اعداد: عدنان رحمن
اصدار: 28- 11- 2023
كتب الدكتور مصطفى عبد القادر النجار كتابا بعنوان ( إمارة المحمرة- دراسة لتاريخها العربي- 1812- 1925) في العام 1981، الذي صدر عن وزارة الثقافة والاعلام في العراق ضمن السلسلة الاعلامية بالرقم ( 123) حينذاك، كان الكاتب قد تحدث عن تاريخ المحمرة وما يهمنا ما ذكره عن الفيليه لذلك نورد الجزء المتعلق بذلك المذكور في عنوان فرعي ( الهجوم البريطاني على المحمره سنة 1857).
– ” بينما كانت المفاوضات جارية بين فارس والدولة العثمانية حول تحديد تبعية المحمرة نشبت حرب قصيرة الامد بين بريطانيا وفارس سنة 1856 بسبب خلافات الاخيرة مع افغانستان- حليفة بريطانيا- واحتلال فارس هرات فتقدم القائد الانكليزي جيمس اوترام في شط العرب وضرب المحمرة في ٢٦ مارت سنة ١٨٥٧ واحتّل الضفة الشرقية من شط العرب.
ولقي من السلطات العثمانية في العراق كل مساعدة، فقد كانوا يأملون من هذه الحرب أن تُضَّم المحمرة للعراق. ويذكر لوريمر ([1]) بأن سقوط المحمرة في يد الانكليز قوبل بالابتهاج في البصرة.
ومما يذكر ان امير المحمرة الحاج جابر اضطر الى الانسحاب الى الدعيجي على الضفة الغربية لشط العرب في البصرة. وقد بحث القائد الانكليزي مع السلطات العثمانية امكانية ضم مدينة المحمرة الى ولاية بغداد. ولكن قبل ال يتم اي اتفاق سياسي كانت معاهدة باريس قد أبرمت في مارت ١٨٥٧، التي كان من شروطها انسحاب الانكليز من جميع المناطق التي احتلوها بمجرد خروج الفرس من هرات.
أما بالنسبة لأمير المحمرة الحاج جابر فقد عاد الى امارته إثرَ انسحاب الانكليز منها بعد ان مكثوا فيها قرابة الثلاثة أشهر، ولكن فارس كانت قد أعدت له مكيدة أوقعته في قبضتها فزجته في السجن حتى سنة ١٨٦٢ حيث أفرجت عنه بعد أخذ ضمانات منه.
ويذكر لوريمر انه استطاع في الفترة التالية لحكمه ان يحتفظ بنوع من الاستقلال النافذ ([2]). وبعد استقرار الحاج جابر في امارته فكَّر في نقل مقره من المحمرة الى موضع يبعد عنها كيلو مترا واحدا كان يسمى ( أبو جذيع) فتحوَّل سنة ١٨٦٥ إليها واطلق عليه اسم ( الفيليه). وكان ذلك نتيجة للتفكك القبلي الذي ساد المحمرة. وقد عمل الحاج جابر على اخماد جذوته وقد اضطر في بعض الاحيان الى طلب المعونة من ناصر بن راشد السعدون ( شيخ المنتفك) وعبد الله الثاني الصباح ( شيخ الكويت) ([3]). واستطاع بذكائه ان يؤلف بين قبائل المحمرة ويكسبها الى جانبه فوطد بوحدتهم استقلاله. ودام حكم الحاج جابر على المحمرة قرابة النصف قرن. وقد توفي عام ۱۸۸۱ ليخلفه ابنه الشيخ مزعل”.
أمّا في المجموعة القصصية للاستاذ زياد الحسيني الهاشمي التي كانت بعنوان ( الشيطان والوالي كهلان) الذي صدر بطبعته الاولى في العام 2022 ببغداد عن دار اس ميديا للطباعة والنشر والتوزيع، وبعنوان فرعي ( شارع الأغنياء ممنوع دخول الفقراء) ورد في جزء منها:
– ” في شارع الاغنياء الكبار لا يسمح بالدخول إلا حسب نـوع سياراتهم الفارهة وعدد سيارات الحماية.. شارع الاغنياء مرتاديه مُعرفين والزحام مساءً على أشده. تتوزع المطاعم الفارهة وصالات القمار، البعض منهم يأتي قبل آذان العشاء، والبعض الآخر بعده في حفلات المجون حتى الفجر وجُلهم من سماسرة المال وكبار التجار والسراق. شارع الاغنياء فيه الخدمات على اوج قيمتها المباني والخدمات البلدية تتواصل والنظافة بأمر عمدة المدينة بينما شوارع الفقراء مع سكانها تشكو الاهمال لرب السماء. ذات مساء اقتحم الشارع رجل كبير السن بسيط الملبس كث اللحية وبشعر ابيض منفوش يتوكأ على عصا يمشي الهوينا اوقفه كبير رجالات الحمايات: ماذا تريد أيها الشيخ؟ ارحل من هنا فالمكان لا يليق بك
فأجابهم: نعم لا يليق بي إنه مكان قذر وشيطاني، لكني جئت لأمرٍ مهم.
الحارس: وما هذا الامر الذي جاء بك إليه في هذه الساعة المتأخرة؟ هل جلبت معك الاموال لتعلب بالجولة القادمة في صالة الروليت.
العجوز: كلا يا بني لا توجد عندي الاموال لأجل ذلك، واذا ما كانت عندي اموالاً كافية فأني سوف لن أرميها هنا.
الحارس: أيها العجوز عليك مغادرة المكان واخشى أن يشاهدك قائد الدورية بكاميرة المراقبة ويأتي لأبعادك ومحاسبتنا.
