الشعب من أجل الحرية والديمقراطية” و”العقد الاجتماعي الجديد” شريطة أن تكون الأحزاب الأكثر وسطية مستعدة للانخراط في ذلك. ونقلت رويترز عن فيلدرز قوله عقب فرز الاصوات، إنه يرغب في تولي رئاسة الحكومة المقبلة.
ولم تتوقف الصدمة على هولندا بل وصل صداها إلى الاتحاد الأوروبي إذ بات التكتل الأوروبي يساوره القلق إزاء برنامج فيلدرز المثير للجدل الذي لا تتعارض بعض بنوده مع القوانين الهولندية فحسب وإنما تتعارض مع قوانين الاتحاد الأوروبي.
وسلط بِن كوتس، الصحفي البريطاني الذي يعيش في هولندا منذ أكثر من 20 عاما ومؤلف كتاب “لماذا يختلف الهولنديون عن غيرهم”، الضوء على النقاط الأكثر تطرفا في برنامج حزب “الحرية” اليميني الشعبوي.
وكتب على موقع إكس، قائلا “استفتاء بشأن خروج هولندا من الاتحاد الأوروبي وإنهاء كامل لقدوم اللاجئين ووضع حد لحرية الحركة الشاملة لعمال الاتحاد الأوروبي وحظر المدارس الإسلامية والمصاحف والمساجد والحجاب في المباني الحكومية وإنهاء والدعم العسكري لأوكرانيا وطرد تركيا من حلف الناتو”.
وسادت الخلافات بشأن قضية الهجرة أركان الائتلاف بقيادة حزب “الشعب من أجل الحرية والديمقراطية”.
وقد بنى فيلدرز مسيرته السياسية على مواقف مثيرة للجدل بداية من إهانة المغاربة وحتى تنظيم مسابقة رسوم تصويرية لنبي الإسلام محمد فيما يزعم أنه نصب نفسه لوقف ما أطلق عليه “الغزو الإسلامي للغرب”.
بدوره، يقول ستيغن فان كيسيل، المحاضر في جامعة “كوين ماري” في لندن، إن فيلدرز خفف من لهجته بخاصة المعادية للإسلام، في الأسابيع القليلة الماضية ربما لما تقتضيه مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة.
وفي مقابلة أضاف “يرغب فيلدرز في ترك هذه القضايا جانبا أو تجنب إثارتها وتضخيمها مع بدء مفاوضات تشكيل الحكومة الائتلافية، لأنه قال إن هناك أولويات أهم الآن خاصة تكلفة المعيشة، لكن الهجرة دائما أولوية تتصدر أولوياته”.
في المقابل، أظهر حزب “الشعب من أجل الحرية والديموقراطية” بزعامة ديلان يسيلجوز زيجيريوس استعدادا أكبر للعمل مع حزب ” الحرية” اليميني المتطرف في تناقض لمواقف رؤساء الحزب قبلها.
وأشار كيسيل، إلى أن زعماء الأحزاب الشعبوية اليمينية مثل رئيسة وزراء إيطاليا الحالية جيورجيا ميلوني يقدمون على التخفيف من حدة خطاباتهم المناهضة للاتحاد الأوروبي بمجرد توليهم مناصب حكومية، مضيفا “إنهم لا يرغبون في أن تتصدر قضية التكامل الأوروبي الأولويات”.
وأشار إلى أنه حتى فيلدرز قام بتخفيف خطابه المثير للجدل منذ عام 2012 من الدعوة إلى خروج هولندا من الاتحاد الأوروبي إلى المطالبة بإجراء استفتاء على خروج أو بقاء البلاد ضمن التكتل الأوروبي.
لكن يحذر مراقبون من أنه في حالة رئاسة فيلدرز الحكومة الهولندية الجديدة فسوف يكون بمقدوره عرقلة السياسات المناخية والدعم العسكري لأوكرانيا والهجرة فضلا عن المفاوضات بشأن ميزانية الاتحاد الأوروبي المشتركة.
