د. توفيق رفيق التونجي
“اغاجي قورت، انسانى درد ير”
حكمة توركمانية*
العراق مصطلح جغرافي غير قومي وتاريخياً كان مسكنا لعدد من الأقوام و الشعوب منهم من جاء لاجئا طالبا للعيش بسلام ومنهم من جاءه جائعاً ليطعمه ثمر السواد ومنهم من غزاها واحتلها وسباها ومنهم من جاء من اجل الثروة او الجاه والسلطة ومنهم من أمها طالبا للعلم او متصوفا في رحاب العلم وصاحب شبابا إخوة له في الصفا و خلان الوفا. مأوى شهداء صحراء كربلاء وبيت الأئمة والصحابة الكرام و مركز العلم و النور. بلاد الرافدين اي بلاد نهري دجلة والفرات من المنبع الى المصب وهذا ليس ما نراه اليوم من حدود الدولة العراقية الفتية بل اكبر من ذلك بكثير وحتى هي ليس بالتسمية التي اطلقها اليونانيين وسموها “بلاد ما بين النهرين” فهي تختصر الحدود بين النهرين فقط اي دجلة والفرات لكن واقع الأمر مختلف تماما حين نقول بلاد الرافدين في تشمل اراضي تقع اليوم في دول مثل ايران، تركيا ، سوريا والعراق.
اما إذا رغبت، قارئي الكريم معرفة الروح العراقية الحقيقية فقم بزيارة مدينة كركوك فستجد فيها عائلة عراقية تمثل البوتقة الثقافية الحقيقية لمجتمع دولة العراق الحديثة. ففيها الكوردي ، العربي ، التوركماني ، السرياني و الارمني وفيها المسلم والمسيحي واليهودي وفيها كذلك السني والشيعي ، الرافضي والكاكائي والايزيدي، اهل الحق والمندائي والكاثوليك و أبناء الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية ، النقشبندي، الكسنزاني ، الطالباني وحتى الزرادشتي. انها أبدع صورة لمجتمع بشري في الدنيا قاطبة. كل ذلك نتيجة للحوار السلمي الحضاري الذي جرى فصوله على تلك الأرض الطيبة المعطاة بين اقوام وشعوب و عبر دهور من الزمن ولا يزال مستمرا لحد يومنا هذا.
لاعبوا أول منتخب وطني عراقي لكرة القدم سنة 1951 (**)
الدولة ذو النظام الاتحادي وما تسمى الدولة الفيدرالية, اتحاد طوعي شبيه بذلك الحوار الحضاري الجاري في مجتمع كركوك وهو مصطلح حديث يقوم على أساس المشاركة في الحكم والسلطة وإدارة الدول التعددية القوميات والثقافات. الدولة الاتحادية نابع من إرادة حرة لمكونات شعب وليس بالقوة واستخدام العنف والقوة العسكرية التي تفضي الى الاحتلال. اي دولة للعيش المشترك وبمؤسسات اتحادية ولا تاتي من فرض من قوى فوقية او انقلاب عسكري او حكومة مركزية. الدولة الاتحادية تؤمن لكل قوم حقه ان يحكم نفسه بنفسه في منطقته او ولايته الاتحادية متحدة او “كانتون” كما تسمى في سويسرا وتسمى بالألمانية (بوندس لاند ) ولإقليم الحق بالاستقلال او اختيار النظام الكونفدراي (اتحاد بين دولتين مستقلتين). الأقاليم لها كافة مقومات الدولة الوطنية في اتحاد طوعي و مشاركة مع حكومة المركز حيث تترك أمورا كالخارجية والمالية والدفاع وامور اخرى للحكومة المركزية. للولاية الاتحادية قوانين خاصة بها وليس بالضرورة ان تكون بنفس صيغة القوانين المركزية بالإضافة الى القوانين الاتحادية ولها علمها ونشيدها الوطني.
