سعاد الهرمزي
لون فريد في الغناء لا يضاهيه أو يقترب منه أي لون آخر من ألوان الغناء العربي، وهو أيضا لون محير فلا تدري هل هو مونولوج أو غناء خفيف أو غناء عاطفي أو هو كل ذلك معا!
أما صوتها وأداؤها فيستقلان بمواصفات مميزة وخصائص متفردة ويبعدان ابتعادا غير مألوف عن صوت وأداء أي مغنية في الوسط الغنائي العربي.
من أين استقت شخصيتها الغنائية؟
انه سؤال صعب لا يمكن الرد عليه بسهولة الا إذا عدنا الى الموهبة لنعزو اليها قدرتها على تكوين هذه الشخصية الصوتية الفريدة، ولأن عفيفة اسكندر غنت الشعر فإن الكلمة عندها تخرج صافية بلفظها وفصاحتها وموسيقيتها وهي في كل ما غنت شعرا أو زجلا أقرب الى الاكتمال اللفظي والاحساس بالكلمة وحسن الاختيار الذي تبدو فيه ملكتها على أشدها في رهافة الحس ورقة الشعور، وهي لم تكن تحسن اختيار الشعر أو الزجل فحسب، بل كانت فطنتها ودرايتها وتذوقها الموسيقى يمتد الى اللحن كذلك.
تقبل الألحان المنسجمة مع صوتها
والمطربة عفيفة اسكندر تختار ألحان أغانيها بدقة شديدة وقد رفضت كثيرا من الألحان حتى من أولئك الذين كانوا يقفون في الصدارة من ملحني القطر ولم تقبل لحنا قط من أي ملحن مهما علا قدره الا إذا كان منسجما مع صوتها فكأنه قد قيس عليه وعلى إثر موقفها هذا من الألحان، قال عنها العديد من الملحنين والمؤلفين ان أصعب مغنية هي عفيفة اسكندر وهي صعبة فعلا لأنها كانت تدقق في الاختيار ولا تغني أي لحن أو أي كلام.
(جابو كلي) أو المسدس السريع
ظهرت عفيفة اسكندر للمرة الأولى على المسرح في ملهى صغير بمدينة اربيل في أواسط الثلاثينات، وكانوا يسمونها في تلك الفترة بـ (جابوكلي) وتعني المسدس السريع الطلقات.
هناك مجموعة كبيرة من خيرة رواد التلحين في القطر، الذين غنت لهم، وقدمت العديد من الأغنيات الجميلة التي تشكل الآن ثروة كبيرة لتراثنا الغنائي، وأبرز من تعاملت معه الفنان «سمير بغدادي» أو وديع خوندة ورضا علي وناظم نعيم وكريم بدر وأحمد الخليل وعباس جميل وياسين الراوي وخزعل مهدي وسواهم.
وحتى فرقتها الموسيقية التي تصاحبها في الغناء تختارها بدقة وعناية كي تتناسب مع صوتها وطريقتها في الأداء. ان حفلاتها كانت أسبوعية وتتضمن في كل حفلة (وصلتين) بحدود ساعة لكل وصلة غنائية وفي بداياتها الأولى كانت فرقتها تتكون من عناصر فنية ثم تركوها وسافروا فبدأت بالتعاون مع مجموعة من الموسيقيين أبرزهم سالم حسين وخضير الشبلي وجمال سري على آلة القانون وكريم بدر وكريكور برصوميان وجوزيف حنا وجميل بشير على الكمان وخضير الياس على الناي وعلى العود كان الفنانان منير بشير وروحي الخماش كما كان الفنان حسين عبدالله يشارك في حفلاتها كضابط ايقاع.
لها ذكرى مع موسيقار الأجيال الفنان محمد عبد الوهاب عندما مثلت معه في فيلم «يوم سعيد» إخراج «محمد كريم» ولحن لها أغنية غنتها في الفيلم عام 1940 لكن عند عرض الفيلم لم تقدم الأغنية لأن المخرج اضطر الى حذفها مع مشاهد أخرى بعد اكتشافه ان الفيلم قد تجاوز الساعتين وهو وقت طويل ويمله مشاهدو السينما.
ومن الأمور الأخرى التي اتذكرها لقاؤها مع الموسيقار فريد الاطرش والاتفاق بينهما للتمثيل والغناء معه في أحد الأفلام السينمائية، وكادت المحاولة تنجح لولا مغادرتها (أي عفيفة) للقاهرة على عجل بسبب التزامها بعقد مع أحد الملاهي.
أما الفيلم المصري الوحيد الذي ظهرت فيه فهو فيلم «القاهرة بغداد» وهو انتاج مشترك (عراقي مصري), وقد كانت عفيفة طيبة القلب وتحمل نفسا زكية وتقدم المساعدة لكل من يطلبها، لذلك فهي تعاطفت مع العديد من الأسر التي احنى عليها الدهر وجار عليها الزمان حيث قامت بتخصيص مرتبات شهرية منتظمة لهذه العوائل لتمكنها من العيش بكرامة.