لينين و جاسم الحلواني ([1]) وحق تقرير المصير الأمم ومنها الشعب الكوردي

 

 

اعداد: عدنان رحمن

اصدار: 21- 11- 2023

 

في كراس لفلاديمير لينين ([2]) بعنوان ( حق الأمم في تقرير مصيرها)، الذي صدر عن شركة دار الرواد للطباعة المزدهرة، بلا عنوان ولا تاريخ، ورد في جزءٍ منها تحت الرقم 9 وبعنوان ( برنامج عام 1903 ومصفوه) ما يلي:

– ” أصبحت اليوم محاضر مؤتمر عام ۱۹۰۳، الذي أقر برنامج الماركسيين في روسيا، من الوثائق النادرة جدا. ولذا فإن الأكثرية الكبرى من المناضلين الحاليين في حركة العمال تجهل الأسباب التي من أجلها وضعت مختلف نقاط هذا البرنامج ( لا سيما وأن ليس جميع الكتابات الخاصة به تتمتع بنعم العلنية. ولهذا فمن الضروري أن ندرس كيف حلل مؤتمر عام ۱۹۰۳ هذه القضية التي تهمنا. ونلاحظ في بادئ الأمر، أن الكتابات الاشتراكية- الديموقراطية الروسية التي تبحث في ” حق الأمم في تقرير مصيرها” تدل بوضوح، رغم قلتها على أن معنى هذا الحق كان يُفهم دائما كحق الانفصال. وأن السادة سيمكوفسكي وليبمان ويوركيفتش وإضرابهم الذين يشكون في ذلك ويصرحون بأن الفقرة التاسعة ينقصها الوضوح. الخ، لا يتحدثون عن هذا إلا بسبب جهلهم الفاضح أو لامبالاتهم.

 

 

 