كذلك للإقليم الاتحادي حكومة و وزراء ويشارك مواطنيها في الانتخابات النيابية المركزية والانتخابات النيابية في الإقليم على مستوى مجالس المحافظات والبرلمان المركزي والإقليمي. كما انها وحسب ثقلها البرلماني تعتبر عامل توازن كحجر ألقبان و مؤثر في تشكيل الحكومة المركزية. أشهر تلك الأنظمة الاتحادية نجده في عدد من الدول كما في الولايات المتحدة الأمريكية و المانيا الاتحادية ودخلت للخط كذلك روسيا الاتحادية مع تغير كبير فيما تخص الهيمنة المركزية الآن وإبان جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق والتي كانت تتألف من جمهوريات شبه مستقلة ولكن يحكمها الحزب الشيوعي مركزيا من موسكو وحتى جمهورية اوكرانيا التي كانت جمهورية مستقلة. وهناك كذلك دول اتحادية امثال المكسيك والنمسا وسويسرا والتي بدورها تنقسم الى أقاليم اتحادية . كانت جمهوريات يوغسلافيا السابقة تتألف من مجموعة جمهوريات متحدة استقلت بعد انهيارها الى عدد من الدول الوطنية.
“تبقى الدولة الاتحادية الديمقراطية أفضل حل كنظام حكم عادل للمشاركة في السلطة والحكم في الدول ذو التعددية القومية والعقائدية. العراق كدولة تعددي الثقافات القومية والعقائد الدينية وكدولة اتحادية طوعية بين تلك المكونات هو صمام الأمان لديمومتها وبقائها موحدة كدولة وطنية مستقلة في المستقبل”
للحكومة الفيدرالية دستور دولة مركزية ودستور لكل إقليم او ولاية اتحادية. الحكومة الاتحادية فدرالية حيث يتقاسم الجميع في السيادة والبرلمان الاتحادي وجميع مؤسسات الدولة الاتحادية تتألف من مواطني جميع الولايات كما الجيش والشرطة والأمن الوطني. مواد الدستور الاتحادي يجب ان ينص بنوده وبعبارة صريحة و بوضوح على شكل نظام الدولة ومواد حول العلاقة بين المركز والأقاليم والمحكمة والشرطة الاتحادية والمستقلة. اما الأحزاب السياسية فلها ان تعمل وبحرية ضمن الدستور ومن الأحزاب التي لا تعترف بالدستور أساسا لا وجود له كقوة سياسية وتغرد خارج السرب انتظارا كي تحين الفرصة لإعلان البيان رقم واحد والإجهاض على النظام بأكمله بانقلاب عسكري. لان الدستور هو الأساس لنظام الدولة الاتحادية ومن لا يعترف بالأساس لا وجود له ضمن النظام لان الحزب نفسه غير دستوري. يبقى عمل تلك الأحزاب ونشاطاته سريا وتخريبيا متطرفا وهذا ربما كابوس العديد من الأنظمة الحاكمة اليوم في الشرق بصورة عامة حتى في تلك التي تسمي نفسها بالديمقراطية . إلقاء نظرة على مبادئ تلك الأحزاب كافية لتشخيص مأربهم. نجد بين الحين والأخر مطالبات بتغير فقرات دستورية وذلك حق يكفله القانون لكن ضمن القوانين السارية وتحت قبة البرلمان.
القوى السياسية العراقية متخوفة دوما من انفصال كوردستان ومنذ تأسيس الدولة العراقية. هذا التخوف له أسباب تاريخية. الحيف الذي وقع تاريخيا على هذا الشعب مع انهيار الدولة العثمانية وربما نتيجة لعدم تعاونها مع القوى المنتصرة في الحرب كما فعلت القوى الأخرى في المنطقة. التخوف يشمل جميع الدول التي يكون الكورد جزء من تكوين نسيجها السكاني في ايران، تركيا وفي سوريا وما يسمى ب (كوردستان الكبرى).
المعلومات التاريخية حول حوادث الماضي نسبية أي أنها تكتب من زاوية معينة غير محايدة على الأكثر. لذا يتوجب التنبيه فيما يخص مصداقيتها المطلقة. حيث أن النص التاريخي نص كما وردنا ويجوز طبعا انتقاد النص وتحليل نواياه لكننا قطعا لا نستطيع افناده. لانه فيها دوما نوع من الحقيقة. لذا حين اعتمد على نص تاريخي أو حدث لا أحاول الاستنتاج منه بل اعيد التذكير به لمجرد كونها حادثة تاريخية ومصداقيتها تاتي من ناقل الخبر او كاتبه وعلى الأكثر تلك الحوادث معروفة لدن القارئ الكريم.