يرى كيسيل، الخبير في شؤون الحركات الشعبوية، أن جزءا من الانتصار الذي حققه حزب “الحرية” بزعامة فيلدرز يعود إلى حزب “الشعب من أجل الحرية والديمقراطية” الذي وضع قضية الهجرة التي تقلق الناخبين في قلب الحملات الانتخابية.
وقال إن ما أقدمت عليه يسيلجوز زعيمة حزب “الشعب من أجل الحرية والديموقراطية” قد أدى إلى نتائج عكسية، مضيفا “تشير الأبحاث إلى أن أحزاب اليمين الرئيسة تخسر في حالة التركيز على قضايا الهجرة بشكل كبير لأنها لا تفعل سوى إضفاء الشرعية على رسالة اليمين المتطرف. وفي نهاية المطاف، يصب ذلك في صالح أحزاب اليمين المتطرف الشعبوي. لأن أحزاب اليمين الرئيسة تحول النقاش العام بشكل كبير نحو هذه القضايا”.
وربما يعود الانتصار الانتخابي الذي حققه حزب “الحرية” إلى منافسات اللحظة الأخيرة بين الأحزاب، إذ قال كيسيل إنه في ايام فقط، حصل حزب فيلدرز على المركز الرابع في استطلاعات الرأي بنسبة 13%، لكنه استمر في التقدم وحصل على نسبة 23% في الاستطلاع الأخير قبل بدء التصويت.
وكان يتوقع أن يشكل صعود حزب “العقد الاجتماعي الجديد” مفاجأة، لكن غموض زعيمه بيتر أومتسيجت بشأن بعض القضايا خاصة احتمالية توليه منصب رئيس الحكومة، أدى إلى تحويل الأنظار إلى حزب “الحرية”.
ويسود قلق بين المسلمين عقب فوز فيلدرز الذي تعهد بإغلاق المساجد وحظر القرآن.
ويرى مراقبون أن فوز حزب “الحرية” اليميني الشعبوي في هولندا قد يكون بمنزلة “مؤشر ضمني على مشاعر الناخبين في بلدان أوروبا الغربية بشكل عام” قبل الانتخابات الأوروبية في حزيران المقبل لانتخاب أعضاء البرلمان الأوروبي وكذلك الانتخابات في بلجيكا.
ويقول المراقبون إن اليمين المتطرف قد عزز تواجده في معظم أنحاء أوروبا في السنوات العشر الأخيرة مع وصول جورجيا ميلوني زعيمة حزب “إخوان إيطاليا” اليميني المتطرف إلى السلطة العام الماضي وحصول زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا مارين لوبان على المركز الثاني في الانتخابات الرئاسية السابقة واحتلال حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي المركز الثاني.
وعلى وقع ذلك، ربما شعر زعماء اليمين المتطرف في أوروبا بأن الصواب قد حالفهم إذ غرد رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان أوربان، قائلا “هبت رياح التغيير”.
وذهب بالازس أوربان، أحد مستشاريه، إلى القول بأن “أوروبا تستفيق! انتصار اليمين الهولندي”.
وفي بلجيكا، رحب زعيم حزب انفصالي في منطقة الفلاندر الناطقة بالهولندية بفوز حزب الحرية إذ قال توم فان جريكن – زعيم حزب اليمين المتطرف “فلامس بيلانغ” – إنه في الوقت الذي تشعر فيه “النخب بالقلق بشأن قرب نهاية العالم، يشعر الناس الاعتياديون بالقلق بشأن ماذا سيقع نهاية الشهر..أولئك الذين يريدون التغيير يجب أن يختاروا زيادة قوة الأحزاب المناهضة للأنظمة”.
ويرى كيسيل، المحاضر في جامعة “كوين ماري” في لندن، أن الكرة باتت الآن في ملعب الأحزاب الرئيسة بخاصة التي تنتمي إلى اليمين الوسط من أجل الدفاع عن الديمقراطية الليبرالية في مواجهة السياسيين الشعوبيين من أمثال فيلدرز ذوي الأجندات الاقصائية.
وقال “لا مجال للسياسيين الذين يدعون أنهم وحدهم يتحدثون باسم الشعوب. وهذا يناقض الليبرالية وفي نهاية المطاف يشكل خطرا على الديمقراطية”.