فمنذ عام ۱۹۰۲، دافع بليخانوف في جريدة ” زاريا” عن مبدأ ” حق تقرير المصير” الوارد في مشروع البرنامج وكتب يقول أن هذا المطلب، الذي كان غير اجباري بالنسبة إلى الديموقراطيين البرجوازيين هو اجباري بالنسبة إلى الاشتراكيين- الديموقراطيين ..؟. ثم اضاف قوله: فلو اهملناه وخشينا من الافصاح عنه خوفا من صدم الأوهام القومية لدى مواطنينا من ابناء القبيلة الروسية لكان.. نداء ( يا عمال العالم اتحدوا) ! نفاقا مخجلا في أفواهنا؟ وهذا وصف موفق جدا في صالح البرهان الأساسي الذي يدعم النقطة التي نبحثها ووصف موفق إلى حد أن ليس من باب الصدفة أن أهمله نقاد برنامجنا الذين نسوا نسبهم وما زالوا يهملونه وجلين فإن التخلي عن هذه النقطة، مهما كانت الدوافع التي يمكن التذرع بها، معناه، في الواقع تراجع مخجل أمام نزعة التعصب القومي الروسي. ولكن لماذا نقول الروسي، ما دمنا نتكلم عن حق جميع الأمم في تقرير مصيرها؟. إننا نقول ذلك لأن المراد هنا هو الانفصال عن الروس. إن مصلحة اتحاد البروليتاريا مصلحة تضامنها الطبقى تتطلب الاعتراف بحق الأمم في الانفصال، وهذا ما اعترف به بلیخانوف، منذ اثني عشر عاما، في العبارات التي ذكرناها. ولو أن أصحابنا الانتهازيين فكروا فيها مليا، لما تفوهوا، أغلب الظن بذلك السيل من الحماقات حول حرية تقرير المصير. كانت معظم الأعمال في مؤتمر عام ۱۹۰۳ الذي صودق فيه على مشروع البرنامج هذا، الذي دافع عنه بليخانوف، تجري في ” لجنة البرنامج”، التي لم تسجل محاضرها لسوء الحظ. ولكن هذه المحاضر كان يمكن أن تفيدنا كثيرا فيما يتعلق بهذه النقطة بالضبط. وذلك لأن الاشتراكيين- الديموقراطيين البولونيين فارتسافكي وهانيسكي، حاولا في اجتماعات تلك اللجنة دون سواها، أن يدافعا عن وجهات نظرهما، وأن يعارضا الاعتراف بحق حرية تقرير المصير. فإن القارئ الذي يرغب في المقارنة بين براهينهما الواردة في خطاب فارتسافسكي وفي التصريح المشترك الذي أدلي به مع هانيسكي وبين البراهين التي قدمتها روزا لوكسمبورج في مقالها البولوني الذي حللناه آنفا، يلاحظ التشابه التام بين هذه الحجج. وماذا كان موقف لجنة المؤتمر في المؤتمر الثاني من تلك الحجج حيث حمل بليخاتوف أكثر من غيره على الماركسيين البولونيين.. لقد وقفت منهما موقف السخرية اللاذعة! وقد بدت بجلاء ووضوح حماقة الاقتراح الذي يدعو ماركسيي روسيا أن يطرحوا جانبا الاعتراف بحق الأمم في تقرير مصيرها إلى درجة أن الماركسيين البولونيين، لم يجرؤوا حتى على ترديد براهينهم أمام هيئة المؤتمر العمومية!! فغادروا بعد أن اقتنعوا بيأس موقفهم أمام هيئة للماركسيين من روس ويهود وجورجيين وارمن. ولا شك أن هذا الحادث التاريخي يتمتع بأهمية كبيرة جدا في نظر كل امرئ يحرص صادقا على برنامجه هو. إن تحطيم حجج الماركسيين البولونيين تحطيما تاما في جلسات لجنة البرنامج في المؤتمر، وعدولهم عن إبداء أي محاولة للدفاع عن آرائهم أمام هيئة المؤتمر العامة، أمران لهما دلالة عميقة جدا. وليس من باب الصدفة أن روزا لوكسمبورج لجأت إلى السكوت عن هذا بتواضع في مقالها عام ۱۹۰۸. ويظهر أن ذكريات المؤتمر كانت تزعجها كثيرا! وقد تجنبت الكلام أيضا عن ذلك الاقتراح السخيف التعس الذي قدمه فارتسافسكي وهانيسكي عام ۱۹۰۳ بإسم جميع الماركسيين البولونيين وطلبا فيه تعديل الفقرة التاسعة من البرنامج، الذي لم تجرؤ ولن تجرؤ روزا لوكسمبورج ولا غيرها من الاشتراكيين الديموقراطيين البولونيين على ترديده، ولكن إذا كانت روزا لوكسمبورج، قد لزمت الصمت حول هذه الأمور، لكي تستر الهزيمة التي منيت بها عام ۱۹۰۳، فإن الذين يهتمون بتاريخ حزبهم سيسعون إلى معرفة تلك الأمور وإلى التفكير مليا في أهميتها. كتب أصدقاء روزا لوكسمبورج إلى المؤتمر عام ۱۹۰۳ عندما غادروه قائلين: ( إننا نقترح أن تصاغ الفقرة السابعة من مشروع البرنامج التي أصبحت اليوم الفقرة التاسعة على الشكل التالي: الفقرة السابعة مؤسسات تضمن حرية التطور الثقافي التامة لجميع الأمم التي تؤلف الدولة؟). وهكذا يتبين ان الماركسيين البولونيين كانوا يبدون يومئذ، فيما يتعلق بقضية القوميات آراء غاية في الابهام إلى درجة أنهم كانوا يقترحون في الواقع، بدلا من حرية تقرير المصير صيغة مستعارة من شعار ( استقلال الثقافة القومية الذاتي) المزعوم. إن الأمر ليبدو بعيد التصديق، ولكنه حقيقة واقعة مع الأسف. وعلي الرغم من أن المؤتمر كان يضم خمسة من البولنديين يتمتعون بخمسة أصوات، وثلاثة من القفقاسيين يتمتعون بستة أصوات، فضلا عن صوت استشاري هو صوت كوستروف، على الرغم من ذلك كله، لم يكن هناك أي صوت إلى جانب حذف الفقرة المتعلقة بحرية تقرير المصير. وقد جاءت ثلاثة أصوات فقط إلى جانب اضافة جملة ( استقلال الثقافة القومية الذاتي) على تلك الفقرة ( وفقا لصيغة جولد بلات؟ ( انشاء مؤسسات تضمن للأمم حرية التطور الثقافي التامة). وأيدت أربعة أصوات صيغة ليبر إعطاؤها أي الأمم ( الحق في تطور ثقافي حر)”.

 

 

 

 

وفي مكان آخر من المورد نفسه ورد:

– ” ثم جاؤوا إلى المؤتمر الثاني عام ۱۹۰۳ وهم يصرحون بأن التوحيد قضية ضرورية وملحة ولكنهم غادروا المؤتمر بعد اخفاقاتهم في لجنة البرنامج وكانت كلمتهم الأخيرة تقريرا خطيا نشر في محاضر المؤتمر، وتضمن الاقتراح الآنف الذكر الاستعاضة عن حرية تقرير المصير باستقلال الثقافة القومية الذاتي. ثم جاء عام ١٩٠٦ وانضم الماركسيون البولونيون إلى الحزب. ولكنهم لم يتقدموا مرة بأي اقتراح لتعديل الفقرة التاسعة من البرنامج الروسي، لا عند دخولهم الحزب ولا بعده ( أي لا في المؤتمر عام ۱۹۰۷، ولا في المجلسين العامين اللذين عقدا في عامي ۱۹۰۷ و ۱۹۰۸، ولا في الدورة التي التأمت عام ۱۹۱۰)”.