مع تأسيس الدولة العراقية كان التوجه الى إنشاء دولة عربية كوعد قطعه البريطانيون المنتصرون في الحرب للشريف حسين بن علي مقابل تخليه عن العثمانيين وتعاونه معهم في طردهم من الجزيرة العربية والشام والعراق ( راجع رسائل مكماهون والشريف حسين بهذا الخصوص انظر كذلك الى نهاية هذه المادة) . الدولة العربية كانت تمتد من مدينة مرسين الواقعة اليوم في تركيا الى حدود سلطنة عمان وهذا يشمل العراق، سوريا لبنان، الاردن، جميع دول الخليج و السعودية.لهذا ظهر مسالة ولاية موصل الى الوجود وكانت ذو اكثرية كوردية. لان توزيع تركة الدولة العثمانية اختلف عليها الفرنسيون مع البريطانيون الذين انتصروا في الحرب وكما ذكرت بتأيد عربي حجازي مع بعض قادة الجيش العثماني من العرب القوميين لكن الاتفاقيات التي ابرمت في سيفر ومن ثم في لوزان وتلاهما اتفاقية سايكس – بيكو غيرت الخارطة السياسية الجغرافية للمنطقة ومن نتائج الخارطة الجديدة كان انهاء السيطرة البريطانية على سوريا وطرد الفرنسيين للملك فيصل من سوريا وعودته الى الحجاز ولاحقا تنصيبه ملكا على العراق بمساعدة بريطانية.
الملك الجديد سار على نهج تحديث العراق على الطريقة البريطانية لكن الحكم الملكي ومن خلال تعاقب حكم ملوكه الثلاث ( فيصل الاول، غازي و فيصل الثاني) عانى من انقسامات كبيرة لطبيعة تكوين القومي والعقائدي للشعب العراقي من ناحية ومن ناحية اخرى عانت من انعكاسات الصراعات الدولية في السياسة العالمية خاصة ابان الحرب العالمية الثانية ومن ثم الحرب الباردة حيث الصراع بين مؤيدي دول المحور في مجابهة أنصار دول التحالف ومن ثم الصراع بين المعسكر الرأسمالي والاشتراكي. هذا الصراع ادى الى عدم استقرار الدولة العراقية الفتية وشارك افكار التيار القومي السلبي القادم من مصر وسوريا في تقسيم الشعب العراقي وبث الفرقة بين مكوناتها القومية والعقائدية.
الجيش أصبح وبيد المغامرين من الجنرالات رأس الحربة في الانقلابات كنتيجة لصراع لتلك الأفكار وكان من نتائجها العديد من الانقلابات العسكرية في المنطقة باسرها. لم يتمكن ولحد يومنا هذا اي حزب سياسي في العراق اجراء تحليل دقيق للخارطة الفكرية والعقائدية وانتشارها على الساحة العراقية من شمالها الكوردستاني الى ابلتها في البصرة. لذا نرى في خارطة التوزيع الفكري السياسي العراقي اليوم احزاب فئوية، طائفية، مناطقية، قومية، مذهبية عائلية ولكنهم مع وصولهم الى قبة البرلمان يتحدثون باسم الشعب العراقي. اذ يعتقد كل جهة حال تسلمها السلطة وتفوقها في الحصول على عدد اكبر من مقاعد البرلمان احقيتها بالسلطة والحكم والأدهى انها تضرب حتى بالدستور والقانون عرض الحائط ملوحا بعصا العسكر والميليشيات مستخدما العنف والشدة والتهديد. لا ريب ان المظاهر السلبية في الإدارة والحكم وتفشي الفساد يساعد في تفكيك النسيج السكاني للبلاد ويؤمن البيئة الصالحة لأفكار العودة الى الدكتاتورية وما يسمه الناس شعبيا( الزمن الجميل). التعميم ها هنا يؤكد القاعدة كما هي عليها حالة الاستثناء. الجدير بالذكر انه هناك من النواب في البرلمان لم يقرأ الدستور ولا يعرف بنوده فيما يخص الدولة الاتحادية وعلاقة المركز بالإقليم.
ذكرت بان رغم قدسية الدستور وبنوده للدولة الاتحادية يبقى هذا الدستور تحت تهديد القوي السياسية من ناحية والإلغاء الكامل لبنودها من قبل هؤلاء المتربصين للنظام. نرى انه حتى الشعب يفتقر فهم شكل النظام لسيادة الجهل السياسي وعدم تسويق الدولة نفسها على أساس اتحادي بل على الأكثر طائفي ( حكم الشيعة) . ليس غريبا ان نجد قوى سياسية تدعوا الى تغير موادها وحتى التلميح بعودة العسكر للحكم مثلا او اعتبار الفترة الدكتاتورية وحكم الحزب الواحد خلاصا للعراق والهجوم بشتى الأساليب على تجربة الإقليم وإعاقة نجاح التجربة الاتحادية في العراق.