العجوز: لم اكن افكر او احسب أن يأتي هذا اليوم الذي اصبحت مقاليد الامور بيد السفهاء والاراذل.
الشرطي: سيدي العجوز ارحل من هنا فأنك غير جدير بهذا المكان، ماذا تريد؟.
العجوز: سأرحل ولكني جئت اريدكم ان تنادوا على ولدي الذي دخل لصالة الروليت حاملاً معه مبلغاً من المال وهو قيمة المبلغ الذي باع فيه منزلنا القديم، وجاء لكي يعوض خساراته المتكررة. لقد باع ذهب زوجته وبيته ولم يبق سوى بيتي القديم الذي لم يكن لي العلم بأنه قد باعه لقد كنت راقداً منذ شهر بالمستشفى فأنا مريض وعلى وشك الموت.
سيدي العجوز: لا يمكنني ان ادخل وانادي فأن الصالة لا يدخلها احد بعد ان تبدأ احتفالية اللعب فتقفل الابواب حتى الفجر بإمكانك ان تحاسب ابنك غداً صباحاً هذا اذا شاهدته مرة أخرى، فلقد رأيت بأم عيني العديد مـن الرجال ينتحرون”.
وللأديب جاسم صبيح الهاشمي كتاب بعنوان ( شقاشق النعمان وقلايد الجُمان) الذي طبع بغداد عام 2023 في مطبعة الكتاب ببغداد، وكان قد ورد في جزء من عنوان فرعي ( المنهل السادس- غربة الاوطان) ما يلي:
– ” هذا الباب يتضمن اسفار شعراء المهجر مثل جبران خليل جبران و ميخائيل نعيمة وايليا أبو ماضي وفلسفتهم الفكرية في كل ما يتعلق بالطبيعة والمجتمع وآراؤاهم في شتى مناحي الحياة الاجتماعية، ولتكن البداية مع مواكب جبران التي تعبر عن كل ما يختلج في صدره وما احتوى عليه عقله وفحوى وجدانه وهذه مختارات من مواكبه:
الخير في الناس مصنوع اذا جبروا – والشر في الناس لا يفنى وان قبروا وأكثر الناس آلات تحركها – اصابع الدهر يوماً ثم تنكسرُ فلا تقولن هذا عالم علم ولا تقولن ذاك السيد الوقر
فأفضل الناس قطعان يسير بها صوت الرعاة ومن لم يمشي يندثر وما الحياة سوى نوم تراوده – احلام من بمراد النفس يأتمرُ والسر في النفس حزن النفس يستره فان تولى فبالافراح يستتر والسرُ في العيش رغد العيش يحجبه – فان ازيل تولى حجبه الكدرُ فان ترفعت عن رغد وعن كدر – جاورت ظل الذي حارت به الفكرُ وقل في الارض من يرضى الحياة كما تأتيه عفواً ولم يحكم به الضجرُ لذاك قد حولوا نهر الحياة الى – أكواب وهم اذا طافوا بها خدروا فالناس ان شربوا سروا كأنهم رهن الهوى وعلى التخدير قد فطروا فذا يعربد ان صلى وذاك اذا آثرى وذلك بالأحلام يختمرُ فالارض خمارة والدهر صاحبها – وليس يرضى بها غير الأولي سكروا فان رأيت آخاً صحواً فقل عجباً – هل استظل بغيم ممطر قمر والدين في الناس حقل ليس يزرعة – غير الأولي لهم في زرعه وطرُ
من آمل بنعيم الخلد مبتشر – ومن جهول يخاف النار تستعرُ
فالقوم لولا عقاب البعث ما عبدوا رباً ولولا الثواب المرتجى كفروا كأنما الدين ضربٌ من متاجرهم – ان واضبوا ربحوا او اهملوا خسروا”.
وفي مكان آخر أورد الكاتب:
– ” فان رأيت أخا الاحلام منفرداً – عن قومه وهو منبود ومحتقر النبي وبرد الغد يحجبه – عن امة برداء الأمس تأتزز
وهو الغريب عن الدنيا وساكنها – وهو المهاجر لاذ الناس أم عذروا وهو الشديد وان أبدى ملاينة – وهو البعيد تدانى الناس أم هجروا والحر في الارض يبني من منازعه – سجناً وهو لا يدري فيؤتسرُ فان تحرر عن ابناء جلدته – يظل عبداً لما يهوى ويفتكرُ وهو الأريب ولكن في تصلبه – حتى وللحق بطل بل هو البطرُ وهو الطليق ولكن في تسرعه – حتى الى أوج مجد خالد صغر اللطف في الناس اصداف وان نعمت – اضلاعها لم تكن في جوفها الدرز فمن خبيث له نفسان واحدة من العجين وأخرى دونها الحجز ومن خفيف ومن مستأنس خبث – تكاد تدمي ثنايا ثوبه الأبر وللطف للنذل درغ يستجير به – ان راعه وجلّ او هالة الخطرُ فان رأيت قوياً ليناً فيه لأعين- فقدت ابصارها البصر والظرف في الناس تمويه وابغضه – ظرف الاولى في فنون الاقتدا مهروا من معجب بأمور وهو يجهلها – وليس له نفع ولا ضررُ ومن عتي يرى في نفسه ملكاً – وظلة قمراً يزهو ويزدهر ومن شموخ غدت مرآته فلكاً – في صوتها نغم في لفظها سورُ”.
[1] Lorimer, J.G. Gazetteer of the Persian Gulf, Oman and the Central Arabia. Vol. part I,P.1391.
[2] – لوريمر: دليل الخليج، ج ۷، ص ٣٨٦٨.
[3] – حسين خلف الشيخ خزعل: تاريخ الكويت السياسي، ج 1، بيروت- ١٩٦٢، ص 133- 134.