                وفي كتاب للاستاذ جاسم الحلواني الذي كان بعنوان ( موضوعات سياسية وفكرية معاصرة)، الذي هو من منشورات موقع الناس الالكتروني بالرقم 1، المطبوع في مطبعة ايلاف للطباعة الفنية الحديثة بطبعته الاولى في العام 2014 فقد ورد عنوان لاحد مواضيعه بالشكل التالي: ( ترسيخ الديمقراطية في العراق الضمان الأكيد لتحقيق طموحات الشعب الكوردي القومية)، التي أكَّد فيها حق الشعب الكوردي بتحقيق مصيره في الاستقلال، وكانت للكاتب بعض الملاحظات المنتقدة حول أمور عديدة تتعلّق بهذا الأمر وأخرى غيرها. التي كتبها في 29 أيلول- 2008، ذكر فيها ما يلي:

– ” أن للشعـب الكوردي في العراق الحق بالانفصال وتكوين دولته المستقلة وفقاً للشرائع الدولية، كما يهمه الاعتراف بهذا الحق من قبل الآخرين، إلا أن أنـه لم يسع الى تحقيق ذلك لادراكه بعدم امكانية تحقيقه في الظروف الراهنة لأسباب عديدة لسنا بصددها في هذا المجال. لذلك كافح الشعب الكردي مـن اجل ما يمكن تحقيقه من حقوقه المشروعة ضمن دولة العراق. وقد لعب كفاح الشعب الكوردي لنيل حقوقه القومية دوراً مهماً في تاريخ العراق المعاصر لارتباط قضيته ارتباطاً عضوياً بقضية الديمقراطية. ومن هنا باتت القوى الديمقراطية واليسارية حليفة للقضية الكوردية وتبنى الطرفان شعار ( الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكوردستان) منذ مطلع ستينيات القرن الماضي. ودخلت القوى الديمقراطية في تحالفات مع القيادات القومية الكوردية. ولم يتغير موقفها من دعم الحقوق القومية الكوردية رغم الصراعات والاصطدامات الدموية أحياناً، التي حصلت بينها وبين القيادات القومية الكوردية. وقد اصطدم كفاح الشعب الكوردي من أجل تحقيق طموحاته القومية دوماً بنزعة الحكام العرب الشوفينية وأدى ذلك إلى صدامات دموية راح ضحيتها الكثير من العراقيين عرباً وأكراداً ومـن ابناء القوميات الأخرى. وقد تحمّل الشعب الكوردي، الذي يشكل القومية الثانية في العراق الكثير من الكوارث والمآسي لا سيما في عهد النظام الدكتاتوري البعثي. وإن حملات الأنفال الوحشية وجريمة قصف حلبجة بالأسلحة الكيمياوية وتعرض أهاليها للإبادة خير شاهد على سياسة الابادة الشاملة سيئة الصيت التي اتبعتها الدكتاتورية تجاه الشعب الكوردي. وكأية حركة سياسية- اجتماعية تاريخية مهمة، تغطي مراحل ومنعطفات عديدة وتشكل تاريخا مديدا، لا يمكن أن تخلو من أخطاء، والحركة الكوردية غير مستثناة من ذلك. إن الإشارة إلى تلك الأخطاء تكتسب أهمية خاصة في الظروف الراهنة التي يمر بها الشعب الكوردي للاستفادة من دروسها وعِبَرَها”.

وفي المورد نفسه ورد:

– ” لقد لعبت الجبهة الكوردستانية منذ الإطاحة بالاستبداد في التاسع من نيسان عام ٢٠٠٣، دوراً فاعلا ومؤثراً في كل الإنجازات التي تحققت منذ اليوم الأول لانطلاق العملية السياسية، التي تستهدف إقامة نظام ديمقراطي فيدرالي في العراق، وتحقيق السيادة التامة. وكانت الجبهة ركن أساسي في هذه العملية. وفي نفس الوقت تتحمل الجبهة مسؤولية نواقص كثيرة حصـلت ولا تزال قائمة. وأهم هذه النواقص، هي النواقص التي وردت في الدستور وكانت سبباً في بعض الأزمــات التي ستمر بها البلاد”.

 

[1] – اورد أ. د. ابراهيم العلاّف عن الحلواني: ” قال الاستاذ  جاسم الحلواني وهو احد قادة الحزب الشيوعي العراقي الحاليين-  في الحرب  العراقية- الايرانية 1980- 1988 استنزافا لإمكانيات البلدين العراق وايران  في الاموال والارواح، وقال اننا في الحزب الشيوعي حذرنا من تعاظم قوة الجيش العراقي وزيادة تسليحة والاستمرار في استيراد الاسلحة المتطورة ونظرنا الى هذا الامر على انه لا يصب في مصلحة العراق الوطنية. كما ان هذه الحرب تطورت فيما بعد بحيث امتدت لاحتلال الكويت”. للمزيد انظر: مدونة أ. د. ابراهيم العلاّف بتاريخ 6 يوليو 2021 التي كانت تحت عنـــــــوان ( موقف الحزب الشيوعي العراقي من الحرب العراقية- الايرانية 1980- 1988).

[2] – ” فلاديمير ألييتش أوليانوف المعروف بـ لينين (بالروسية: Владимир Ильич Ульянов) ولد في 22 أبريل عام 1870 وتوفي في 21 يناير عام 1924. كان ثوريا روسيا ماركسيا وقائد الحزب البلشفي والثورة البلشفية، كما أسس المذهب اللينيني السياسي رافعاً شعاره الأرض والخبز والسلام. وهو مؤسس دولة الاتحاد السوفيتي”. الموسوعة الحرّة.

قد يعجبك ايضا