منذ تأسيس الدولة العراقية،القوى السياسية العراقية متخوفة من انفصال كوردستان،هذا التخوف له أسباب تاريخية، الحيف الذي وقع تأريخياً على هذا الشعب مع انهيار الدولة العثمانية وربما نتيجة لعدم تعاونها مع القوى المنتصرة في الحرب كما فعلت القوى الأخرى في المنطقة،التخوف يشمل جميع الدول التي يكون الكورد جزء من تكوين نسيجها السكاني.
تبقى الدولة الاتحادية الديمقراطية أفضل حل كنظام حكم عادل للمشاركة في السلطة والحكم في الدول ذو التعددية القومية والعقائدية. العراق كدولة تعددي الثقافات القومية والعقائد الدينية وكدولة اتحادية طوعية بين تلك المكونات هو صمام الأمان لديمومتها وبقائها موحدة كدولة وطنية مستقلة في المستقبل.وتبقى الفيدرالية مثالا لنظام أقاليم متحدة و كنموذجي يحتذي به في المنطقة بأسره لأنها تؤمن وحدة أراضي دولها ووحدة ترابها الوطني ويبعد الحروب والانقسامات.
الأندلس
2023
إشارات:
*هذه الحكمة تعني بالعربية:
يأكل السوس الشجر والغم البشر. وهذا حالنا نحن محشر العراقيين.
ألصورة:
** أسماء لاعبوا أول منتخب وطني بتاريخ الكرة العراقية 1951 أفضل تمثيل لتكوين التعددي للشعب العراقي:
: 1 لطفي عبد القادر . 2 صالح فرج . 3 بيرسي لنزيل . 4 شاكر إسماعيل . 5 معروف عبدالله . 6 جميل عباس . 7 حميد جبر . 8 سعيد يشوع . 9 ناصر يوسف . 10 حمه بشكه . 11 عادل كامل . 12 توما عبد الأحد . 13خزعل أرحيم . 14 عادل بشير . 15 عبد الودود خليل ( الكابتن.) 16. كريم علاوي 17. غازي عبدالله . 18 أرام كرم. المصدر؛ صفحة: مجموعة_بغداد_القديمة.
من دستور الولايات المتحدة:
” نحن شعب الولايات المتحدة رغبة منا في إنشاء اتحاد أكثر كمالاً، وفي إقامة العدالة، وضمان الاستقرار الداخلي، وتوفير سبل الدفاع المشترك، وتعزيز الخير العام وتأمين نعم الحرية لنا ولأجيالنا القادمة، نرسم ونضع هذا الدستور للولايات المتحدة الأمريكية.”
اما القانون الأساسي (Grundgesetz) ففيها ينص الدستور جمهورية ألمانيا الاتحادية.
” يحدد أهم قواعد العيش المشترك في ألمانيا. لا يجوز لأي قانون أن يتعارض مع القانون الأساسي. على سبيل المثال، لا يجوز أن يحتوي قانون اللجوء أو القانون الجنائي على أي قوانين تتعارض مع القانون الأساسي. القانون الأساسي هو أهم قانون في ألمانيا: وهو فوق كل القوانين الأخرى.”
مقتطفات من الرسائل المتبادلة ، هنا نرى موقف الشريف حسين حول أتشاء الدولة العربية .الترجمة الأستاذ مؤيد الونداوي راجع:
https://m.facebook.com/groups/183856992235174/permalink/1389082701712591/
“………ولحين حلول الوقت للدخول في مفاوضات: – اولا: تعترف بريطانيا باستقلال بلاد العرب، يحدها من الشمال مرسينا- أضنة حتى 37 من خط العرض التي على امتداده تقع بيرجيك، واورفا، وماردين، وميدات، وجزيرة العمادية، ولغاية حدود بلاد فارس؛ من الشرق حدود بلاد فارس حتى خليج البصرة؛ من الجنوب المحيط الهندي، ما عدا عدن لتبقى كما هي؛ من الغرب يمتد البحر الأحمر، والبحر الأبيض المتوسط المرجع إلى مرسينا. إنجلترا توافق على إعلان الخلافة العربية للإسلام. ثانيا: تعترف حكومة الشريف العربية بأن إنجلترا سيكون لها الأفضلية في جميع المؤسسات الاقتصادية في الدول العربية كلما تساوت ظروف المؤسسات بخلاف ذلك”.